Home > Author > محمد سالم عبادة

محمد سالم عبادة QUOTES

41 " (يلتفتُ إلى وجه صديقِه رافعًا حاجبَيه ليَنقُل إليه إحساس الدهشة): أنا من ساعة ما بدأت العمل كمُعيد في قسم (علم الأنسجة) في الكلّيّة، باطَّلِع باستمرار على شرايح لأنسجة الجسم المختلفة المتّاخدة من فئات عمرية متفاوتة. (يحدقُ في الفراغ) تِعرَف. الملاحظة دي بتَتمتع بصفة الاطِّراد، ولا يكاد يكون لها استثناء. كل ما صغِر سنّ الشخص مصدر العيِّنَة المدروسة كل ما كانت الخلايا في النسيج المحتوَى في العينة أكثر تناسُقًا. أنا شُفت دا في كلِّ الأنسجة يا (مدحت). من الجلد للعضلات لِلعَضم لِلأعصاب. حتى الدَّم. النسيج السائل دا يبدو فيه الفرق دا واضح جدًّا بين الأطفال والشيوخ. (يضحك) للصِّبا رونقُه بالفعل.
- مدحت: بالتأكيد!
- عاكف (بنفس الحماس): أيوة! والتناسق اللي هو منبع الجمال وأصلُه موجود على المستوى المرئي للعين المجرَّدة كمان زيّ وجوده على مستوى المِجهَر. بُصّ لبَشرِة طفل في العاشرةِ أو صَبِي في بداية مُراهْقِتُه في الرابعة عشرة مثلاً، وبعدين بُصّ لبشرة كهل في الأربعين أو حتى سِتّ في نفس السن. قارن حركة الأول بحركة الثاني. (يهزُّ رأسهُ في تسليمِ) معذورين. معذورين بالفعل.
- مدحت (يبدو شبح ابتسامةٍ على جانب فمِه): هو انا حكيت لك عن (شِنّاوي)؟!
- عاكف (ساخرًا): (شناوي)؟ أنا أحكي لك عن شكل الأنسجة تحت المجهر، وعن التراث الأدبي الصوفي، وانت تحكي لي عن (شِنّاوي)؟ ومن يكون هذا الـ(شنّاوي) يا ابو تفاهة؟!
.....................................
من قصة (شنّاوي) "

محمد سالم عبادة , ما يحدث في هدوء

48 " خرج (شندلر) محزونًا حاملاً دفاتر المستقبل، وظلّ الشقاقُ بينهما عامًا كاملاً، انقضى فيه ما كان (شندلر) كتبه من حوار، لكنّه لم يكُفّ عن الكتابة وهو بعيد. كان الأمرُ فوقَ إرادته، لا يجدُ له دَفعا. ظلّ الصمَمُ والألمُ يَقتُلان (بيتهوفن) ببطء. كانت سيمفونيتُه التاسعةُ التي قادَها بنفسه قبل الجراحة بأشهرٍ قليلةٍ تتلوى في وعيه وهو محاصَرٌ بالطنين والأصوات البحريةِ الهادرةِ الرهيبةِ التي استعمرَته منذُ زُرِع الأخطبوطُ في أذُنه. عاد (شندلر) لخدمته بعد عِدَّةِ أشهُر، بعد أن تصالحا على أن يحاول الأخيرُ كتابة نهايةٍ تليقُ بالموسيقار العظيم.
لم يحاول بعد ذلك (بيتهوفن) مراجعة سكرتيره فيما كتبه، حتى حانت لحظةُ مَوتِه، فقال جملته الشهيرة "هنا تنتهي المسرحية يا سادة"، وبَصَقَ في وَجهِ السَّماءِ تلك البَصقَةَ الشهيرةَ التي ارتدّت إليه فملأَت وَجهَه! كانت هذه البصقةُ آخِرَ ما كتبه (شندلر) في دفترِه الملعون! بعدها أخذ (شندلر) دفاتره واستعان بها في كتابة تاريخ حياة (بيتهوفن)، ولم تُخالِج أحدَهم فكرةٌ بشأن حقيقة ما جرى بالطبع! "

محمد سالم عبادة , الناظرون