Home > Work > النظرات
141 " وقوة الذاكرة قَدْرٌ مشترك بين الذكيِّ والغبيِّ، والنابه والأبله؛ لأن الحافظة مَلَكَةٌ مستقلة بنفسها عن بقية الملكات. "
― مصطفى لطفي المنفلوطي , النظرات
142 " أيكون لسفينة البر — وهي لا تحمل إلا الرجل أو الرجل ورديفه — مائتا اسم، ومئينٌ من الأسماء لأعضائها وأوصالها ورحلها وكورها، ولا يكون لسفينة البحر، وهي المدينة المتنقلة في الدأماء قليل من ذلك الحظ الكثير؟! "
143 " الكاتب كالمصور، كلاهما ناقلٌ، وكلاهما حاكٍ، إلا أن الأول ينقل مشاعر النفس إلى النفس، والثاني ينقل مشاهد الحس إلى الحس. وكما أنَّ ميزان الفضل في التصوير أن تكون الصورة والأصل كالشيء الواحد، كذلك ميزان الفضل في الكتابة أن يكون المكتوب في الطرس خيال المكنون في النفس. "
144 " الخُلُق هو الدمعة التي تترقرق في عين الرحيم كلما وقع نظره على منظرٍ من مناظر البؤس، أو مشهد من مشاهد الشقاء. هو القلق الذي يساور قلب الكريم ويحول بين جفنيه والاغتماض كلما ذكر أنه رد سائلًا محتاجًا، أو أساء إلى ضعيفٍ مسكين. هو الحمرة التي تلبس وجه الحيي خجلًا من الطارق المنتاب الذي لا يستطيع رده، ولا يستطيع مد يد المعونة إليه. هو اللجلجة التي تعتري لسان الشريف حينما تحدثه نفسه بأكذوبة ربما دفعته إليها ضرورةٌ من ضرورات الحياة. "
145 " وإنك لو سألت الجنديين المتقاتلين: ما خطبكما؟ وما شأنكما؟ وعلامَ تقتتلان؟ وما هذه الموجدة التي تحملانها بين جنبيكما؟ ومتى ابتدأت الخصومة بينكما وعهدي بكما أنكما ما تعارفتما إلا في الساعة التي اقتتلتما فيها؟ لعرفتَ أنهما مخدوعان عن نفسيهما، وأنهما ما خرجا من ديارهما إلا ليضعا دُرَّةً في تاج الملك، أو «نيشانًا» على صدر القائد. "
146 " أيُّ قلب يستطيع أن يستقر بين جَنْبَيْ صاحبه ساعةً واحدة فلا يخفق وجدًا أو يطير جزعًا حينما يرى المسلمين أصحاب دين التوحيد أكثر المشركين إشراكًا بالله، وأوسعهم دائرةً في تعدد الآلهة وكثرة المعبودات؟! "
147 " ويكون مثلي مثل ذلك الرجل الذي أحب امرأةً فاستزارها فمانعته حينًا، ثم زارته، فلما رآها تركها وذهب لينام، فعجبت لشأنه وسألته ما باله! فقال لها: «أريد أن أنام علني أرى طيفك في المنام!» "
148 " إني أتمنى على الله الغنى، لا لأني في حاجةٍ إلى المال، فقد رزقني الله منه ما يغنيني أن أطلب لنفسي من بعده مزيدًا، بل لأجمع خمسةً من كتاب هذه الأمة، وخمسة من شعرائها، وعشرة من علمائها في منزلٍ واحد، وأسبغ عليهم وعلى عيالهم من نعمة العيش، ونعمة المال ما تثلج به صدورهم، وتطمئن به نفوسهم، ثم أقول لهم: «دونكم هذه الأمة فاكتبوا لها من الرسائل، وانظموا لها من القريض، وألفوا لها من الكتب ما تعلمون أنه يأخذ بضبعيها، ويطير بها من قرارة الجهل إلى سماء العلم، وكونوا فيما تأخذون به أنفسكم أحرارًا غير مقيدين، وطلقاء غير مأسورين، لا يزعجكم عن مكانكم مزعجٌ، ولا يكدر صفاءكم مكدرٌ، ولا يعجلكم من أمركم معجل، ولا يصدنكم عن سبيلكم خوفٌ من كساد بضاعتكم، أو حذرٌ من هياج الجاهلين عليكم.» ثم أعمد إلى نفثات أقلامهم، فأنثرها على رءوس الناس نثرًا من حيث لا أبتغي لها ثمنًا، أو أطلب عليها أجرًا غير ذلك الأجر الذي يدخره الله في دار جزائه لعباده الصالحين. "
