Home > Work > رحلتي الفكرية: في البذور والجذور والثمر
81 " وثِقتي بنفسي هيَ في نهاية الأمرِ ثقة بالإنسَان وبمقدرتهِ علي تجاوز ذاته وعلي الإصلاح والتحوُّل وعلي معرفة حدودِه ، فهيَ ثقة لا ينتُج عنها غرور وخُيلاء وإنّما اعتزاز بالإنسان ومقدراته ، وتفاؤل دائِم بخصوص المستقبَل . وتولَد هذه الحالة العقلية والنّفسية في نفسي مقدرة علي المزيد منَ العمَل من أجل إقامة العدل في الأرض وخلق مجتمَع يليق بنَا كبشَر (أو هكذا أري القضية). "
― عبد الوهاب المسيري , رحلتي الفكرية: في البذور والجذور والثمر
82 " كنا نقوم بحرق البضائع الإنجليزية في ميدان الساعة. وكأي تلاميذ في العالم، كنا ننتهز الفرصة ونحرق كتب الإنجليزية أيضا، عسى الله أن يمن علينا وعلى الأمة العربية بالجلاء الكامل: جلاء القوات الإنجليزية عن مصر المحروسة، وجلاء اللغة الإنجليزية الكريهة عن كاهلتا "
83 " طورتُ مفهوم "إعادة الزواج من الزوجة نفسها" إذ تتغير الظروف والأوضاع وتتغير الشخصية والتوقعات، فيُعادُ النظر في أسس العلاقة، ويُعادُ تشكيلُها بما يتفق مع الرؤية الجديدة .. وأزعم أنني تزوجت من زوجتي ثلاث مرات، المرة الأولى التقليدية، والثانية بعد حصولي على الدكتوراه، والثالثة بعد حصولها هي على الدكتوراه. ولعل مفهوم "إعادة الزواج من نفس الزوجة" قد يحل بعض المشكلات التي يقابلها الناس في زيجاتهم، إذ يتصور كل طرف في العلاقة الزوجية أن الآخر نمظ محدد لا يتغير، ومن ثم فالتوقعات، والأحزان والأفراح لا تتغير. وهو تصور غير إنساني، فثمة قدر من الثبات، ولكن ثمة قدرا من التغير أيضا، ولابد أن يأخذ الإنسان كل شيء في الحسبان "
84 " طلب منى أن أضع وصفا لمقرر لدراسة تاريخ النظرية النقدية الأدبية و بطبيعة الحال كنت أعرف أنهم يريدونني أن أبدا بأرسطو أو أفلاطون و لكنني قررت أن أصدمهم فقلت : ” الجرجاني “ لأذكرهم بهويتي : دمنهوري مصري عربي مسلم يطل عليهم كأحد علماء الأنثربيولوجيا و يدرس حضارتهم دون أن يكون جزءا منهم. فسألوني من عسى أن يكون الجرجاني؟ فقلت لهم إنهناقد عربي كلاسيكي مهم، وصاحب نظرية نقدية رائدة . فقالوا : حسنا لو كنت في الولاياتالمتحدة ماذا كنت ستفعل ؟ فتنطعت وقلت : أنا لاأنوي البقاء في الولايات المتحدة تحت أيظروف . قالوا: فلنفترض ذلك . فابتسمت وقلت : حسنا، لو افترض ذلك ( وهو أمرصعب بعض الشيء علي) فإننا سنبدأ ولا شك بأرسطو . المهم بعد هذه المعركة الكوميديةالمفتعلة الأولية، أصبح الأساتذة الممتحنون طوع يميني تماما ، فلقد بينت لهم حدود معرفتهم و جهلهم تماما بخلفيتي الثقافية "
