Home > Author > أمين معلوف

أمين معلوف QUOTES

87 " إن كنت أذكر آراء القوميين العرب أو الأتراك فليس لمناقشتها و إنما لجذب الانتباه إلى حقيقة منسية غالباً، و هو أن الرد العفوي للعالم الإسلامي على القضية التي طرَحَتها ضرورة التحديث لم يكن الأصولية الدينية. فقد بقيت هذه الأخيرة لفترة طويلة جداً موقفاً غاية في الأقلية، موقف زمر قليلة، هامشياً حتى لا نقول تافهاً. لم يُحكم العالم الإسلامي المتوسطي باسم الدين و إنما باسم القومية. فالقوميون هم الذين أوصلوا البلاد إلى الاستقلال، لقد كانوا آباء الوطن، و هم الذين أمسكوا فيما بعد بزمام الأمور لمدة عقود، و إليهم اتجهت الأنظار بترقب و أمل. لم يكونوا جميعهم علمانيين منفتحين و عصريين كأتاتورك، لكنهم ما كانوا يستندون أبداً إلى الدين الذي وضعوه بشكل ما بين قوسين.

كان عبدالناصر أبرز هؤلاء القادة؟ أقلت أبرزهم؟ إنها تلميحة مسطحة. إذ يصعب أن نتخيل اليوم ما كان للرئيس المصري من نفوذ ابتداء من العام 1956 .... كان عبدالناصر بالنسبة للناس مثالاً و قداسة. عبثاً بحثت في التاريخ الحديث عن ظواهر مشابهة فلم أجد أياً منها. لا يوجد ظاهرة شملت هذا العدد من الدول في الوقت ذاته و بمثل هذه الشدة .. فيما يتعلق بالعالم العربي الإسلامي لم يحدث ما يشبه هذه الظاهرة أبدً و لو من بعيد.

و الحال أن هذا الرجل الذي حمل أكثر من أي رجل آخر تطلعات العرب و المسلمين، كان عدواً لدوداً للإسلاميين. فقد حاولوا اغتياله و قام هو بإعدام عددً من قادتهم. إضافة إلى أنني أذكر، في ذلك الوقت، أن المنتسب لحركة إسلامية كان يُعتبر من قِبل رجل الشارع عدواً للأمة العربية و عميلاً للغرب في أغلب الأحيان.

تطلب الأمر أن يصل القادة القوميون و على رأسهم عبدالناصر إلى طريق مسدود، سواء بفشلهم العسكري المتتالي أو عدم قدرتهم على حل المسائل المرتبطة بالنمو، قبل أن يبدأ جزء هام من الناس بلااستماع إلى خطاب الأصولية الدينية و نرى الحجب و اللحى الاحتجاجية تنتشر بدءاً من السبعينيات. "

أمين معلوف , الهويات القاتلة