Home > Author > عبد الوهاب المسيري >

" ‫و حين لاحظت تصاعد معدلات الاستهلاكية في المجتمعات الغربية كنت أظن في بداية الأمر أن الهدف من زيادة الاستهلاك هو زيادة الإنتاج ، و هي بالفعل كذلك . و لكن حينما تعمقت في الأمر قليلاً وجدت أنها تهدف أيضاً للترشيد في الإطار المادي و الضبط الإجتماعي و تنميط المجتمع . فتصعيد معدلات الاستهلاكية ، و جعل هذه المعدلات هي المقياس الذي يحدد الإنسان من خلاله مدى سعادته و مكانته الاجتماعية ، هو شكل من أشكال الترشيد الجواني . فالاستهلاكية (وصورة الإنسان الاستهلاكي التي تروج لها من خلال الإعلانات التليفزيونية و أفلام السينيما) تحدد للفرد كل شئ و لا تتركه يحلم أحلاماً خاصة ، و لا أن يسلك سلوكاً خاصاً.

و الموضة (أي الأزياء) التي أصبحت واحدة من أهم الصناعات و أضخمها أكبر دليل على ذلك . فالهدف المعلن من تغيير الأزياء هو إعطاء فرصة للمرأة أن تجدد ملابسها و تغيرها حسبما يروق لهافتعبر عن ذاتها .

و لكنك لو دققت في الأمر لوجدت أنه لو أن كل امرأة أطلقت فعلاً لخيالها العنان و عبرت عن ذاتيتها خارج كل حدود و قيود و سدود فإن مصانع الملابس الحريمي ستتوقف عن الدوران لأن سلوك المرأة لن يمكن التنبؤ به ، و لن يمكن للاحتكارات أن تعد خطوط الإنتاج المليونية ! هنا تأتي مهمة الأزياء ، في أنها تقوم بضبط سلوك المرأة فتصنع لها الخطوط الأساسية التي تتحرك داخلها (الفستان الطويل الأخضر هو الموضة هذا العام ، أما العام الذي يليه فهو القصير الأزرق ، و في العام الثالث فإنه إما أن يكون كذا أو كذا ، و دوخيني يا لمونة ) و بذلك يمكن التنبؤ بسلوكها و استيعابها و استيعاب أحلامها داخل خطوط الإنتاج "

عبد الوهاب المسيري , رحلتي الفكرية: في البذور والجذور والثمر


Image for Quotes

عبد الوهاب المسيري quote : ‫و حين لاحظت تصاعد معدلات الاستهلاكية في المجتمعات الغربية كنت أظن في بداية الأمر أن الهدف من زيادة الاستهلاك هو زيادة الإنتاج ، و هي بالفعل كذلك . و لكن حينما تعمقت في الأمر قليلاً وجدت أنها تهدف أيضاً للترشيد في الإطار المادي و الضبط الإجتماعي و تنميط المجتمع . فتصعيد معدلات الاستهلاكية ، و جعل هذه المعدلات هي المقياس الذي يحدد الإنسان من خلاله مدى سعادته و مكانته الاجتماعية ، هو شكل من أشكال الترشيد الجواني . فالاستهلاكية (وصورة الإنسان الاستهلاكي التي تروج لها من خلال الإعلانات التليفزيونية و أفلام السينيما) تحدد للفرد كل شئ و لا تتركه يحلم أحلاماً خاصة ، و لا أن يسلك سلوكاً خاصاً. <br /><br />و الموضة (أي الأزياء) التي أصبحت واحدة من أهم الصناعات و أضخمها أكبر دليل على ذلك . فالهدف المعلن من تغيير الأزياء هو إعطاء فرصة للمرأة أن تجدد ملابسها و تغيرها حسبما يروق لهافتعبر عن ذاتها . <br /><br />و لكنك لو دققت في الأمر لوجدت أنه لو أن كل امرأة أطلقت فعلاً لخيالها العنان و عبرت عن ذاتيتها خارج كل حدود و قيود و سدود فإن مصانع الملابس الحريمي ستتوقف عن الدوران لأن سلوك المرأة لن يمكن التنبؤ به ، و لن يمكن للاحتكارات أن تعد خطوط الإنتاج المليونية ! هنا تأتي مهمة الأزياء ، في أنها تقوم بضبط سلوك المرأة فتصنع لها الخطوط الأساسية التي تتحرك داخلها (الفستان الطويل الأخضر هو الموضة هذا العام ، أما العام الذي يليه فهو القصير الأزرق ، و في العام الثالث فإنه إما أن يكون كذا أو كذا ، و دوخيني يا لمونة ) و بذلك يمكن التنبؤ بسلوكها و استيعابها و استيعاب أحلامها داخل خطوط الإنتاج