Home > Work > السلطة في الإسلام: العقل الفقهي السلفي بين النص والتاريخ
1 " إذا كان التاريخ هو مفتاح العقل، فإن السلطة هي مفتاح التاريخ "
― عبد الجواد ياسين , السلطة في الإسلام: العقل الفقهي السلفي بين النص والتاريخ
2 " لقد فعلت السلطة كثيرا في التاريخ، و فعل التاريخ كثيرا في العقل، و بشكل مباشر و غير مباشر، صار العقل المسلم أسيرا لكليهما، لفعل السلطة في التاريخ أي لتاريخ السلطة ، و لفعل التاريخ في العقل أي لسلطة التاريخ "
3 " النص وحده يصلح للعصر (القرآن)، المنظومة السلفية المدونة ليست نصية، العقل المسلم الراهن مبني على هذه المنظومة الأخيرة، الفجوة إذن حتمية بين هذا العقل المسلم و بين العصر "
4 " لقد كان الموقف الحنفي على مستوى الأصول أقرب المواقف السنية إلى الفكر الشيعي من حيث كونه أقل اعتدادا بإلزامية السلف، كما كان أبو حنيفة نفسه على المستوى الوجداني صاحب ميول علوية، أوذي بسببها من الدولة العباسية، ومع ذلك فقد رأينا الموقف الأصولي الحنفي- وهو في النهاية موقف سني لا يعتد بمرجعية الإمام - مرفوضا من وجهة النظر الإمامية. "
5 " لماذا لم يرد حديث واحد من أحاديث القرشية، (وهي كثيرة في الصحيحين وعند أصحاب السنن ومسند أحمد) موضوعا سياقه الذي يبيّن سببه عند نطق النبي – صلى الله عليه وسلم – به؟ لنعرف الداعي الذي استوجبه، ولنعلم لماذا لم تبيّن لنا الشروط إلا هذا الشرط. ثم ما هي الظروف الموضوعية التي تقتضي الإسهاب فيه إبان عصر الرسالة؟ هل كان ثمة صراع خفي أو معلن على السلطة بين المهاجرين والأنصار والنبي – صلى الله عليه وسلم – حي بين أظهرهم؟ أم أن هذا الصراع – الذي سيخفف الفقه كثيرا من حدته – كان ظارئا – كما هو المعروف الشائع – لدى مؤتمر السقيفة؟ "
6 " لقد كانت ظروف القهر الدموي، الذي مارسته الدولة الأموية بغير انقطاع، في مواجهة الفلول المتبقية من جيش عليّ، وكذلك في مواجهة أهل البيت ابتداء من الحسين، هي العامل الرئيسي الحاسم في توليد الشيعة كتيار سياسي سرعان ما تحول إلى عقلية كلامية وأصولية، فلأسباب شبه جلية تتعلق بمستوى العقل السياسي والطور التاريخي للمجتمع المسلم بل والإنساني عموما حينذاك، لم يكن هذا المجتمع يتقبل فكرة التنوع أو الاختلاف تحت سقف القواسم المشتركة التي تظلل الكيان الواحد. ومن هنا فقد كان الاختلاف يعبر عن نفسه عادة بطريقة دموية تكون الدولة في معظم الأحوال طرفا فيها. ومن السياسة إلى الفقه تنتقل الدموية لتمارس التكفير والتبديع والإخراج من كنف الجماعة، وهكذا نستطيع دائما أن نجد (التاريخ السياسي) كامنا خلف (تاريخ العقيدة والفقه والأصول). "
7 " كان زيد هنا - زيد بن علي - يمارس الاجتهاد في نطاق النص الخالص متحررا من الوصاية المرجعية لأهل البيت، وهو موقف إسلامي صحيح من حيث المنهج والموضوع. لأن (النص) في الإسلام طليق من كل أنواع الوصاية والكهنوت. لا يعرف (الأسرة الحاكمة) على مستوى التفسير، كما لا يرحب بها كذلك على مستوى الحكم والسياسة. "
8 " على أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: كيف يمكن داخل الفكر الشيعي، تفسير الجمع بين رؤيته الغنوصية اللا عقلية للإمامه، وبين نزعته العقلية شبه الإعتزالية خارج مسألة الإمامة؟. "
9 " وإذا كان كثير من نقاد الحديث قد فطنوا إلى خرافات كعب الأحبار، وضعفوا مروياته من جهة الإسناد، فإن ذلك – كما سبق القول – جاء في وقت لاحق على تبلور النقد الإسنادي، وبعد ان كانت هذه الروايات قد فعلت فعلها واستنفذت الكثير من أغراضها السياسية في أوساط الناس طوال العصر الأموي حيث لم تكن الأسانيد قد توفرت بعد على مكانتها الرسمية التي وصلت إليها في أوساط (الفقه)، أما على المستوى (العامي) فقد ظلت الروايات تفعل فعلها ولا تزال بين الناس بغير حاجز أو حجاب. "