149 " كثيرًا ما يخطئ الناس في التفريق بين التواضع وصغر النفس، وبين الكبر وعلو الهمة، فيحسبون المتذلِّل المتملِّق الدنيءَ متواضعًا، ويسمُّون الرجل إذا ترفع بنفسه عن الدنايا وعرف حقيقة منزلته من المجتمع الإنسانيِّ متكبرًا، وما التواضع إلا الأدب، ولا الكبر إلا سوء الأدب؛ "
150 " لو علم الجند أنهم لا يحاربون إلا ليضعوا «نيشانًا» في صدر القائد أو جوهرةً في تاج الملك، وأنهم كثيرًا ما يكونون مخدوعين في وقائعهم ومواقفهم بأشراك الوطنية وحبائل الدِّين. لما دَالَتِ الدول ولا انتقلتِ التيجان، ولَضَعُفَ ظهر الأرض عن حمل ما فوقه من بني الإنسان. ولو علم جهلةُ المتدينين أنَّ رؤساء الأديان كثيرًا ما يشترون عقولهم وأموالهم بالقليل التافه من هذه المدهشات الدينية والأحلام النفسانية، ويملئون قلوبهم بالمخاوف والمزعجات ليبيعوهم الأمنَ والسلامةَ بثمنٍ غالٍ؛ لَضَعُفَتْ أصوات النواقيس، وقَصُرَتْ قامات المنائر، ولَهَلَكَ أرباب الطيالِسِ والقَلانِسِ جوعًا وسغبًا، ولأصبحت حبَّات السُّبَحِ أكسدَ في سوق الأديان من بَعْرِ النُّوق في سوق الأنعام. "
151 " قول أبي عُيَيْنَةَ الكاتب المعروف في عهد الدولة العباسية، وكان كفيف البصر: «اختلفت إلى القاضي أحمد بن أبي داؤد أربعين سنة، فما سمعته يقول لغلامه عند تشييعي: خذ بيده يا غلام، بل يقول: اخرج معه يا غلام.» "
152 " فمن لنا اليوم بتلك السعادة التي أثكلتنا إياها المدنية الغربية يوم أظلتنا بعلومها ومعارفها، ومخترعاتها الخالبة، وزخارفها اللامعة الباطلة، فانقلبت المعيشة البيتية الاجتماعية أفراديةً محضة، فالأخوان متناكران، والزوجان متنافران، والولد شقيٌ بأبيه، والأب شقيٌ بولده، وكأن ساحة المنزل ساحة الحرب، لا ترى فيها غير وجوهٍ مقطبة، ونفوسٍ منقبضة، وأشلاء فوق أشلاء، ودماء إثر دماء، وشقاء ليس يعدله شقاء! "
153 " ومن كان في شك من هذه الحقائق، فإني أكِله إلى جداول القضايا في المحاكم، فإن لم يرَ أن أكثر المخاصمات فيها — خصوصًا المدنية منها — واقعةٌ بين الأقارب وذوي الرحم، فله حكمه ما شاء. "
154 " الانتحار منتهى ما تصل إليه النفس من الجبن والخَوَر، وما يصل إليه العقل من الاضطراب والهوس. وأحسب ألا يقدم الإنسان على الانتحار وفي نفسه ذرةٌ من العزم، أو في عقله لمحةٌ من الحزم. "
155 " فجاراك فيما تريد ليبلغ منك ما يريد. "
