Home > Work > ما يحدث في هدوء
1 " (يلتفتُ إلى وجه صديقِه رافعًا حاجبَيه ليَنقُل إليه إحساس الدهشة): أنا من ساعة ما بدأت العمل كمُعيد في قسم (علم الأنسجة) في الكلّيّة، باطَّلِع باستمرار على شرايح لأنسجة الجسم المختلفة المتّاخدة من فئات عمرية متفاوتة. (يحدقُ في الفراغ) تِعرَف. الملاحظة دي بتَتمتع بصفة الاطِّراد، ولا يكاد يكون لها استثناء. كل ما صغِر سنّ الشخص مصدر العيِّنَة المدروسة كل ما كانت الخلايا في النسيج المحتوَى في العينة أكثر تناسُقًا. أنا شُفت دا في كلِّ الأنسجة يا (مدحت). من الجلد للعضلات لِلعَضم لِلأعصاب. حتى الدَّم. النسيج السائل دا يبدو فيه الفرق دا واضح جدًّا بين الأطفال والشيوخ. (يضحك) للصِّبا رونقُه بالفعل.- مدحت: بالتأكيد!- عاكف (بنفس الحماس): أيوة! والتناسق اللي هو منبع الجمال وأصلُه موجود على المستوى المرئي للعين المجرَّدة كمان زيّ وجوده على مستوى المِجهَر. بُصّ لبَشرِة طفل في العاشرةِ أو صَبِي في بداية مُراهْقِتُه في الرابعة عشرة مثلاً، وبعدين بُصّ لبشرة كهل في الأربعين أو حتى سِتّ في نفس السن. قارن حركة الأول بحركة الثاني. (يهزُّ رأسهُ في تسليمِ) معذورين. معذورين بالفعل.- مدحت (يبدو شبح ابتسامةٍ على جانب فمِه): هو انا حكيت لك عن (شِنّاوي)؟!- عاكف (ساخرًا): (شناوي)؟ أنا أحكي لك عن شكل الأنسجة تحت المجهر، وعن التراث الأدبي الصوفي، وانت تحكي لي عن (شِنّاوي)؟ ومن يكون هذا الـ(شنّاوي) يا ابو تفاهة؟!.....................................من قصة (شنّاوي) "
― محمد سالم عبادة , ما يحدث في هدوء
2 " تعالَ يا ولدي، امتثِل ليَدَي أبيكَ المرتعشتين، وسامحهُ إن جرّكَ في الرمالِ خارجَ قبرِكَ العظيم. آهِ لو كنتُ مستطيعًا أن أمنحَكَ من خُلودي. إذَن لرأيتَ بلادَكَ تسقُطُ في أيدي الغُزاةِ مرّةً ومرّةً ومرّة. ورعاياكَ ينسون أباكَ ويغرقونَ في النسيانِ وهم أحياءٌ، ويسلّمون أنفسَهم لكلِّ شجاع. لكن. شكرًا للقدَرِ الّذي حرمَكَ الخُلود. أنت الآنَ مستريحٌ من حُزني الذي أحملُهُ منذُ سقوطِ مصرَ الأول والثاني والثالث. غزاةُ الشّرق. يالَغُزاةِ الشّرق! لا يعرفون شيئًا عن (سِت) ملِكِ الصحراء. ومجيئُهم أغرى المصريين بي، فصاروا يكرهونني، ويقولون إنني أنا الشّرّ، وكأنهم نسوا أنهم جاءوا منّي، من الصحراء. ولماذا أقولُ (كأنهم)؟ بل قد نسوا بالفعل. ألم أقُل لك يا ولدي إنهم غرقوا في النسيانِ وهم أحياء؟!"..................من قصة (الأب والجثمان) "