Home > Author > وديع سعادة
1 " سَيل الجماعة جارف. قافلة الجماعة ماعسة. تسحق الفرد ومأواه الضيّق للسهو أو النوم.كيف يمكن إنقاذ الزهرة الداخلية في هذا الجرف؟هذا البهاء اليتيم كيف يمكن إنقاذه؟ "
― وديع سعادة , غبار
2 " لا أعرف كيف لا تتوقف أرجلنا عن المشي حين نفقد شخصًا نحبُّه. ألم نكن نمشي لا على قدمينا بل على قدميه؟ ألم تكن النزهة كلها من أجله؟ ألم يكن هو النزهة؟ "
― وديع سعادة , محاولة وصل ضفتين بصوت
3 " العابرون سريعًا جميلون. لا يتركون ثقلَ ظلّ. ربما غبارًا قليلاً، سرعان ما يختفي "
― وديع سعادة
4 " العابرون سريعًا جميلون. لا يتركون ثقلَ ظلّ. ربما غبارًا قليلاً، سرعان ما يختفيالأكثر جمالاً بيننا، المتخلّي عن حضوره. التارك فسحةً نظيفة بشغور مقعده. جمالاً في الهواء بغياب صوته. صفاءً في التراب بمساحته غير المزروعة. الأكثر جمالاً بيننا: الغائبقاطعُ المكان وقاطع الوقت بخفَّةٍ لا تترك للمكان أن يسبيه ولا للوقت ان يذرّيه. مُذَرٍّ نفسه في الهبوب السريع غير تارك تبنًا لبيدره ولا قمحًا لحقل سواه. المنسحب من شرط المشي للوصول. المنسحب من الوصولالعابر سريعًا كملاكٍ مهاجر. غير تارك إقامة قد تكون مكانًا لخطيئة. غير مقترف خطيئة، غير مقترف إقامةسريعًا تحت شمس لا تمسُّه، تحت مطر لا يبلّله، فوق تراب لا يبقى منه أثر عليه. سريعًا بلا أثر ولا إرث ولا ميراثلم يُقم كفايةً كي يتعلَّم لغة. لم يُقم كي يتشرَّب عادات. لا لغة له ولا عادات ولا معلمين ولا تلاميذ. عابرٌ فوق اللغة، فوق العادات، فوق المراتب والأسماء والاقتداءبلا اسم، فوق النداء والمناداةوفوق الإيماءات، إلا إيماءة العبوروبلا صوت، لأن الصوت ثقلٌ في الهواءلأن الصوت قد يرتطم بآخر. قد يسحق صوتًا آخر في الفضاء. قد يزعج النسماتوبلا رغبة. لأن الرغبة إقامة، ثبات العابرون سريعًا جميلون. لا يقيمون في مكان كي يتركوا فيه بشاعة. لا يبقون وقتًا يكفي لترك بقعة في ذاكرة المقيمينالذين أقاموا طويلاً معنا تركوا بقعًا على قماش ذاكرتنا لا نعرف كيف نمحوهابقعٌ مؤلمة، أينما كان على المقاعد، بحيث لم يعد يمكننا الجلوسالمقيمون طويلاً يسلبون مقاعدنا. يحوّلون أثاث بيوتنا إلى قِطعٍ منهم. بحيث نجلس، إذا جلسنا، على ضلوعهم، على عظامهميسحق المقيمون المقيمين. أما العابرون فلا يسحقون أحدًا ولا أحد يسحقهم. لا يطأون على كائنات ولا يُثقلون خطوًا على أرض. حتى الهواء لا يلمحهم غير لحظةبلا قلق ولا ندم ولا آلهة ولا أتباع. إيمانٌ واحد لهم: العبورالمتخلّون عن الأمكنة والأوطان والآباء والبنين. كاسرو القيد. مخرّبو المشنقة المصنوعة من حديد المكان والزمان والانتماءإنهم يتساقطون، الواحد تلو الآخر، المتشبثون بالإقامة. يتساقطون بأوطانهم التي صارت وهمًا. بانتماءاتهم التي صارت كذبًا. بأبوَّتهم التي صارت عبئًا. بايماناتهم التي تقتلنا، وتقتلهم، وتقتل الحياة.العابرون لا ضحايا لهم. هل لذلك بات علينا، كي نمجّد الحياة، أن نمجّد عبورها بسرعة، أن نمجّد الانتحار؟