187
" أعتقد أن القرن المنتهي شهد عقيدتين مدمرتين : الشيوعية ومناهضة الشيوعية , الاولى شوّهَت , والحق يقال , فكرة المساواة , وفكرة التقدم , وفكرة الثورة , ومفاهيم كثيرة أخرى كان يجدر بها ان تكون محترمة . ولكن محصلة الثانية أسوأ . فلكثرة ما قيل : موسوليني ولا لينين , هتلر ولا ستالين , الاشتراكية القومية ولا الجبهة الوطنية , تُرك العالم بأسره ينغمس في الدناءة والهمجية "
― أمين معلوف , التائهون
188
" أصبح الدين يقحم في جميع الامور , ويظنون انهم يخدمونه , فيما هم يسخّرونه في الواقع لمآربهم الشخصية , أو لنزواتهم .
الدين مهم , إنما ليس أهم من الأسرة , وليس أهم من الصداقة , وليس أهم من الإخلاص . لقد أصبح يحل بالنسبة الى عدد متزايد من الناس محل الأخلاق . يحدثونك عن الحلال والحرام , وعن الطهارة والنجاسة , ويسوقون الشواهد الدامغة . لوددت لو يهتمون بالصدق والحشمة . فلأن لديهم ديانة يظنون أن الأمر يعفيهم من التحلي بالأخلاق .
أنا من أسرة مؤمنة ومتدينة . كان جد جدي شيخ الإسلام في عصر السلاطين العثمانيين . كنا دوماً نصوم رمضان في أسرتي . كان الأمر طبيعياً , وعفوياً , ولا نمارسه بالتطبيل والتزمير . أما في هذه الأيام , فلم يعد يكفي أن يصوم المرء , بل يجب أن يظهر للجميع بأنه صائم , وأن يراقب من لا يصوم عن كثب .
في أحد الأيام , سيضيق الناس ذرعاً بدين يجتاح حياتهم , وسيرفضون كل شيء , الصالح والطالح . "
― أمين معلوف , التائهون
190
" غداة الحرب العالمية الثانية , اكتشف الغرب هول معسكرات الاعتقال , وفظاعة العداء للسامية , اما العرَب فلم يظهر لهم اليهود على الإطلاق بمظهر المدنيين العُزَّل , المهانين , المهزومين , إنما بمظهر الجيش الغازي , المدجج , المنظم , والمتميز بفاعلية مخيفة . وخلال العقود التالية , اتسعت حدّة هذا الاختلاف في النظرة . ففي الغرب , أصبح الاعتراف بفظاعة المجزرة التي ارتكبتها النازية عنصراً أساسياً في الضمير الأخلاقي المعاصر , ولقد ترجم ذلك إلى دعم مادي ومعنوي للدولة التي لجأت الجماعات اليهودية المضطهدة إليها . أما في العالَم العربي , حيث كانت اسرائيل تحرز النصر تلو الآخر على المصريين والسوريين والأردنيين واللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين , بل وعلى العرب مجتمعين , فلم يكن بالإمكان بالطبع النظر إلى الأمور بالطريقة نفسها . والنتيجة , وهذا ما أردت التوصل إليه , أن هذا النزاع مع اسرائيل قد فصل العرب عن ضمير العالم , أو على الأقل عن ضمير الغرب , والأمر سيان تقريباً "
― أمين معلوف
194
" لقد ولدت على كوكب , لا في بلد . أجل , بالطبع , ولدتُ أيضاً في بلد , في مدينة , في طائفة , في أسرة , في حضانة , في فراش . ولكن المهم عندي , وعند جميع البشر على السواء , أنني جئت إلى هذا العالم . إلى هذا العالم ! فالولادة هي المجئ إلى العالَم , لا إلى هذا البلد أو ذاك , لا إلى هذا البيت أو ذاك . "
― أمين معلوف , التائهون