85 " من قال ان الجهاد الدينى لا يكون الا ضد اليهود واليهود وحدهم واليهود دون سواهم ؟ الم يعش اليهود فى مجتمعاتهم الاسلامية مئات السنين دون نزاع او اضطهاد ؟ الا تتحدث كتب التاريخ الاسلامى وغيرها عن عصرهم الذهبى فى اسبانيا الاسلامية الا نفخر بذلك وبأن العدل هو القيمة القطب فى الاسلام ؟ الا يجب الجهاد ضد من اغتصب الارض وطرد الاهل مهما كانت ملته وديانته يهوديا كان ام مسيحيا ام ملحدا او حتى مسلما ؟ الا يجب الجهاد ضد نظام عالمى جديد يريد ان يمسك العالم بقبضة حديدية ويفرض ارادته الغاشمة ؟ اليس من الواجب ان نعرف عدونا : نعرف هويته وسماته الخاصة والقوانين المتحكمة فى حركته دون ان نخلد الى الصيغ العامة التى لا تغنى ولا تسمن من جوع فى الصراع اليومى والتى تريحنا نفسيا دون ان تحسن اداءنا الجهادى ؟ "
86 " أنا لا أحب الدخول في المعارك الصغيرة، وأفضِّل الاستسلام فيها حتى لا تستنفد طاقتي فيما لا يفيد "
87 " إن السقوط في الوحل أسهل بكثير من الصعود إلى النجوم "
88 " تحول الاسلام بالنسبة لي من مجرد عقيدة أومن بها إلى رؤية للكون أومن بأنه يمكن للإنسان أن يولد منها نماذج تحليلية ذات مقدرة تفسيرية عالية كما يعطي إجابات عن الأسئلة النهائية "
89 " وفي محاولة تفسير هذه الظاهرة وجدت ان النسبية المعرفية والاخلاقية التي كانت المفروض فيها انها ستحرر اللانسان وتفسح له المجال لتأكيد فرديته, ادت الي العكس . فالنسبية تنزع القداسة عن العالم ( الانسان والطبيعة ) وتجعل كل الامور متساوية , ومن هنا فالظلم مثل العدل والعدل مثل الظلم , والثورة ضد الظلم لا تختلف كثيرا عن الاستسلام له . فيصبح من العسير للغاية - بل من المستحيل - علي الانسان الفرد ان يتخذ اي قرارات بشأن اي شيء , ويصبح من السهل اتخاذ القرارات بالنيابة عنه والهيمنة عليه سياسيا . فالنسبية قوضت الانسان / الفرد من الداخل وجعلت منه شخصية هشه غير قادرة علي اتخاذ اي قرار وأن كانت - في الوقت ذاته - قادرة علي تسويغ اي شيء وكل شيء . "
90 " و حين لاحظت تصاعد معدلات الاستهلاكية في المجتمعات الغربية كنت أظن في بداية الأمر أن الهدف من زيادة الاستهلاك هو زيادة الإنتاج ، و هي بالفعل كذلك . و لكن حينما تعمقت في الأمر قليلاً وجدت أنها تهدف أيضاً للترشيد في الإطار المادي و الضبط الإجتماعي و تنميط المجتمع . فتصعيد معدلات الاستهلاكية ، و جعل هذه المعدلات هي المقياس الذي يحدد الإنسان من خلاله مدى سعادته و مكانته الاجتماعية ، هو شكل من أشكال الترشيد الجواني . فالاستهلاكية (وصورة الإنسان الاستهلاكي التي تروج لها من خلال الإعلانات التليفزيونية و أفلام السينيما) تحدد للفرد كل شئ و لا تتركه يحلم أحلاماً خاصة ، و لا أن يسلك سلوكاً خاصاً. و الموضة (أي الأزياء) التي أصبحت واحدة من أهم الصناعات و أضخمها أكبر دليل على ذلك . فالهدف المعلن من تغيير الأزياء هو إعطاء فرصة للمرأة أن تجدد ملابسها و تغيرها حسبما يروق لهافتعبر عن ذاتها . و لكنك لو دققت في الأمر لوجدت أنه لو أن كل امرأة أطلقت فعلاً لخيالها العنان و عبرت عن ذاتيتها خارج كل حدود و قيود و سدود فإن مصانع الملابس الحريمي ستتوقف عن الدوران لأن سلوك المرأة لن يمكن التنبؤ به ، و لن يمكن للاحتكارات أن تعد خطوط الإنتاج المليونية ! هنا تأتي مهمة الأزياء ، في أنها تقوم بضبط سلوك المرأة فتصنع لها الخطوط الأساسية التي تتحرك داخلها (الفستان الطويل الأخضر هو الموضة هذا العام ، أما العام الذي يليه فهو القصير الأزرق ، و في العام الثالث فإنه إما أن يكون كذا أو كذا ، و دوخيني يا لمونة ) و بذلك يمكن التنبؤ بسلوكها و استيعابها و استيعاب أحلامها داخل خطوط الإنتاج "
