Home > Work > عبقرية محمد
41 " أما المسيحية فهى قد عنيت "أولا" بالآداب و الأخلاق، ولم تعن مثل هذه العناية بالمعاملات ونظام الحكومة.وقد ظهرت "ثانيا" فى بلاد للمعاملات والنظم الحكومية فيها قوانين تحميها كما يحميها الكهان المعززون بالسلطان، فهى قد عدلت عن فرض المعاملات والدساتير لهذه الضرورة، لا لأن المعاملات والدساتير ليست من شأن الدين.وقد ظهرت ثالثا فى وطن تحكمه دولة اجنبية ذات حول و طول، وليس للوطن الذى ظهرت فيه طاقة بمصادمة تلك الدولة فى ميدان القتال. "
― عباس محمود العقاد , عبقرية محمد
42 " أما الاسلام فقد ظهر فى وطن لا سيطرة للأجنبى عليه ، و كان ظهوره لإصلاح المعيشة وتقويم المعاملات وتقرير الأمن والنظام.. وإلا فلا معنى لظهوره بين العرب ثم فيما وراء الحدود العربية. "
43 " ثم ها هو ذا رجل لا يشركه رجل آخر في صفاته ومقدماته ، ولا يدانيه رجل آخر في مناقبه الفضلى التي هيأته لتلك الرسالة الروحية المأمولة في المدينة.. وفي الجزيرة،وفي العالم بأسره.نبيل عريق النسب .. وليس بالوضيع الخامل، فيصغر قدره في أمة الانساب والاحساب..فقير.. وليس بالغني المترف الغني فيطغيه بأس النبلاء والاغنياء ، ويغلق قلبه ما يغلق القلوب من جشع القوة واليسار.يتيم بين رحماء.. فليس هو بالمدلل الذي يقتل فيه التدليل ملكة الجد والارادة والاستقلال ، وليس هو بالمهجور المنبوذ الذي تقتل فيه القسوة روح الامل وعزة النفس وسليقة الطموح ،وفضيلة العطف على الآخرين.خبير بكل ما يختبره العرب من ضروب العيش في البادية والحاضرة.. تربى في الصحراء وألف المدينة، ورعى القطعان واشتغل بالتجارة وشهد الحروب والاحلاف، واقترب من السراة ولم يبتعد من الفقراء..فهو خلاصة الكفاية العربية في خير ما تكون عليه الكفاية العربية.. وهو على صلة بالدنيا التي أحاطت بقومه.. فلا هو يجهلها فيغفل عنها، ولا هو يغامسها كل المغامسة فيغرق في لجتها.. أصلح رجل من أصلح بيت في أصلح زمان لرسالة النجاة المرقوبة ، على غير علم من الدنيا التي ترقبها.ذلك محمد بن عبد الله عليه السلام.. "
44 " وشاع أن النبي صلَّ الله عليه وسلّم قضى بقتله فتقدم ابنه وقال له: ((يا رسول الله، إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبيّ فيما بلغك عنه ، فإن كنت فاعلاً فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه ، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها من رجل أبرّ بوالده مني ، وإني لأخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس ، فأقتله ، فأقتل رجلاً مؤمناً بكافر فأدخل النارفأبى النبي صلًّ الله عليه وسلّم أن يقتله وآثر الرفق به ، وزاد في إفضاله وإجماله فكافأ الولد خير مكافأة على خلوص نيته وإيثاره البر بدينه على البر بأبيه ، فأعطاه قميصه الطاهر يكفّن به أباه ، وصلى عليه ميتاً ووقف على قبره حتى فرغ من دفنه ، وقد حاول عمر أن يثنيه عن الصلاة على ذلك العدو الذي آذاه جهد الإيذاء ، فذكر الآية :{استغفِر لَهُم أَو لَا تَستَغفِر لَهُم إن تَستَغفٍر لَهُم سَبعينَ مَرَّة ً فَلَن يَغفِرَ اللهُ لَهُم} فقال: ((لو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له زدت )). "
45 " وقد قضى محمد صلَّ الله عليه وسلم شبابه وهو يؤمن بفساد الزمان وضلال الاوثان .. "
46 " و كان إعزاز من ذلّوا بعد عزة : سنة النبي " صلّى الله عليه و سلّم " في معاملة جميع الناس و لا سيما النساء اللاتي تنكسر قلوبهن في الذل بعد فقد الحماة و الأقرباء ، و لهذا خيّر صفيّة الإسرائيليّة سيدة بني قريظة بين أن يلحقها بأهلها و أن يعتقها و يتزوج بها ، فاختارت الزواج و آية الآيات في رعاية الشعور الإنساني أنّه صلى الله عليه و سلّم أنّب صفيّه بلالًا لأنّه مرّ بها و بابنة عمّها على قتلى اليهود . فقال له مغضبًا : " أنُزِعَت الرحمة من قلبك حين تمر بالمرأتيْن على قتلاهما ؟ " و احتقرتهما زينب فلقبتها يومًا باليهودية فهجرها شهرًا لا يكلمها ليأخذ بناصر هذه الغريبة و يدفع عنها الضيم . "
