Home > Work > رحلتي الفكرية: في البذور والجذور والثمر
101 " و إذا كان اكتشافي للشر في النفس الإنسانية و محاولة تفسيرها قد قادني بعيداً عن الإيمان, فإن اكتشافي للخير في النفس الإنسانية عاد بي إلى عالم الإنسانية و الإيمان. "
― عبد الوهاب المسيري , رحلتي الفكرية: في البذور والجذور والثمر
102 " أزعم أن المطلوب ليس تحرير المرأة ، وإنما تقييد الرجل "
103 " ومما ساعد على ترويض ذئب الثروة بل تدجينه تماماً ، أن زوجتي لحسن الظن ، لم تراودها أحلام الثروة ولم تعان من أي نزعات استهلاكية . ( من الأمور المضحكة ، أنها مصابة بحساسية من نوع فريد ، إذ يصفر وجهها وتعطس حينما تمكث مدة طويلة داخل أحد المحلات ، وهي حساسية يحسدني عليها كثير من الأزواج المصريين . واقترح على أحدهم أن أقرضه الفايروس العظيم الذي يتسبب في هذه الحساسية المباركة ) "
104 " و أن الإصرار على أن اليهودية عبارة عن مجموعة من الصفات الثابتة التي يتوارثها اليهود جيلاً بعد جيل يتنافى و تعاليم الإسلام التي تذهب إلى أن الرذيلة - مثل الإستقامة - مسألة اختيار و ليست مسألة ميراث. "
105 " كنا في طفولتنا نحمل الفوانيس و نمر على المنازل نطلب ما يسمى (العادة) ، وهي منحة أصحاب المنازل يعطونها للأطفال الذين “يغفّرون” لهم ، أي ينشدون لهم أنشودة قصيرة كلماتها كانت على النحو التالي : (لولا فلان ما جينا ,يلا الغفار ,(يشكل هذا عجز كل الأبيات ومن هنا جاءت تسمية الأغنية )/ إدونا م تدونا / إدونا ميتين و ريال / نسافر بيهم بر الشام). ثم نتوقف عن الغناء و نقول بسرعة : (هاتوا العادة / لبة و زيادة / و الفانوس طفا / و العيال ناموا / الله خليهم / هما و أهاليهم) "
106 " اﻹنسان كائن أقدامه مغروسة في الوحل، وعيونه شاخصة للنجوم.يسقط دائما لكنه قادر على النهوض ثم التجاوز، "
107 " تعلمت كيف أستند إلى تجربتي الخاصة ولا أنكرها وإلى تراثي ولا أتنكر له ، بل أوظفهما في عملية الإدراك والتفسير "
108 " كنت أرى أن البكاء على الأطلال مفعم بالنبل والحزن ، وهو علامة على أن الإنسان لا ينسى ، لأنه لو نسي ولو ضاعت ذاكرته لكان شيئا بين الأشياء ، أي أن البكاء على الأطلال هو رمز الاختلاف الجوهري بين الإنسان والطبيعة "
109 " كنت قد بدأت ألاحظ أن السلوك الشخصي للرفاق كان متناقضا مع أي نوع من أنواع المثاليات الدينية أو الإنسانية، وأن كمية النرجسية عند بعضهم كانت ضخمة للغاية . وأنا لا أمانع في وجود قدر من النرجسية عند البشر، فهذا أمر أساسي بالنسبة لهم، وخصوصا بالنسبة للثائر، فالنرجسية آلية نفسية يدافع من خلالها عن نفسه ضد مجتمع يود ابتلاعه. ولكن النرجسية التي لاحظتها في كثير من الرفاق كانت بالفعل متطرفة، والحريات الخلقية التي كانوا يسمحون لأنفسهم بها كانت كاملة، أي أنهم في واقع الأمر كانوا شخصيات نيتشوية داروينية، لا علاقة لها بالماركسية ولا بأي منظومة أخلاقية، خاصة أن بعضهم كانت ماركسيته تنبع من، حقد طبقي أعمى وليس من إيمان بضرورة إقامة العدل في الأرض. بل كثيرا ما كنت أشعر أن بعضهم كان ماركسيا بحكم وضعه الطبقي وأنه لو سنحت الفرصة أمامه للفرار من طبقته والانضمام للطبقات المستغلة الظالمة لفعل دون تردد وطلق ماركسيته طلاقا بائنا. لكل هذا قدمت استقالتي ص140 "
