Home > Work > السلطة في الإسلام: العقل الفقهي السلفي بين النص والتاريخ

السلطة في الإسلام: العقل الفقهي السلفي بين النص والتاريخ QUOTES

21 " وكما هو واضح فنحن لا نرادف بين (الفلسفي) و (العقلي). لأن (العقل) في مفهومنا (منهج) بينما الفلسفة (رؤية). و(العقل المنهج) عندنا هو العقل الكلي الذي يكاد أن يطابق مفهوم الفطرة الإنسانية. التي نؤمن بأن الله تعالى قد فطر عليها الإنسان بما هو إنسان. ومن ثم فهي مطردة في النوع الإنساني كله. أو هي الحد الأدنى المشترك بين البشر من (قدرة الإدراك) أو (الحدس المباشر). أما (الفلسفة الرؤية) فهي الآراء التي تصدر عن مناهج مختلفة ومتعددة، يقل نصيبها من الحق أو يزيد بقدر بعدها أو قربها من منهج العقل الكلي المفطور.
ومن هذا المنطلق فنحن ننظر إلى منطق أرسطو باعتباره محاولة بشرية متقدمة (لكتابة) النظام، الذي يعمل من خلاله بالفعل، العقل الكلي المفطور. وبقطع النظر عن درجة الإصابة التى أحرزها أرسطو في هذا الصدد، والتي لم تكن متدنية بحال من الأحوال، فقد كان المنطق البرهاني الأرسطي المستند أساسا إلى القياس الجامع، يعمل داخل دائرة العقل الكلي المفطور. ومن هنا فنحن لا نتصور وجود الخصومة بينه وبين النص القطعي الصحيح، من حيث أن الاثنين كليهما العقل المفطور والنص القطعي صادران عن مصدر واحد هو الله عز وجل. "

عبد الجواد ياسين , السلطة في الإسلام: العقل الفقهي السلفي بين النص والتاريخ

22 " ولقد نشأ مصطلح (أهل السنة والجماعة) كنتيجة مباشرة للانفجار السياسي المشار إليه، ليعبر - سياسيا في باديء الأمر - عن التيار الغالب من المجتمع المسلم الذي أعلن الاعتراف بالسلطة الجديدة، أو بالأحرى لم يعلن الاعتراض عليها، إنصياعا لمبدأ الخضوع للأمر الواقع، الذي فرضته السلطة الجديدة في أعقاب نهر من الدماء. والراجح لدينا أن المصطلح لم يكن قد تبلور بعد بصيغته تلك في هذه المرحلة المبكرة. وربما كان يشار إلى (الجماعة) أو (أهل الجماعة) كما يشار إلى عام الجماعة حين اجتمعت غالبية المسلمين على قبول معاوية. وذلك للدلالة على هذا الموقف السياسي البحت، في مقابل المواقف السياسية للخوارج ثم للشيعة قبل اصطباغها بأي صبغة كلامية أو عقلية، نعم لقد أعيد استخدام المصطلح بعد تبلوره النهائي ليعبر عن هذه الحالة السياسية، زلكن ذلك كان بعد أن اكتسب مضامينه الفكرية، في مواجهة الفرق الكلامية ولا سيما المعتزلة التي ولدت كلامية عقلية، سياسية في نفس الوقت. على خلاف الخوارج والشيعة الفرقتين اللتين ولدتا سياسيتين، ثم مارست كل واحدة منهما، لا سيما الشيعة، عملية تركيب نظرية للأصول بأثر رجعي. هنا يصح أن تنشأ لدى التيار الرئيس حاجة إلى إضافة (السنة) إلى المصطلح، بعد أن كان (الجماعة) ليصبح (أهل السنة والجماعة). "

