Home > Work > عبقرية محمد
61 " نبيل عريق النسب، وليس بالوضيع الخامل، فيصغر قدره في أمَّة الأنساب والأحساب … فقير … وليس بالغني المترف، فيطغيه بأس النبلاء والأغنياء، ويغلق قلبه ما يغلق القلوب من جشع القوة واليسار. يتيم بين رحماء … فليس هو بالمدلل الذي يقتل فيه التدليل ملكة الجد والإرادة والاستقلال، وليس هو بالمهجور المنبوذ الذي تقتل فيه القسوة روح الأمل وعزة النفس وسليقة الطموح، وفضيلة العطف على الآخرين. خبير بكل ما يختبره العرب من ضروب العيش في البادية والحاضرة، تربى في الصحراء وألِف المدينة، ورعى القطعان، واشتغل بالتجارة، وشهد الحروب والأحلاف، واقترب من السراة ولم يبتعد من الفقراء. "
― عباس محمود العقاد , عبقرية محمد
62 " طمأنينة الباطن التي تنشأ من الركون إلى قوة في الغيب، تبسط العدل، وتحمي الضعف، وتجزي الظلم، وتختار الأصلح الأكمل من جميع الأمور… وطمأنينة الظاهر التي تنشأ من الركون إلى دولة تقضي بالشريعة، وتفصل بين البغاة والأبرياء، وتحرس الطريق، وتُخيف العائثين بالفساد… "
63 " وهو على صلة بالدنيا التي أحاطت بقومه … فلا هو يجهلها فيغفل عنها، ولا يغامسها كل المغامسة فيغرق في لُجَّتها. "
64 " أما محمد فقد كان جمال فصاحته في نطقه، كجمال فصاحته في كلامه، وخير من وصفَه بذلك عائشة — رضي الله عنها — حيث قالت: «ما كان رسول الله ﷺ يسرد كسردكم هذا، ولكن كان يتكلم بكلام بيِّن فَصْلٍ، يحفظه من جلس إليه.» "
65 " فلم تكن حرب من الحروب النبوية كلها حرب هجوم، ولم تكن كلها إلا حروب دفاع وامتناع. "
66 " ولم يكن في إسلام الفقراء الذين هم أقل من عمر ناصرًا، وأضعف منه بأسًا جبن ولا طمع؛ لأنهم تعرضوا بإسلامهم للسيف ولم يخضعوا للسيف حين أسلموا لله ورسوله، وما كفر الذين كفروا لزهد ولا شجاعة؛ فيقال إن الذين سبقوهم إلى الإسلام قد فعلوا ذلك لشغف بلذات الجنة، وجبن عن مواجهة القوة "
67 " فمحاربة السلطة بالقوة غير محاربة الفكرة بالقوة … ولا بد من التمييز بين العملين؛ لأنهما جد مختلفين. "
68 " فالنبي عليه السلام كان يحارب عربًا بعرب، وقرشيين بقرشيين، وقبائل من السلالة العربية بقبائل من صميم تلك السلالة، فلا يقال هنا إن الفضل لقوم على قوم في المزايا الجسدية أو المزايا النفسية، كما يمكن أن يقال هذا في جيوش نابليون، وكل فضل هنا فهو فضل العقيدة والإيمان. "
69 " لم يتخذ محمد الحرب صناعة، ولا عمد إليها — كما أسلفنا — إلا لدفع غارة واتقاء عداوة، "
70 " ولكن القلب الذي لا يعرف قيمة المال لا فضل له في الكرم، والقلب الذي لا يخاف لا فضل له في الشجاعة، والقلب الذي لا يحزن لا فضل له في الصبر. إنما الفضل في الحزن والغلبة عليه، وفي الخوف والسمو عليه، وفي معرفة المال والإيثار عليه. "
71 " عالم يتطلع لحال غير حاله... عالم يتهيأ للتبديل أو للهدم ثم للبناء "
72 " فمحمد كان في طليعة رجاله حين تحتدم نار الحرب ويهاب شواظها من لا يهاب، وكان عليٌّ فارس الفرسان يقول: «كنا إذا حمي البأس اتقينا برسول الله ﷺ … فما يكون أحد أقرب منه إلى العدو.» "
73 " فإنك لا ترمي بالقسوة طبيبًا قد ألِفَ النظر إلى الجثث وأشلائها والأجسام الحيَّة وجراحها، لأن الطب لن يكون في الدنيا رحمة من الرحمات إن لم يألف الأطباء هذه المناظر ويملكوا جأشهم وهم يفتحون أعينهم عليها. ولكنك قد ترمي بالقسوة إنسانًا لم تقع عينه على منظر مثلها ثم هي تفاجئه فلا ينفر منها. وما من رجل عاش في البادية وشهد غزوة من غزواتها يمكن أن يقال فيه إن ساحة الحرب تفاجئه بما لم يكن يراه، أو بما يستلزم النظر إليه قسوة في الطباع واستراحة إلى رؤية الدماء "
74 " إن محمدًا رجل حي جياش النفس بدوافع الحياة، وليس بناسك مهزول من نساك الصوامع الذين يكتمون في جوانحهم كل دافعة وكل إحساس. "
75 " إن عبقرية محمد في قيادته لعبقرية ترضاها فنون الحرب، وترضاها المروءة، وترضاها شريعة الله والناس، وترضاها الحضارة في أحدث عصورها، ويرضاها المنصفون من الأصدقاء والأعداء. "
76 " الإغراء بلذات النعيم ومتعة الخمر والحور العين، فلو كان هو باعثًا للإيمان، لكان أحرى الناس أن يستجيب إلى الدعوة المحمدية؛ هم فسقة المشركين وفجرتهم وأصحاب الترف والثروة فيهم، ولكان طغاة قريش هم أسبق الناس إلى استدامة الحياة واستبقاء النعمة. فإن حياة النعيم بعد الموت محببة إلى المنعمين تحبيبها إلى المحرومين، بل لعلها أشهى إلى الأولين وأدنى، ولعلهم أحرص عليها وأحنى، لأن الحرمان بعد التذوق والاستمراء أصعب من حرمان من لم يذق ولم يتغير عليه حال. "
77 " «أيما رجل استعمل رجلًا على عشرة أنفس علم أن في العشرة أفضل ممن استعمل فقد غش الله وغش رسوله وغش جماعة المسلمين.» و«أيما رجل أم قومًا وهم له كارهون لم تَجُزْ صلاتُه أُذُنيه.» "
78 " لا كلفة ولا غموض ولا إغراب، وقلة الغريب — بل ندرته — في كلام النبي أجدر الأمور بالملاحظة في إقامة المثل والنماذج لأساليب البلاغة العربية "
79 " روي عنه عليه السلام أنه كان يعيد الكلمة ثلاثًا لتعقل عنه، وأنه كان يبغض التكلف والاغترار بالبلاغة كما قال: «إن الله تعالى يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها.» "
80 " فالمزايا الإنسانية واجبات وأعباء وليست بالمتع والأزياء، وعلم الإنسان بالخير والشر يفرض عليه الفرائض التي يبتلى بها، ولا يهنئه بالراحة التي يصبو إليها وهو محسوب عليه، وكذلك ذكاؤه محسوب عليه. "