110 " وقد أثبت التقدم أن تكلفته عالية، وأنه لم يشف كثيرا من أمراض الإنسان الروحية والنفسية، بل فاقمها. والتقدم، حسب ما تعلمناه، هو تطبيق النموذج الغربي في التنمية والاستهلاك. هو نموذج مبني على غزو الطبيعة والسطو عليها (عشرين بالمئة من سكان العالم من أهل الغرب يستهلكون ثمانين بالمئة من مصادرها الطبيعية). والآن، ماذا لو "تقدمت" الصين والهند حسب المقولات الغربية؟ ألا يعني هذا بليون سيارة جديدة تسير في الطرقات، يخرج عادمها وتلوث الكرة الأرضية وتحرق الأكسجين، خاصة إذا ما "تقدمت" البرازيل هي الأخرى، وبدأت في اجتثاث غابات المطر الاستوائية (لتؤسس المصانع والطرقات وتحقق "التقدم المنشود" على الطريقة الغربية، فهذا حقها القومي)، فإنها بذلك تكون قد اجتثت مصدر ثلث الأوكسجين في العالم. إذا كانت فكرة التقدم الغربية تستند إلى لامحدودية الموارد الطبيعية، فإن الممارسة أثبتت عكس ذلك، فهناك معادن آخذة في الاختفاء، وهناك أنواع من الحيوانات والنباتات تنقرض سنويا ، وهناك مشكلة النفايات الآخذة في التزايد بشكل مخيف (يقال إنه في غضون عدة أعوام ، لو استمر التقدم على ماهو عليه ، فإننا سنحتاج لست كواكب في حجم الكرة الأرضية كمصدر للمواد الخام وكوكبين آخرين للتخلص من نفايات الاستهلاك الوحشي المرتبط بالتقدم). وبطبيعة الحال، هناك النفايات النووية التي لم نعرف طريقة أكيدة للتخلص منها بعد. إن التقدم الذي كان من المفروض فيه أن يحقق سعادة الإنسان الأرضية أصبح يهدد وجوده على هذا الكوكب. وهناك سؤال أطرحه دائما على نفسي وعلى الآخرين: هل جهاز الإنسان العصبي قادر على استيعاب كل هذه الأحاسيس والأفكار والمعلومات التي ترسل له يوميا من بيئته الاجتماعية التي يزداد إيقاعها سرعة ووحشية ؟! وهو السؤال الذي يجب أن نتوقف قليلا لنسأله. "
111 " وحينما سئل فاكيلاف هافل (رئيس جمهورية التشيك) عن الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع، أجاب قائلاً: هذا الوضع له علاقة ما بأننا نعيش في أول حضارة ملحدة في التاريخ البشري، فلم يعد الناس يحترمون ما يُدعى القيم الميتافيزيقية العليا، والتي تمثل شيئاً أعلى مرتبة منهم، شيئاً مفعماً بالأسرار، وأنا لا أتحدث هنا بالضرورة عن إله شخصي، إذ إنني أشير إلى أي شيء مطلق ومتجاوز، هذه الاعتبارات الأساسية كانت تمثل دعامة للناس وأُفُقاً لهم، لكنها فقدت الآن، وتكمن المفارقة في أننا بفقداننا إياها نفقد سيطرتنا على المدنية التي أصبحت تسير دون تحكم من جانبنا، فحينما أعلنت الإنسانية أنها الحاكم الأعلى للعالم، في هذه اللحظة نفسها، بدأ العالم يفقد بُعْدَه الإنساني "
112 " وقد بدأت أشعر بأن ثمة علاقة بين بحث الإنسان عن المطلق ورغبته في التجاوز والنزعة الطوباوية من جهة ، وتصاعد رغبته الجنسية من جهة أخرى. فكلما ضمرت النزعة الطوباوية وتوارت المقدرة على التجاوز ، زاد السعار الجنسي كمحاولة لتعويض الإنسان عن اختفاء عالم الأحلام ، بحسبان أن عالم الجنس هو البديل المادي والمباشر للمدينة الفاضلة (تحقق مؤقت ومادي للفردوس). وكلما ازداد العالم نسبية وتوارى المطلق ، زاد السعار الجنسي أيضا ، فالجنس يزود الإنسان بمركز ومطلق مؤقتين في عالم لا مركز لا ولا مطلقات فيه ، فهو مركز مؤقت ومطلق نسبي يملآن الفراغ الذي يخلقه غياب المركز الدائم والمطلق الحقيقي . إنه ميتافيزيقيا من لا ميتافيزيقيا له ، أو ميتافيزيقيا من لا يود أن يحمل أي أعباء إنسانية أو أخلاقية. "
113 " تعرف زوجتي الحداثة بأنها التخلي عن كل العلاقات الأولية ، مثل علاقات القرابة والانتماء للقبيلة والعلاقة المباشرة بالطبيعة ، واحلال علاقات شخصية مجردة محلها مبنية على التعاقد والمنفعة "
114 " ومما ساعد على ترسيخ النموذج المركب في وعيي الباطن وفي وجداني دراستي للأدب، فالأدب يكاد يكون التخصص الوحيد الذي لا يزال يتعامل مع الإنسان بوصفه إنساناً، أي على أنه كل مركب لا يمكن رده إلى عنصر أو عنصرين في الواقع، ولا يمكن تفسيره في ضوئهما (على عكس الاقتصاد، على سبيل المثال، الذي يدرس الإنسان في إطار المعطيات الاقتصادية وحسب) "
115 " الموضوعية في السياق العربي تعني في واقع الأمر نقل الأفكار الغربية الكامنة بلا وعي ودون إدراك "
116 " وقد تكون آراء الفنان الفلسفية سطحية، على حين نجد أدبه في غاية العمق، لأنه حينما يتفلسف فهو يتفلسف بعقله وحسب ومن خلال ما حصل بشكل واع من أفكار، أما حينما يبدع فهو يبدع من خلال كيانه ومن خلال ما مر به من تجارب لعله لم يفهمها هو نفسه عقليا، ولكنه أدركها واستوعبها بشكل وجودي مباشر وكلي "
117 " كانت المحاضرات التي ألقيها على الطالبات في كلية البنات في جوهرها حواراً مع ذاتي بصوت عال، ومحاولة للوصول إلى أجوبة عن الأسئلة التي تلاحقني. وقد قمت بتدريس الشعر الرومانتيكي والفيكتوري، وهو يناقش نفس المشكلات الفلسفية التي واجهتها ويحاول الإجابة عن نفس الأسئلة التي طرحتها. وأذكر بالذات تدريس قصيدة "الملاح القديم" لكوليردج، وهي قصة ملاح يتسم بسذاجة الماديين وتجردهم ونفعيتهم، يواجه العالم بهذه الرؤية البسيطة فيحاول توظيفه والتحكم الكامل فيه. فالعالم ـ في تصوره ـ تحكمه سببية مادية بسيطة. فيصرع طائر القطرس الأبيض رمز الجماعة الإنسانية والمحبة، بل رمز الإله؛ لا رحمة فيه ولا محبة، فتصبح الحياة خراباً ويباباً وتتوقف السفينة عن الإبحار، بل تتعفن المياه نفسها. ثم يدفع المذنبون ثمن خطيئتهم فيُعاقب البحارة بالموت، أما الملاح القديم فيُعاقب "بالحياة في الموت." وبالتدريج يكتشف الملاح أن عالم المادة وحسابات المكسب والخسارة لا تنفع كثيراً في عالم الإنسان، فيتحول عالمه من مادة محضة إلى عالم تسري فيه الروح. فيدرك جمال أصغر المخلوقات البحرية وأكثرها قبحاً ويباركها، أي أنه بدأ يدرك القيمة المطلقة للأشياء. فتذهب اللعنة وتحل البركة وتعود القداسة وتدب الحياة من حوله مرة أخرى لأنه أثبت مقدرته على الحب وعلى الإحساس بالجمال. "
118 " يخيل إلي أحيانا أننا يجب أن ننظر إلى الإباحية الأمريكية لا في علاقتها بالجنس وإنما في علاقتها بالتشريح، فبعض الأعمال الإباحية الحديثة لا تنظر للجسد باعتباره شيئا يثير الشهوة وإنما باعتباره شيئا ينظر إليه بشكل معملي شبه محايد. فالتعرية هنا تبدأ بالجسد وتنتهي بتعرية الإنسان من تركيبته وإنسانيته. لكل هذا يُنظر للجنس بطريقة محايدة للغاية وكأنه نشاط بيولوجي منفصل عن القيمة (كنت أحاول أن أشرح هذه القضية لبعض الفقهاء ممن كانوا يتحدثون عن "الزنى" في الغرب وكأن الغرب لا يزال يدور داخل إطار الحلال والحرام. فكنت أقول لهم: عندنا في مجتمعاتنا إذا اجتمع رجل وامرأة كان الشيطان ثالثهما. المشكلة في الغرب أن الشيطان لا يحضر، لأن المسألة أصبحت طبيعية ومحايدة بدون أي إحساس بالذنب إلى درجة أنها أصبحت قضية إجرائية بحتة: أين؟ متى؟ إلخ. وكنت أخبرهم أنني أرحب بحضور الشيطان فهو على الأقل يذكرنا بالله، تماما كما يذكرنا الشر بالخير، والحرام بالحلال. "
119 " وبدأت أرى أن الإنسان لو ترك وشأنه ، دون مجتمع يسانده أو يردعه ، فإنه يحمل عبئا ثقيلا يفوق طاقته "
120 " وينتج عن هذا كله تبسيط الوجدان السياسي للإنسان الأمريكي ، بحيث يمكن للسلطة الحاكمة أن تملي عليه ما تريد من أفكار يعتنقها بتلقائية وحرية كاملتين ، فهو من أحادية البعد بحيث لا يمكنه أن يعمل ملكته النقدية ويتجاوز الحدود البلهاء المفروضة عليه وعلى وجدانه "