47 " والحقيقة الرابعة : أن الآديان الكتابية بينها فروق موضعية لابد من ملاحظتها عند البحث فى هذا الموضوع..فاليهودية أو الاسرائيلية كانت كما يدل عليها اسمها أشبه بالعصبية المحصورة فى أبناء اسرائيل منها بالدعوة العامة لجميع الناس، فكان ابناؤهم يكرهون ان يشاركهم غيرهم فيها، كما يكره اصحاب النسب الواحد أن يشاركهم غيرهم فيه، و كانوا من اجل هذا لا يحركون ألسنتهم-فضلا عن امتشاق الحسام-لتعميم الدين اليهودى وإدخال الامم الأجنبية فيه، ولا وجه إذن للمقارنة بين اليهودية والإسلام فى هذا الاعتبار.. "
48 " فكّر في الخلق فآمن بالخالق و استقرّ هنالك لا يتقدم و لا يتأخر .فقال : " إنّ الشيطان يأتي أحدكم فيقول : من خلق السماء ؟ فيقول : الله ، فيقول : من خلق الأرض ؟ فيقول : الله .فيقول : من خلق الله ؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل : آمنتُ بالله و رسوله " . "
49 " إنما تتم أداة الصداقة بالعاطفة الحية، والذوق السليم، والخلق المتين. "
50 " أرأيت إلى فاطمة تدخل البيت أشبه الناس مشية بمشية محمد ؟..أرأيت إلى حنان يفيض على القلب كحنانه حين يرى فتاة تشبه أباها في مشيته و سمته !...تلك فاطمة بقية الباقيات من الأبناء و البنات ، يختصها النبي بمناجاته في غشية وفاته : إنّي مفارق الدنيا فتبكي . إنّك لاحقة به فتضحك ... في هذا الضحك و في ذلك البكاء على برزخ الفراق بين الدنيا و الآخرة أخلص الود و الحنان بين الآباء و الأبناء .سرّها بنبوّته ، و سرّها بأبوّته ، فضحكت ساعة الفراق لأنّها ساعة الوعد باللقاء ..و كذلك فارق الدنيا أكرم الأنبياء و أكرم الآباء . "
51 " كان عالماً متداعياً، قد شارف النهاية، خلاصة ما يقال فيه: إنه عالم فقد العقيدة كما فقد النظام.أي أنه فقد أسباب الطمأنينة في الباطن والظاهر، طمأنينة الباطن التي تنشأ من الركون إلى قوة الغيب، تبسط يد العدل، وتحمي الضعف، وتجزي الظلم، وتختار الأصلح الأكمل من جميع الأمور.وطمأنينة الظاهر التي تنشأ من الركون إلى دولة تقضي بالشريعة، وتفصل بين البغاة والأبرياء، وتحرس الطريق، وتخيف العائثين بالفساد. "
52 " ومن أمثلة علم السياسة الذي اجتمع كله في قوله:(كما تكونوا يول عليكم). فأي قاعدة من القواعد اﻻصلية في سياسة اﻷمم ﻻ تنطوي بين هذة الكلمات؟..ينطوي فيها ان اﻷمم مسئولة عن حكوماتها ،ﻻ يعفيها من تبعة ما تصنع تلك الحكومات عذر بالجهل او عذر باﻻكراه ،ﻻن الجهل جهلها الذي تعاقب عليه،و اﻻكراه ضعفها الذي تلقى جزاءه. "
53 " لم يوجب القتال إلا حيث أوجبته جميع الشرائع وسوغته جميع الحقوق، وأن الذين خاطبهم بالسيف قد خاطبتهم الأديان الأخرى بالسيف كذلك، إلا أن يحال بينها وبين انتضائه، أو تبطل عندها الحاجة إلى دعوة الغرباء إلى أديانها، وأن الإسلام عقيدة ونظام، وهو من حيث النظام شأنه كشأن كل نظام في أخذ الناس بالطاعة ومنعهم أن يخرجوا عليه "
54 " الإسلام إنما يعاب عليه أن يحارب بالسيف فكرة يمكن أن تحارب بالبرهان والإقناع، ولكن لا يعاب عليه أن يحارب بالسف "سلطة" تقف في طريقه وتحول بينها وبين أسماع المستعدين للإصغاء إليه "
55 " عُرِفَ عن النبي – صلي الله عليه وسلم- في حياته الخاصة والعامة أنه كان قليل الكلام, معرضاً عن اللغو, لا يقول إلا الحق وإن قاله في مزاح, وإن كرر اللفظ أو زاده فذلك أسلوب المعاهدات الذي لا محيص عنه, لأن تكرار النص يمنع التأويل عند اختلافه "
56 " القيادة الحسنة هي القيادة التي تستفيد من خبرة الخبير كما تستفيد من شجاعة الشجاع، وهي التي تجند كل ما بين يديها من قوى الآراء والقلوب والأجسام. "
57 " إنه لنافع لمن يقدِّرون محمدًا، وليس بنافع لمحمد أن يقدِّروه؛ لأنه في عظمته الخالدة لا يضار بإنكار، ولا ينال منه بغي الجهلاء، إلا كما نال منه بغي الكفار "
58 " لأن مسلمًا يقدر محمدًا على هذا النحو يحب محمدًا مرتين: مرة بحكم دينه الذي لا يشاركه فيه غيره، ومرة بحكم الشمائل الإنسانية التي يشترك فيها جميع الناس. "
59 " إلا أننا نمضي خطوة وراء هذا، حين نقول إن التعظيم حق «لعبقرية محمد» ولو لم تقترن بعمل محمد … لأن العبقرية قيمة في النفس قبل أن تُبرزها الأعمال، ويكتب لها التوفيق، وهي وحدها قيمة يُغالى بها التقويم … فإذا رجح بمحمد ميزان العبقرية، وميزان العمل، وميزان العقيدة؛ فهو نبي عظيم وبطل عظيم وإنسان عظيم. "
60 " فأجابه عبد المطلب جواب الحكيم المؤمن: «أما الإبل فأنا ربُّها، وأما البيت فله ربٌّ يحميه!» "