عبد الجواد ياسين , السلطة في الإسلام: العقل الفقهي السلفي بين النص والتاريخ

23 " وكقاعدة عامة فقد ظل هذا الإرتباط العضوي بين السلطة المركزية وتيار الفقه السلفي قائما كحقيقة سياسية وفكرية ثابتة في مجمل تاريخ الدولة الإسلامية. وذلك بغض النظر عن بعض الفترات القصيرة التي افترقت فيها السلطة عن هذا التيار، دون أن تترك بعد انقضائها كبير أثر في العقل الإسلامي العام. كالفترة الإعتزالية الأولى التي بدأها المأمون في مطلع القرن الثالث وانتهت بتولي المتوكل سنة 232هـ والفترة الاعتزالية الثانية التي بدأها البويهيون باستيلائهم على العراق سنة 334هـ وانتهت على يد السلاجقة سنة 477هـ والتي يمكن القول بأنها إعتزالية مشربة بالتشيع، أو شيعية مشربة بالاعتزال. لم يستطع الإعتزال ولا التشيع رغم اقترانهما اللصيق بالسلطة، أن يغيرا من بصمة العقل السلفية، التي كان تيار الحديث قد وضع لها أسسا مكينة في هذا العقل على يد الشافعي قبل إعتزالية المأمون. "

عبد الجواد ياسين , السلطة في الإسلام: العقل الفقهي السلفي بين النص والتاريخ

25 " إن القضية التي تعنينا هنا ليست قضية أبي هريرة وما إذا كان من الجائز نقد الصحابي من عدمه. فهذه القضية محسومة عندنا – على خلاف المفهوم السائد في العقل السلفي – فنحن نعتقد من إسلامنا أن العصمة لا تكون إلا للوحي. ومن ثم فإن عدالة الصحابة (وهم عندنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المقربونمنه المتشربون عمليا لتعاليمه، وليس كل من لقيه أو رآه كما يذهب المفهوم السائد حديثيا) لا تعني القول بعصمتهم كأعيان فردية من الخطأ أو الخطيئة، كما لا ترتب القول بحصانتهم من النقد والتقييم. وفي رأينا أن هذا المفهوم السائد لدى أهل الحديث التقليدين والمحدثين عن مفهوم الصحبة وطبيعتها المحصنة، كان واحدا من أهم الأسباب الكامنة خلف قصور المنهج الإسنادي التقليدي وعجزه عن حل إشكالية النص السني، وذلك بما يؤدي إليه هذا المفهوم من تضييق دائرة النقد وتقليص مساحة النظر، بغير مبرر موضوعي منصوص أو معقول، ولكن الرؤية الوجدانية التي أسبغها أهل الحديث على الصحابة (بمفهوم واسع لمعنى الصحبة) مرادفين على نحو نزوعي بين (الخيرية) التي يمكن الإعتراف بها للأصحاب كجيل مجمل، وبين (الحصانة) أو العصمة التي لا يمكن الإعتراف بها لأفراد البشر بغير وحي منزل من عند الله. "

عبد الجواد ياسين , السلطة في الإسلام: العقل الفقهي السلفي بين النص والتاريخ

26 " ويستحق هذا النموذج، نموذج (الدولة السلطانية)، الذي بدأ بالبويهيون بسنة 334 هـ ، واستمر من خلال السلاجقة، حتى سقوط الخلافة في بغداد سنة 656 هـ ، يستحق وقفة للتأمل من حيث علاقته بمفهوم القرشية.
وذلك أن كلا من البويهيين والسلاجقة كان يملك من القوة والسطوة بعد استقراره في بغداد ما يمكنه من الإطاحة بالخلافة العباسية، بحيث يجمع لنفسه بين السلطة الإسمية والفعلية جميعا. ومع ذلك فإن أيا منهم لم يفعل ذلك ولم يتجه بنيته إليه، الأمر الذي يجد تفسيره عندنا، في رسوخ مفهوم القرشية كحكم ديني غير قابل للنقاش بسبب استناده إلى النصوص، لقد تحولت القرشية في هذه الحالة إلى (شرعية رسمية) يجب مراعاتها باستمرار، باعتبارها من دواعي الملاءمة السياسية ذاتها. وهكذا صارت السلطة الإسمية للخليفة بحاجة إلى قوة سياسية لتحميها، بينما كانت السلطة الحقيقية التي يمتلكها السلطان البويهي بحاجة إلى صك اعتماد رسمي من الخليفة. "

عبد الجواد ياسين , السلطة في الإسلام: العقل الفقهي السلفي بين النص والتاريخ