Home > Work > النظرات
101 " لولا السرور في ساعة الميلاد ما كان البكاء في ساعة الموت، ولولا الوثوق بدوام الغنى ما كان الجزع من الفقر، ولولا فرحة التَّلاقِ، ما كانت تَرحَةُ الفراق. "
― مصطفى لطفي المنفلوطي , النظرات
102 " العقل قوةٌ يقتدر بها المرء على الاستمساك في مزالق الشهوات وبين مهابِّ الأهواء، فموقفه أمامها موقفٌ واحد، فإما أن يغلبها جميعَها أو يغلبُه جميعُها. "
103 " أما ما يراه الرائي أحيانًا من استهتار الرجل في بعض الشهوات استهتارًا يستهلك نفسه ويستهوي عقله، وزهده في بعضها زهد الأعفَّاء المستمسكين؛ فذلك لأنه رغب في الأولى فاسترسل وراء رغبته، ولم يدعُه إلى الأخرى داعٍ من خواطر قلبه ونزوات نفسه، ولو دعاه لخفَّ إليه ولبَّاه، ولن يسمى الرجل زاهدًا أو عفيفًا إلا إذا أمسك نفسه عن شهوةٍ تدعوه إليها فيدافعها، وتتلهب بين جنبيه فيطفئها. "
104 " الكاتب العاقل يخدم عواطف الأمة بتنميتها وتهذيبها، وتحويل تيارها إلى الخطة المثلى، أما الكاتب المنافق فإنه يستخدمها لنفسه وإن أفسدها على أصحابها. "
105 " وهكذا الأمم الضعيفة، لا مفرَّ لها من العبودية لحملة التيجان، أو حملة البيان! "
106 " أيها الناشئ، إنَّ من الناس قومًا قد ضعفت نفوسهم عن احتمال ثقل الدين، وسلطان أمره ونهيه، فخرجوا عليه ونبذوا طاعته. ثم علموا أنَّ الناس سيأخذون عليهم ضعفهم وعجزهم، فلم يجدوا معذرةً يعتذرون بها إليهم غير دعوى إنكار الدين استثقالًا وتبرمًا، لا تقلدًا وتمذهبًا، وما هم بمنكريه ولا جاحديه. فاعلم أنَّ الله سيبتليك بهم، وأنهم سيزينون لك إنكار ما يزعمون أنهم ينكرونه، وسيخيلون إليك أنك لن تستطيع أن تبلغ ما تريد من هذه المدنية الحاضرة، وأن تنال الحظوة الباسقة في نفوس أصحابها إلا إذا تنكرت لدينك وتسلبت منه، وخفرت ذمته. فاحرص الحرص كله على أن لا يعلق بنفسك عالقٌ من هذه الخيالات الباطلة. "
107 " ربما كان لك من أبويك، أو من ذوي رحمك ممن تولَّوا شأنك في مفتتح عمرك من لم تساعده شئون دهره، أو عصور نشأته على أن ينال حظًّا من العلم والمعرفة مثل ما نلت، فإيَّاك أن يدعوك ذلك إلى تسفيهه أو تجبيهه، أو السخرية به، أو الإدلال عليه! فإنك إنْ فعلت خَسِرْت من الأدب أضعاف ما كسبت من العلم. "
108 " ليس انضمام فردٍ من أذكياء الناس وعقلائهم إلى جماعةٍ من الجماعات دليلًا على فضل تلك الجماعة، أو شرف مقاصدها، أو صحة مبادئها؛ لأنه لا يجتاز عتبة مجتمعها إلا بعد أن يخلع عقله ومواهبه مع ردائه وعصاه خارج بابه. "
109 " كل الناس يدَّعي الفضيلة وينتحلها، وكلهم يلبس لباسها ويرتدي رداءها ويعد لها عُدَّتها، من منظرٍ يستهوي الأذكياء والأغبياء، ومظهر يخدع أسوأ الناس بالناس ظنًّا، فمن لي بالوصول إليها في هذا الظلام الحالك والليل الأَلْيَل؟ "
110 " ليس بين النعم التي يُنْعِمُ بها الله على عباده نعمةٌ أصغر شأنًا وأقلُّ خطرًا من نعمة ليس لها حاسدٌ، فإن كنت تريد أن تصفو لك النعم فقف بها في سبيل الحاسدين، وألقها في طريق الناقمين، فإن حاولوا تحقيرها وازدراءها فاعلم أنهم قد منحوك لقب «المحسَّد»، فليهنأ عَيْشُكَ، وَلْيَعْذُبْ مَوْرِدُكَ! "