10 " إنه مرة أخرى، التفسير السياسي للفكر الإسلامي، الذي لم يقنع أهله باعتباره كذلك، أعني باعتباره محض (فكر) ومجرد (سياسة) بل راحوا يلبسونه أردية عقيدية، لم تكن في معظمها موصولة (بالنصوص). بل لقد حدث، على العكس، إن تم وصل النصوص بها عن طريق التأويل، وخلق النصوص لها عن طريق التصنيع. وهكذا تحولت (وقائع تاريخية) تالية على زمن النص، إلى جزء من صميم الدين، الذي يتدين به اليوم كثير من الناس. "
11 " إن السنة في الحقيقة – كما كررنا القول – ليست مرادفة لأخبار الآحاد جميعا. وحين ننفي عن السنة من هذه الروايات، ما يخالف الكتاب، ويناقض العقل، ويعارض الثابت من شواهد التاريخ نكون قد دافعنا عن السنة وبالتالي عن الإسلام أعظم الدفاع، وحينئذ، وليس قبلئذ بحال من الأحوال، سوف يمكن للإسلام أن يقدم للعالم وللعقل الإنساني المعاصر، طرحه الإيماني العظيم الذي يصعب على البشرية رفضه، لأنه سيكون وحيا خالصا قطعي الإسناد إلى الله تعالى أي صالحا للزمان كله والمكان كله، ولن يكون طرحا تاريخيا مبصوما ببصمة القرون، ولا طرحا جغرافيا مصبوغا بصبغة الشعب والإقليم. "
12 " ومن الضروري هنا أن نشير إلى أنه لا الماوردي ولا أبو يعلى قد لعب دورا فكريا كبيرا أو صغيرا في التنظير لقضية الإمامة أو السلطة، لأن التنظير لهذه القضية من وجهة نظرنا، كان قد تم قبلهما عبر عملية بطيئة ومعقدة من التحالف الجماعي بين (النظام أو الأنظمة الحاكمة) وبين (الفقه السلفي). وهي عملية ظل الفقه فيها على الدوام يلعب دورا ثانويا أو تقنينيا لاحقا، في مقابل الدور الطاغي للسلطة، كطرف تملك باستمرار زمام البدء والمبادرة. وذلك كله بالطبع من خلال الحركة المستمرة لتاريخ المواجهة مع الواقع السياسي بما في ذلك المعارضة.أما الماوردي – وكذلك أبو يعلى – فقد اقتصر دوره في هذا الصدد، على تلخيص النظرية التي كانت قد تبلورت بالفعل، من وجهة النظر السلفية، وتقديمها على هيئة أحكام نهائية مصبوبة في قوالب الفقه. "
13 " ان معارضة الأنصار الأولى ظلت تمثل ثغرة – ولو ضئيلة – في التأسيس النظري لخلافة الصديق، وهو تأسيس ضروري جدا لنظرية الخلافة برمتها، ليس بالنسبة لأبي بكر فحسب، بل لأن عليها تتأسس المواجهة الكاملة مع الطرح الشيعي، الذي كان كما سبق يستخدم (النصوص) بغزارة واضحة، مستفزا بذلك شهية الفقه السلفي للتنصيص. "
14 " وفي ظننا أن عبارة أبي بكر عن دينونة العرب لقريش، كانت الخميرة التي تحولت عبر مراحل التدوين والفقه المتداخلة، إلى أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. "
15 " لقد كان غياب (الحاسة النقدية) في نظرنا، واحدة من بين الخسارات الكبرى التي خسرها العقل الإسلامي بنفي الفكر الإعتزالي برمته، من غير تفرقة بين المنهج والموضوع. لأن حضور (الحاسة النقدية) في الحقيقة يمثل واحدة من أهم نقاط البدء اللازمة لإعادة عرض الإسلام على العالم. وهي العملية التي لا بد منها، وإلاتعرض الإسلام لخطر الدخول في مرحلة انقطاع تاريخي طويلة.وذلك أننا نزعم أن الإسلام المعروض على العالم ليس إسلاما نصيا، بقدر ما هو إسلام تاريخي من صنع المنطومة السلفية. ونرى في ذلك تفسيرا للفجوة الفاصلة بين الإسلام وبين العالم. وأن من اللازم - إحقاقا لحقيقة الدين، وكي تزول تلك الفجوة - أن يعاد عرض الإسلام، كما هو في النص الخالص، وليس كما هو في المنظومة التاريخية. وأن ذلك لن يتم بغير دعامتين أو خطوتين أساسيتين:الأولى: أن تنحى كل المصادر اللانصية التي اعتمدتها المنظومة السلفية. وهو ما يعني إعادة قراءة ثم كتابة علىم (أصول فقه).الثانية: أن تحذف كل الإضافات التي حملت على نص السنة، من جراء المنهج الإسنادي في جمع الروايات والأخبار. وهو ما يعني إعادة قراءة ثم كتابة (علم الحديث). وليس لشيء من ذلك أن يتم بغير هذه (الحاسة النقدية) بنت العقل والحرية. وحيث هي بنت العقل والحرية، فهي بنت الإسلام الحقيقي الأصيل. أي الإسلام الذي نقرأه في النص الخالص. قبل أن يحمل بأوزار التاريخ والجغرافيا الإقليمية. "