91 " المجتمع الإسرائيلي ,هو ليس مجتمعاً عنصرياً وحسب ولكن قوانينه ايضاً عنصرية. فعلى سبيل المثال ,من الممنوع استئجار عربي للعمل في ارض يمتلكها الصندوق القومي اليهودي,وهذا يشكل ما يزيد على 90% من الأرض . و مع هذا هناك من سكان الكيبوتسات من يريدون استئجار العرب ,إما بسبب رخص العمالة العربية وإما حتى بسبب الشفقة,فيمنحون العرب حقهم الإنساني الطبيعي في العمل من أجل الرزق. وبغض النظر عن الدوافع,فإن القانون يحرم مثل هذا الفعل الإنساني,ومن " يضبط " متلبساً بجريمة استئجار العربي ومنحه حقوقه يقدم للمحاكمة.فالنموذج الفعلي والقانوني هنا يجعل من العدالة مسألة عسيرة التحقيق على الفرد حتى لو اراد هو كفرد ذالك . "
92 " ويظهر رفض الموضوعية المُتلقيّة في دراستي عن فيلم "قائمة شندلر"، إذ بيّنت أن هذا الفيلم لا يتبنى الرؤية الصهيونية للمحرقة، التي تذهب إلى أن امحرقة ان هي إلا تعبير عن عداء الأغيار الأزلي لليهود، واستمرار للمذابح المستمرة ضد اليهود عبر التاريخ، وهي مذابح لا تفسير لها سوى كره العالم لليهود، مما يعني ضرورة تأسيس دولة يهودية لهم، وتبنّي رؤية مُغايرة. وقد بيَّنت في الموسوعة، ابتداءً، أن بطل الفيلم الذي ينقذ اليهود ليس يهودياً، وهذا يُسقط الثنائية الصهيونية الاختزالية: اليهود ضد الجميع. كما أن الفيلم بيَّن أن حرق اليهود ليس مجرد هوس نازي، وليس مُجرد عداء أزلي من جانب الأغيار، فهو يتم لأسباب عملية نابعة من رؤية نفعية مادية واضحة ( ومن هنا التسمية "قائمة شندلر"، فهذا عالم كل شئ فيه محسوب). وبرغم أن نهاية الفيلم الملونة نهاية صهيونية، تدور أحداثها في إسرائيل، فإنها إضافة مُقحمَة، الهدف منها هو الحصول على الأوسكار. وبالفعل حصل سبيلبرج على ما يريد. ولكن إسحق رابين، رئيس وزراء إسرائيل، تَنَبَه إلى المضمون الحقيقي للفيلم، فقال إنه ليس "هولوكوستياً" بما فيه الكفاية!. "
93 " لا يوجد مرض وإنما يوجد مرضى، أي أنه لا توجد نماذج متجردة وإنما يوجد أشخاص يصابون بمرض ما ويستجيب كل واحد منهم للمرض بطريقة مختلفة "
94 " كثيراً ما تواجهني لحظات يفقد فيها الكون معناه ، وتصبح الأمور سخيفة ونسبية ، وأبدأ في الشعور بالرغبة في تحطيم ذاتي وتحطيم من حولي . حدث لي هذا عند توقيع اتفاقية كامب ديفيد . كما حدث في عام 1979 . وأنا في الولايات المتحدة الأمريكية ، وكنت أقوم ساعتها بجولة في الكونجرس لأحدثهم عن علاقة إسرائيل بجنوب إفريقيا . وفجأة بدأت أشعر بسخافة ما أفعله وأتسائل عن جدواه . وكنت أسأل مرافقتي : لم لا أتوقف عن كل هذا ، وأذهب إلى مطعم فرنسي أو صيني يطل على النهر فأجلس فيه وأتناول ما أريد من أطعمة ثم أدخن سيجاراً وأذهب بعدها إلى المسرح وأعود إلى منزلي . وبذلك أكون قد أعطيت ظهرى للتاريخ ، بل وأخرجت لساني له ؟ لماذا سأعود إلى مصر ، وأنا عندي عروض مغرية لوظائف عديدة ؟! أمكث في أمريكا ، بلد اللاتاريخ والآن وهنا ، فأعيش في اللحظة ولا أفكر في لا في الماضي ولا في المستقبل ، فأفقد وعيي وأهنأ بما تحس به حواسي الخمس ، بحسبانه البداية والنهاية ... أليست هذه ألذ طريقة للانتحار يعرفها المرء؟! "