111 " فلقد كنت أقرأ من منثور القول ومنظومه ما شاء الله أن أقرأ، ثم لا ألبث أن أنساه، فلا يبقى منه في ذاكرتي إلا جمالُ آثاره وروعة حسنه ورنةُ الطرب به. "
112 " وحسب الإنسان من لذة العيش وهنائه في هذه الحياة قلبٌ يخفق بحبه، ولسانٌ يهتف بذكره. "
113 " والدين خلق، شأنه كبقية الأخلاق لا يرسخ في النفس إلا بتكرر الصور الدينية، وتداولها عهدًا طويلًا، فإن بعد عهدها به أغفلته وأنكرته. وكذلك كان شأن هؤلاء الأولاد المساكين، فقست قلوبهم، وجمدت نفوسهم، وفقدوا بفقد دينهم أطيب عزاء يستروحه الإنسان في هذه الحياة المملوءة بالمصائب، الحافلة بالكوارث والهموم. "
114 " ما سُمِّي القاتل مجرمًا إلا لأنه قاسي القلب متحجر الفؤاد، وأقسى منه قاتل نفسه؛ لأنه ليس بينه وبينها من الضغينة والموجدة ما بين القاتل والمقتول، فهو أجرم المجرمين، وأفظع القاتلين. "
115 " لما أسنَّ عمر بن أبي ربيعة ورأى أن الغزل والتصابي غير لائقٍ بشيبه ووقاره عزم على هجره، فما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وغلب على أمره كما يغلب المرء على غرائزه وسجاياه؛ فاحتال لذلك بأن حلف ألا يقول بيتًا من الشعر إلا أعتق رقبة، فشكا إليه رجلٌ حبًّا برح به، فحن واهتاج، ونظم أبياتًا في شأن الرجل ووجده، ثم أعتق عن كل بيت رقبة. "
116 " إنَّ الإبهام والإغماض في التدين يقتل الدين في نفوس المتدينين قتلًا لا حياة له من بعده، فلا بد للمسلم من أن يكون مسلمًا في جميع حالاته وشئونه، وإسراره وإعلانه، فلا يستحيي أن يلبس عمامته في باريس كما يلبسها في مصر. وأنْ يقيم الصلاة لوقتها في قصر الفاتيكان كما يقيمها في مسجد قريته. "
117 " جميع ما في يد الإنسان عاريةٌ مستردَّةٌ، ووديعةٌ موقوتةٌ، وأنَّ هذا الامتلاك الذي يزعمه الناس لأنفسهم خدعةٌ من خدع النفوس الضعيفة، ووهمٌ من أوهامها. "
118 " العظمة كالحقيقة يخدمها أعداؤها وأصدقاؤها، ويحمل أحجار هيكلها على رءوسهم هادموها وبُناتها، فحيث ترى سواد الأعداء فهناك سواد الأصدقاء، وحيث ترى الفريقين مجتمعين في صعيدٍ واحدٍ فاعلم أنَّ العظمة ماثلة على عرشها العظيم فوق أعناقهم جميعًا. "
119 " لا أرى الصحف في مصر إلا ناديًا من أندية القمار، ولا هؤلاء الكتاب إلا جماعةً من اللاعبين قد وضعوا رءوس المصريين على مائدة اللعب، كما توضع الأكر على طاولة «البليار» ثم داروا حولها يلعبون بها ويتدافعونها، فيكسبها في الصباح «زيد» ويخسرها في المساء «عمرو» وربما لا يأتي آخر الليل حتى يدور النحس دورته عليهم جميعًا، فيخسرها الكل ويكسبها صاحب النادي. "
120 " ليس البيان إلا الإبانة عن المعنى القائم في النفس، وتصويره في نظر القارئ أو مسمع السامع تصويرًا صحيحًا، لا يتجاوزه ولا يقصر عنه، فإن عَلِقَتْ به آفة من تَيْنِكِ الآفتين فهو العِيُّ والحصر. "