16 " ان القول (بالنص)، يعني إطلاقية الحكم الوارد فيه، أي تجرده من خصوصية الزمان والإقليم، وهكذا فسوف تظل القرشية إلى الأبد شرطا في رأس السلطة التي من المقرر لها أن تحكم العالم أو جزءا كبيرا منه على الأقل، والتي من المقرر أيضا – وفق الروايات – أن ينتهي الزمان وعلى رأس الدنيا حاكم مهدي من قريش!. "
17 " إن فكرة الشرعية النصية تعني أن الإسلام ينشيء شرعية (دستورية) مستقلة عن الواقع، لا نقول إنها مخاصمة للواقع أو نافية له، وإنما نقول إنها سابقة عليه، ومجردة عنه. وهي بحكم مصدريتها النصية، قابلة للتكرار بإستمرار، بل ومدعو إلى إنشائها على الدوام، وليس في الأمر معجزة أو خارقة، بل هو حكم النصوص العامة في القرآن التي تهتف بالعدالة والحرية والشورى والمساواة بين البشر، والتي ليس من بينها على الإطلاق أن يكون الحكم مقصورا على قريش. "
18 " ولقد تم هذا التقنين على مستوى الأصول بمعرفة الشافعي، قبل أن يبدأ على صعيد الكلام بمعرفة الأشعري. وكلاهما كان ينظر الوسطية السلبية الجانحة بعيدا عن (الحرية). ونحن نشبه (القياس) الفقهي لدى الشافعي، بمفهوم (الكسب) الكلامي لدى الأشعري، من حيث أنه إذا كان الأشعري قد استخدم (الكسب) كأداة كلامية، في تقنين الجمع بين الجبر الخالص والاختيار الحر، فانتهى به موقفه إلى تقنين الجبرية، أي انتهى بعيدا عن الحرية، فقد سبقه الشافعي إلى استخدام (القياس) كأداة أصولية، في تقنين الجمع بين النقلية السلفية والرأي الحر، فانتهى به موقفه إلى تقنين السلفية، أي انتهى كذلك بعيدا عن الحرية. "
19 " وليس ثمة شك في اتصال المعتزلة بالفكر اليوناني وتأثرهم به، ولكن الذي لا شك فيه أيضا أنهم مارسوا التعقل (بكثير من المضامين المنطقية) قبل أن يحدث هذا الاتصال. ونحن نرى أن الطرح الاعتزالي الأول لمسألة الحرية، إنما نشأ عن القراءة المباشرة، للقرآن في ظل ظروف سياسية (استفزازية). واعني بالقراءة المباشرة، القراءة الأولى التي يجريها الحدس العقلي، أي القراءة التي تمت خارج الوصاية التفسيرية الضيقة للسلف، بطابعها اللغوي والمتوجس من العقل. فمن شأن هذه القراءة، دون غيرها، الوقوف على الأصول الكلية للقرآن وهي متضمنة بغير شك لمباديء العقل الكلي الكونية. أما الظروف (الاستفزازية) فنشير بها إلى ممارسات القهر القمعية التي لم تكف السلطة الأموية بإنزالها على الناس بل راحت تلبسها ثيابا شرعية، ناسبة إياها بشكل مباشر إلى قضاء الله وقدره السابق. وهو أمر مناقض للتصور القرآني الواضح حين يقرأ بغير (غرض) تفرضه الوصاية، التي هي مفروضة بدورها من ضغوط التحالف الفقهسياسي السلفي الأموي. "
20 " وإذا كانت الرؤية السياسية لابن حزم كما عبر عنها (نظريا) تشبه إلى حد كبير رؤية المنظومة السلفية، فإن ذلك يرجع بشكل مباشر في نظرنا، لأسباب سياسية بعينها هي التي أملت على ابن حزم نظريته في الإمامة. إضافة إلى أن ابن حزم لم ينتبه بالقدر الكافي للخلل الكامن في المنهجية التقليدية لعلم الحديث، وهو الخلل الذي أدى إلى تسرب كثير من الروايات المصنوعة والملفقة، لا سيما في المنطقة السياسية، التي لعبت أحداث الفتنة دورا كبيرا في إنشائها وتضخمها. "