95 " ان الجريمة تمت في ما يتعلق بالانسان حين حكم على المسيح بالموت , ولا ينقص من اثمها شيئا ان رفعه الله اليه "
96 " ومن المفارقات التي تستحق الوقوف عندها أنه رغم خطورة الدور الذي يلعبه القائمون على الإعلام إلا أنهم أشخاص غير منتخبين وأنه لا يمكن مساءلتهم "
97 " أخبرني صديق لا يؤمن تماما بمسألة الألقاب، أنه ذهب إلى النادي مرة ، فكان كل من يقابله يناديه "باشا" ، لكن أحد العاملين حضر وقال: أي خدمة يا "بيه" أخبرني صديقي ضاحكا بأنه فوجئ بأنه شعر بالضيق من هذا الأخير الذي أنكر عليه لقب الباشوية، إلى أن تنبه إلى نفسه فأدرك أن الفرعنة ليست أمرا كامنا في النفس البشرية ، وإنما هي أمر يكتسبه المرء ممن حوله "
98 " والحضارة الغربية الحديثة جعلت من التقدم الدائم والمستمر مركز الكون الذي يمنح العالم تماسكا وغاية. ولكن التقدم المادي الدائم والمستمر والذي ليس له هدف إنساني محدد هو في واقع الأمر مجرد حركة ، فالتقدم لا بد أن يكون نحو شيء ما يحدده الإنسان ، وإلا فهو حركة بلا هدف ولا غاية، فكأن كلمة التقدم أصبحت دالا بلا مدلول ، وكأنها لم تعد قادرة على منح العالم التماسك "
99 " الدراسة الأكاديمية هي الدراسة التي يكتبها أحد المتخصصين الأكاديميين دونما سبب واضح ولا تتسم بأي شيء سوى أنها "صالحة للنشر" لأن صاحبها اتبع مجموعة من الأعراف والآليات البحثية (من توثيق ومراجع وعنعنات علمية موضوعية) تم الاتفاق عليها بين مجموعة من المتخصصين والعلماء. والهدف عادة من مثل هذه الكتابات (التي يُقال لها "أبحاث" مع أنها لا تنبع من أية معاناة حقيقية ولا تشكل "بحثًا" عن أي شيء) هو زيادة عدد الدراسات التي تضمها المسيرة العلمية للأكاديمي صاحب الدراسة. فتتم ترقيته، فالصالح للنشر هو عادة ما يؤهل للترقية. قد تقوم الدنيا ثم تقعد وقد يُقتل الأبرياء وينتصر الظلم وينتشر الظلام، وصاحب "البحث" لا يزال يكتب ويوثق ويعنعن وينشر، ثم يكتب ويوثق ويعنعن وينشر، وتدور المطابع وتسيل الأحبار ويخرج المزيد من الكتب. ثم يذهب صاحبنا إلى المؤتمرات التي تُقرأ فيها أبحاث أكاديمية لا تبحث عن شيء ليزداد لمعانًا وتألقًا، إلى أن يعين رئيس المجلس الأعلى لشئون اللاشيء الأكاديمي، يتحرك في عالم خالٍ من أي هموم إنسانية حقيقية –عالم خالٍ من نبض الحياة : رمادية كالحة هي هذه المعرفة الأكاديمية، وذهبية خضراء هي شجرة المعرفة الحية المورقة "
100 " إن النموذج المعلوماتي التراكمي سيطر تماما وحول كل شيء (الآراء والرؤى والأحلام والآلام) إلى معلومات. وهكذا تضيع الحقيقة ولا يبقى سوى الحقائق "