156 " قلت للقيصر: «أيها الملك، إنك صنيعة الشعب وأجيره لا إلهه وربه، وإنك في مقعدك فوق عرشك لا فرق بينك وبين ذلك الأكَّار في المزرعة، وذلك العامل في المصنع، كلاكما مأجورٌ على عملٍ يعمله فيسدده، وكلاكما مأخوذٌ بتبعة زَﻟَﻠـﻪ وسَقَطه، فكما أنَّ صاحب المصنع يسأل العامل هل وفَّى عمله ليمنحه أجره، كذلك يسألك الشعب هل قمت بحماية القانون الذي وكل إليك حراسته فأنفذته كما هو من غير تبديلٍ ولا تأويل؟ وهل عدلت بين الناس، فآسيت بين قويهم وضعيفهم، وغنيهم وفقيرهم، وقريبهم وبعيدهم؟ وهل استطعت أن تستخلص عقلك من يدي هواك فلم تدع للحب ولا للبغض سلطانًا على نفسك يعدل بك عن منهج العدل ومَحجَّته؟ وهل أصممت أذنك عن سماع الملَق والدهان، والمدح والثناء، فلم تفسد على الناس فضائلهم، ولم تقتل عزة نفوسهم، ولم يذهب بهم الخوف من ظلمك أو الطمع في غفلتك مذهب التوسل إليك بالكذب والنميمة والتجسس وذلة الأعناق وضرع الخدود؟ فإن وجدك الشعب عند ظنه، ورآك أمينًا على العهد الذي عهد به إليك أبقى عليك، وأبقى لك سلطانك، وعرف لك يدك عنده، وأحسن إليك كما أحسنت إليه، أوْ لا، كان له معك شأنٌ غير ذلك الشأن، ورأي غير ذلك الرأي.» "
157 " ليكن ما أراده الله، أما ما أمامي فالله يعلم أني ما ألممت في حياتي بمعصيةٍ إلا وترددت فيها قبل الإلمام بها، ثم ندمت عليها بعد وقوعها، ولا شككت يومًا من الأيام في آيات الله وكتبه، ولا في ملائكته ورسله، ولا في قضائه وقدره، ولا أذعنت لسلطان غير سلطانه، ولا لعظمةٍ غير عظمته، وما أحسب أنه يحاسبني حسابًا عسيرًا على ما فرطت في جنبه بعد ذلك. وأما مَن ورائي فالله الذي يتولى السائمة في مرتعها، والقطاة في أفحوصها، والعصفور في عشه، والفرخ في وكره، سيتولى هؤلاء الأطفال المساكين وسيبسط عليهم ظِلَّ رحمته وإحسانه. "
158 " التمسك غير التعصب، والتهاون غير التسامح، فليس كل متمسكٍ متعصبًا؛ "
159 " معتقدًا أنَّ الحياة الدنيا معبرٌ يعبره إلى الحياة الأخرى، وأنه محاسبٌ في أخراه حسابًا غير يسيرٍ على ما فرط في أولاه، وأنَّ الله لا يقبل منه في موقف الحساب من المعاذير إلا ما رَخَّصَ له فيه، أو رفع عنه مَئُونَتَهُ. فلا سبيل له إلا أنْ يلبَس ثوب الإسلام مَعْلَمًا، لا خائفًا ولا مترقبًا، ولا متنكرًا ولا متكتمًا، ولا محتفلًا بقول العيسوي أو الموسوي له: «أنت متعصبٌ!» ولا بقول الملحد أو الجاحد: «أنت مخرفٌ!» فهو ليس متعصبًا بل متمسكًا، ولا مخرفًا بل مستيقنًا. وأنْ يعترف به جهرةً في جميع مواطنه ومواقفه، لا مُسْتَحْييًا ولا خَجِلًا، قد انقضى عهد الإسرار والإخفاء من تاريخ ذلك اليوم الذي أسلم فيه عمر بن الخطاب، فمشى إلى المسجد الحرام حيث يجتمع كفار قريشٍ، وأعلن فيه إسلامه بين هياجهم ونقمتهم، ثم مرَّ يقرع أبواب رؤسائهم بابًا بابًا، فإذا فتحوا له حدثهم عن إسلامه، فضربوا الباب في وجهه غيظًا وحنقًا. "
160 " وكنت امرأة أجمع في نفسي جميع ما يمتُّ به النساء إلى الرجال، فما خنته، ولا ضِقتُ ذرعًا بأمره، ولا قَطَّبتُ في وجهه مرة، ولا أتلفتُ له مالًا، ولا نقضتُ له عهدًا؛ "