Home > Work > السلطة في الإسلام - نقد النظرية السياسية

السلطة في الإسلام - نقد النظرية السياسية QUOTES

24 " كانت هيمنة قريش معلنة بشكل رسمي منذ السقيفة، امتدادا لسلطة الرسول مؤسس الدولة. ولكنها لم تستتب فعليا إلا بعد الانتهاء من حروب (الردة)، التي كانت بخلفياتها الاجتماعية والثقافية حروبا قبلية ضد هيمنة قريش وسلطة الدولة المركزية. كانت كذلك على الأقل من وجهة نظر القبائل التي لم تعهد من قبل تجربة الدولة، ولم ترفي اتفاقاتها السابقة مع الرسول أكثر من تحالفات سياسية كتحالفات القبائل في الجاهلية، تنتهي بوفاة عاقدها، وهي فرصة للتحلل من الالتزام بالزكاة، التي نظرت إليها كإتاوة مالية مهينة يفرضها الغالب على المغلوب، لا كفريضة دينية منزلة من عند الله. ولذلك فإن تمرد هذه القبائل بعد وفاة الرسول، لم يكن في حقيقته خروجا من الدين، بل خروجا من الحلف السياسي ومشروع الدولة الذي يمثله. لم تكن هذه القبائل، التي دخلت دخولا جماعيا ببيعة شيوخها وزعمائها، قد فهمت الإسلام أو اهتمت به ولا توفرت على الوقت اللازم لتشربه كعقيدة وأحكام، ولذلك فإن المنطوق الحرفي لمصطلح الردة بمعنى الخروج من الدين بعد الدخول فيه لا ينطبق عليها. "

عبد الجواد ياسين , السلطة في الإسلام - نقد النظرية السياسية

37 " وهكذا في ظل الاعتراف المقنن بولاية المتغلب، فإن موقف الحنابلة عموما - ورغم بعض عبارات الفراء التي تنسب الاختيار إلى أهل الحل والعقد بعد موت الإمام - لا ينطوي على معارضة فقهية للسلطة المطلقة للخليفة وانفراده دون الأمة باختيار الحاكم. على المستوى السني إجمالا لم تظهر هذه المعارضة، ولم تُناقش القضية من جهة التوافق أو عدم التوافق مع مبدأ الشورى. فقد كانت السلطة المطلقة للحاكم المكرسة عمليا بحكم الواقع والمؤسسة فقهيا على وجوب طاعة ولي الأمر قد اكتسبت حصانة (دينية) كاملة. كان مبدأ الشورى ذاته قد سبق اختزاله نظريا في هيئة الحلو العقد، التي اختزلت بدورها في عدد محدود تراوح في تقدير النظرية السنية بين خمسة أفراد وفرد واحد ومع تواصل النظام الوراثي انكمشت هذه الهيئة إلى بضعة أفراد من الأسرة الحاكمة ظلت تمارس جور الحاشية وتعايش إكراهات ومؤآمرات القصور قبل أن يتحول دوره في العصر العباسي إلى وظيفة بروتوكولية شكلية لا تمت إلى جوهر السلطة بصلة. "

عبد الجواد ياسين , السلطة في الإسلام - نقد النظرية السياسية

38 " من بين هذه الفرق العشرين التي تشاجرت حول المشكل الناجم عن موت الحسن العسكري دون ولد ظاهر، ظهرت فرقة تقول: إن ثمة ولدا للحسن. فأين هو؟ هو غائب. فمن أين الجزم بوجوده؟ من عدم جواز خلافه، إذ لا يجوز خلو الأرض من إمام، ولا يجوز توريث الإمامة لغيره، ومن ثم لا يجوز أن يموت الإمام قبل أن ينجب الولد. (لاحقا ستظهر روايات تقوم بدور الأدلة النقلية. وهي خاصية مشتركة بين جميع المذاهب الإسلامية مهما بلغت غرابة طرحها، حيث لا شيء أسهل من التنصيص). ولماذا يغيب؟ تقيةً بسبب الخوف عليه من السلطة. (ولكن ظروفه الأمنية لم تكن أسوأ من ظروف أسلافه، بل على العكس شهدت هذه المرحلة تحولا إيجابيا في موقف الخلفاء العباسيين الضعفاء أصلا والخاضعين لسيطرة كاملة من الأتراك ثم البويهيين الشيعة)؟ إذن فالعلة مجهولة، ولكننا ندرك وجودها من عصمة الإمام بالضرورة. وهل سيرجع الإمام الغائب؟ حتما يرجع لأنه هو القائم المهدي المنتظر. من أين الحتم برجوعه؟ لأنه خاتم الأئمة فهو الثاني عشر. ولماذا يكون الأئمة (الذين يُفترض فيهم حكم العالم بطول الزمن) إثنى عشر إماما فقط؟ لأنه هكذا وردت النصوص (وهنا ترتد المسألة إلى دائرة النقل المحصورة بين الحديث والكلام). "

عبد الجواد ياسين , السلطة في الإسلام - نقد النظرية السياسية

40 " وما ينطبق على التجربة الفارسية العريقة في الأوتقراطية وفي احتضانها التوظيفي للدين، ينطبق على التجربة الإسلامية الحديثة حينذاك، باستثناء بعض الفروق التي ترجع إلى الخصوصيات التاريخية. كانت الدولة (الإسلامية) قد أسفرت عن توجهها الأوتقراطي منذ الحكومة الأموية الأولى(40هـ.). ولدى انتقال الحكم إلى الدولة العباسية (132 هـ.) كان الاستبداد المطلق قد أصبح حقيقة راسخة داخل النظام السياسي الإسلامي ويعني ذلك أن الدولة الإسلاميةلم تستورد من التراث الفارسي فكرة الاستبداد، وإنما استوردت منه فن ممارسة الاستبداد، والأدوات (التقنية)اللازمة لتسويقه على المستوى السياسي العملي، ولتبريره على المستوى الثقافي النظري. كان الدور الأساسي في تقنين نظرية السلطة محجوزا على الدوام للفقه، وهو المؤسسة الإسلامية الأقل قابلية للإختراق من قبل الثقافات الخارجية، وقد كفلت بإنجاز مهمتها التقنينية التي شرعنت الاستبداد، باستخدام أدواتها المنهجية الداخلية الخاصة، وعلى رأسها التنصيص السياسي. ومع ذلك وخلافا لمنهجها الإنغلاقي المحسس، سمحت مؤسسة الفقه للموروث السياسي الفارسي بالمرور عبر بوابة الكتابة السياسية التي عرفت بالآداب السلطانية. "

عبد الجواد ياسين , السلطة في الإسلام - نقد النظرية السياسية