Home > Author > Abd al-Rahman al-Kawakibi

Abd al-Rahman al-Kawakibi QUOTES

53 " مبنى قاعدة كون الأمة التي لا يشعر أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية هو:
أن الأمة إذا ضربت عليها الذلة والمسكنة وتوالت على ذلك القرون والبطون
تصير تلك الأمة سافلة الطباع حسبما سبق تفصيله في الأبحاث السالفة، حتى
إنها تصير كالبهائم، أو دون البهائم، لا تسأل عن الحرية، ولا تلتمس العدالة،
ولا تعرف للاستقلال قيمة، أو للنظام مزية، ولا ترى لها في الحياة وظيفة غير
التابعية للغالب عليها، أحسن أو أساء على حد سواء، وقد تنقم على المستبد نادرًا
ولكن طلبًا للانتقام من شخصه لا طلبًا للخلاص من الاستبداد. فلا تستفيد شيئًا
إنما تستبدل مرضًا بمرض كمغص بصداع.
وقد تقاوم المستبد بسوق مستبد آخر تتوسم فيه أنه أقوى شوكة من المستبد
الأول، فإذا نجحت لا يغسل هذا السائق يديه إلا بماء الاستبداد فلا تستفيد أيضًا
شيئًا، إنما تستبدل مرضًا مزمنًا بمرض حدّ، وربما تنال الحرية عفوًا فكذلك لا
تستفيد منها شيئًا لأنها لا تعرف طعمها فلا تهتم بحفظها، فلا تلبث الحرية أن
تنقلب إلى فوضى، وهي إلى استبداد مشوش أشد وطأة كالمريض إذا انتكس. ولهذا
قرر الحكماء أن الحرية التي تنفع الأمة هي التي تحصل عليها بعد الاستعداد
لقبولها، وأما التي تحصل على أثر ثورة حمقاء فقلما تفيد شيئًا، لأن الثورة غالبًا
تكتفي بقطع شجرة الاستبداد ولا تقتلع جذورها، فلا تلبث أن تنبت وتنمو وتعود
أقوى مما كانت أولا. "

Abd al-Rahman al-Kawakibi , طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد

57 " العوامّ لا يثور غضبهم على المستبدّ غالبًا إلّا عقب أحوال مخصوصة مهيّجة فوريّة، منها:
عقب مشهدٍ دمويّ مؤلمٍ يوقعه المستبدّ على مظلوم يريد الانتقام لناموسه.
عقب حربٍ يخرج منها المستبدّ مغلوبًا، ولا يتمكّن من إلصاق عار الغلب بخيانة القوّاد.
عقب تظاهر المستبدّ بإهانة الدّين إهانة مصحوبًة باستهزاء يستلزم حِدَّة العوامّ.
عقب تضييق شديد عامَ مقاضاة لمالٍ كثير لا يتيسّر إعطاؤه حتّى على أواسط النّاس.
في حالة مجاعة أو مصيبة عامّة لا يرى النّاس فيها مواساة من المستبدّ.
عقب عمل للمستبدّ يستفزّ الغضب الفوريّ، كتعرّضه لناموس العرض، أو حرمة الجنائز في الشّرق، وتحقيره القانون أو الشّرف الموروث في الغرب.
عقب حادث تضييق يوجب تظاهر قسمٍ كبير من النّساء في النّصرة والاستنصار.
عقب ظهور موالاة شديدة من المستبدّ لمن تعتبره الأمّة عدوًّا لشرفها.
إلى غير ذلك من الأمور المماثلة لهذه الأحوال الّتي عندها يموج النّاس في الشّوارع والسّاحات، وتملأ أصواتهم الفضاء، وترتفع فتبلغ عنان السّماء، ينادون الحقّ الحقّ، الانتصار للحقّ، الموت أو بلوغ الحقّ. "

Abd al-Rahman al-Kawakibi , طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد