Home > Work > عبقرية محمد
81 " أما عظمة العظمات فهي تلك التي تجذب إليها الأصحاب النابغين من كل معدن وكل طراز، وهي التي يقابل في حبها رجال بينهم من التفاوت مثل ما بين أبي بكر وعلي، وبين عمر وعثمان، وبين خالد ومعاذ، وبين أسامة وابن العاص: كلهم عظيم وكلهم مع ذلك مخالف في وصف العظمة لسواه. "
― عباس محمود العقاد , عبقرية محمد
82 " وجعل قضاء حوائج الناس أمانًا من عذاب الله أو كما قال: «إن لله تعالى عبادًا اختصهم بحوائج الناس، يفزع إليهم الناس في حوائجهم. أولئك الآمنون من عذاب الله.» "
83 " تعرف مكانة المرأة التي وصلت إليها بفضل محمد ودينه، متى عرفت مكانة المرأة التي استقرت عليها في الجاهلية، ومكانة المرأة التي استقرت عليها في عصره — وبعد عصره — بين أمم أخرى غير الأمة العربية "
84 " ظنوا أن النبي لا يحزن، كما ظن قوم أن الشجاع لا يخاف ولا يحب الحياة، وأن الكريم لا يعرف قيمة المال. ولكن القلب الذي لا يعرف قيمة المال لا فضل له في الكرم، والقلب الذي لا يخاف لا فضل له في الشجاعة، والقلب الذي لا يحزن لا فضل له في الصبر. إنما الفضل في الحزن والغلبة عليه، وفي الخوف والسمو عليه، وفي معرفة المال والإيثار عليه. وفضل النبي في نبوته وفي أبوته أنه حزن وبكى، وتلك هي الصلة بينه وبين قلب الإنسان، وبينه وبين الناس، وأي نبي تنقطع بينه وبين القلب الإنساني صلة كهذه الصلة التي تجمع أشتات القلوب؟ "
85 " علام يدل هذا؟ نساء محمد يشكون قلة النفقة والزينة، ولو شاء لأغدق عليهن النعمة وأغرقهن في الحرير والذهب وأطايب الملذات. أهذا فعل رجل يستسلم للذَّات حسِّه؟ "
86 " فأوجز ما نقوله في تعدد الزوجات من الوجهة الخلقية أو الأدبية أن النبي عليه السلام لم يجعله حسنة مطلوبة لذاتها أو مباحًا يختاره من يختاره وله مندوحة عنه، وإنما جعله ضرورة يعترف بها الرجل وتعترف بها الأمة في بعض الأحوال لأنها خير من ضرورات، ولن ينكر هذا إلا متعنت يصدم الحقائق ويتجاهل المحسوس الماثل للعيان. "
87 " والنبي عليه السلام لم يطلق زوجة من زوجاته دخل بها وعاشرها، ولم يضرب قط واحدة منهن، ولم يرو عنه قط أنه ضرب أو نهر خادمًا فضلًا عن زوجة، بل روي عنه ما ينفي ذلك ممن عاشروه ولازموه. "
88 " أن إصلاح شئون النوع الإنساني ضريبة تغني عن ضريبة الذرية في بعض الأحوال؛ "
89 " القلب الذي لا يعرف قيمة المال لا فضل له في الكرم، والقلب الذي لا يخاف لا فضل له في الشجاعة، والقلب الذي لا يحزن لا فضل له في الصبر. إنما الفضل في الحزن والغلبة عليه، وفي الخوف والسمو عليه، وفي معرفة المال والإيثار عليه. "
90 " وصرخ أسامة حين بكى رسول الله فنهاه رسول الله وقال: البكاء من الرحمة والصراخ من الشيطان. "
91 " الخير المطبوع شيء والخير المأمور شيء آخر، والخير المطبوع هو الذي قصدنا إلى بيانه بكل ما بيناه. "
92 " النظام الاقتصادي القديم في أساسه كان مرتبطًا بالاسترقاق أشد الارتباط. فكان إلغاؤه طفرة واحدة أقرب شيء إلى المستحيلات، ولم يكن أنفع في علاجه من التدرج خطوة فخطوة والابتداء بتصعيبه وترغيب الناس عنه، وهو ما شرعه الإسلام. فالإسلام قد بدأ بتحريم كل رق غير رق الأسرى في الحروب، ثم حسن إطلاقهم وسماه منًّا وعفوًا يشكر فاعله عليه: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً (محمد: ٤). "
93 " بقي معه لأنه الإنسان الذي يعرف حتى العبد الرقيق أن آصرة الإنسانية عنده أوثق من آصرة الأبوة عند آخرين. "
94 " والخضوع. قال أبو هريرة — رضي الله عنه: «دخلت للسوق مع النبي ﷺ فاشترى سراويل، وقال للوزَّان: زن وأرجح. فوثب الوزان إلى يد رسول الله ﷺ يقبِّلها، فجذب يده وقال: هذا تفعله الأعاجم بملوكها، ولست بملك، إنما أنا رجل منكم. ثم أخذ السراويل فذهبت لأحملها فقال: صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله.» "
95 " طبيعة العبادة، وطبيعة التفكير، وطبيعة التعبير الجميل، وطبيعة العمل والحركة … هذه طبائع أربع تتفرق في الناس، وقلما تجتمع في إنسان واحد على قوة واحدة. فإذا اجتمعت معًا فواحدة منهن تغلب سائرهن لا محالة، وتلحق الأخريات بها في القوة والدرجة على شيء من التفاوت. طبيعة العبادة تدعونا إلى الاتصال بأسرار الكون للمعاطفة والتآلف بيننا وبينها، تدعونا إلى الحلول من الكون في أسرة كبيرة. وطبيعة التفكير تثير في نفوسنا ملكات الكشف والاستقصاء، تدعونا إلى الحلول من الكون في معمل كبير. وطبيعة التعبير الجميل تشب النار المقدسة في سرائرنا، فتصهر معادن الجمال من هذه الدنيا وتفرغها في قوالب حسناء من صنع قرائحنا وألسنتنا، أو صنع قرائحنا وأيدينا، أو صنع قرائحنا وأوصالنا، تدعونا إلى الحلول من الكون في متحف كبير. وطبيعة العمل والحركة تعلمنا كيف نتأثر بدوافع الكون وكيف نؤثر فيها، وتجذبنا إليها فنستمد منها القدرة التي تجذبها إلينا، تدعونا إلى الحلول من الكون في ميدان صراع ومضمار سباق. "
96 " فمن الأقوال المتواترة أنه كان عليه السلام إذا نزل عليه الوحي نكس رأسه، وكرب لذلك وتربد وجهه، وأخذته البرحاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان في اليوم الشاتي، وسمع عند وجهه كدوي النحل، وقد يصدع فيغلف رأسه بالحناء. وقد شاب فقال: «شيبتني هود وأخواتها.» وعدد حين سئل عن أخواتها سورًا أخرى من القرآن الكريم، وليس هذا من خليقة كل بنية إنسانية: إنما هو خليقة البنية التي تتلقى وحيًا وتستوعب سرًّا وتهتز لنبأ عظيم. "
97 " حركة متجددة في الحس وفي الفكر وفي الضمير. فلا انقطاع عن الحس للعبادة كل الانقطاع. ولا انقطاع عن الحس للتفكير كل الانقطاع. وإنما هو تفكير من ينتظره العمل، وليس بتفكير من ترك العمل ليوغل في الفروض ومذاهب الاحتمال والتشكيك؛ ثلث أيامه لربه وثلثها لأهله، وثلثها لنفسه، وما كان في فراغه لنفسه ولا لأهله شيء يخرجه عن معنى عبادة الله والاتصال بالله، على نحو من التعميم. "
98 " وخلاصة هذه الأحاديث وما في معناها أن التفكير في حقائق الوجود هو طريق الوصول إلى الله ولا طريق غيره للحواس ولا للعقل ولا للبديهة: إيمان بالوجود الأبدي في صفته المثلى، وتفكير في حقائق الوجود كما نراه ونحسها ونعقلها، وذلك قصارى ما عند العقيدة، وقصارى ما عند الفلسفة، وقصارى ما عند العلم إذ يقف العلم عند حده، وهذا هو العلم الذي فرضه الإسلام على كل مسلم ومسلمة، وقال النبي في رواية ابن عباس: «أنه أفضل من الصلاة والصيام والحج والجهاد في سبيل الله» لأنه سبيل الوصول إلى الله. "
99 " واقترن النشاط والحياء بالقوة والمضاء في هذه البنية الجميلة … فكان عليه السلام يصرع الرجل القوي، ويركب الفرس عاريًا فيروضه على السير، ويداعب من يحب بالمسابقة في العدو، "
100 " من سعة النفس أن ينهض الرجل بعظائم الأمور بل بأعظمها جدًّا ووقارًا وهو إقامة الأديان وإصلاح الأمم وتحويل مجرى التاريخ ثم يطيب نفسًا للفكاهة ويطيب عطفًا على المتفكهين ويشركهم فيما يشغلهم من طرائف الفراغ، فللجد صرامة تستغرق بعض النفوس فلا تتسع لهذا الجانب اللطيف من جوانب الحياة … ولكن النفوس لا تستغرق هذا الاستغراق إلا دلت على شيء من ضيق الحظيرة ونقص المزايا وإن نهضت بالعظيم من الأعمال. "