بخفَّةِ خفقة الطير وانفتاح النسمة للجناح. بخفة انفتاح هواء العبور واندمال هواء الانطلاقعابرون سريعًا، كلحظة انقصافلهم من العصفور صوت، من الغصن نظرة، من الزهرة شميمٌ خاطفعصافيرهم للغناء والرحيل، لا للسجن في أقفاص أو تأبيدها محنَّطةً في واجهات. طيورهم الروح المسافرة، لا الريش المقيموزهورهم العبق الشارد خارج الإناء سوى المرتحلين، واللامبالين، والعابثين بالإقامة، والممسوسين، والموتى، مَن كان سيكتشف جمال العبور؟وأيّةُ لحظة تكتشف الحياةَ أكثر من لحظة الغياب عنها؟هل لذلك تجب مصادقةُ الرحيل أكثر من مصادقة الإقامة؟وهل، لذلك، على حياتنا أن تكون، فقط، تمرينًا على جمال الرحيل؟أجملنا الراحلون. أجملنا المنتحرون. الذين لم يريدوا شيئًا ولم يستأثر بهم شيء. الذين خطوا خطوةً واحدة في النهر كانت كافية لاكتشاف المياهأجملنا الذين ليسوا بيننا. الذين غادرونا خفيفين، تاركين، بتواضع، مقاعدهم لناس قد يأتون الآن، إلى هذه الحفلةحفلةٌ سخيفة، ورغم ذلك لا يترك المتشبثون بالإقامة مقعدًالكن لِمَ المقاعد، ما دام المحتفلون يبدأون ضيوفًا وينتهون أعداء؟ لنمضِ إذن، بخفَّة، قبل أن تلتهمنا الخناجر، قبل أن نصير طبَقَ الوليمةلحظةُ الوصول إلى الاحتفال هي كلُّ جمال الاحتفال. وبعدها، سريعًا، يصير الجمالُ هو المغادَرةالخطوة المغادِرة، هي الأجمل دائمًاالراحلون يمتزجون بالنسيم. وإذ نقف نحن، لتشييعهم، فلنشيّعْ معهم ذكراهم أيضًا. لأن الذكرى تعيق رحيلهم، تعيدهم إلى مكانهم، تجعلهم جمادًاالذاكرة تعيق الراغبين في الموت. وتجعل الراغبين في الحياة موتىفلندفنها إذنلندفن الذاكرة ونحن نغنّيإنها حفلة سخيفة في إية حال، ولكن بما أننا وصلنا، فلنغنِّ ونرقصثوانٍ، قد نكون فيها جميلينلكن أجملنا سيبقى: الغائب "
5 " لا ترمِ شيئاًقد يكون ما ترميهقلبك. "
― وديع سعادة , من أخذ النظرة التي تركتها أمام الباب؟
6 " كأنَّ الاحتفاء بالذات لا يتمُّ إلا بالعزلة. كأنَّ الاحتفاء بالحياة لا يكون إلا بالصمت. "
7 " ليس عندي ما أقوله. فقط أريد أن أتكلم، أن أصنع جسراً من الأصوات يوصلني بنفسي. ضفتان متباعدتان أحاول وصلهما بصوت. الكلمات أصوات. أصوات لا غير. هكذا هي الآن، هكذا كانت دائماً. أصوات لا نوجهها إلى أحد. نحن لا نكلم الآخرين. نكلم فقط أنفسنا. "
8 " الذين يصمتون يرتفعون عن الأرض قليلاً، لا تعود أقدامهم وأجسادهم ملتصقة بها. الذين يصمتون ينسحبون من جمهرة الأرض كي يحتفوا بذاتهم. كأنَّ الاحتفاء بالذات لا يتمُّ إلا بالعزلة. كأنَّ الاحتفاء بالحياة لا يكون إلا بالصمت. "
9 " في قلبه ضجيجكأنَّ مسافرين يحتفلون في حافلةفي قلبهولا يعرف حافلة ولا مسافرينولا يدريأنَّ في قلبه طريقاً. "
10 " الذين ألِفناهم شجرًا باسقاًصاروا قشًّا حين حزنوا "
11 " هذه البحيرة ليست ماء. كانت شخصًا تحدثتُ إليه طويلاً، ثم ذاب! "
12 " وهذه العاصفة في الرأس كيف لا تحرّك غصنًا؟ "
― وديع سعادة , ليس للمساء إخوة
13 " هل كان عليَّ أن أرتطم بنفسي كلَّ هذا الوقت، ويرتطمَ كلُّ شيء بي، لكي أصير في النهاية فريسة صامتة؟ ألم يكن في وسعي، من زمان، أن أخفّف عن هذا العالم الضاجّ، صوتًا؟ "
14 " مئات الصفحاتمئات الصفحاتكي يقول كلمةولا يقولها. "
15 " في عيونه غيومويحدّق في الأرضعلَّها تمطر * "
― وديع سعادة , قل للعابر أن يعود نسي هنا ظله
16 " كيف يمشي واحدٌ إذا فقد شخصًا! أنا، حين فقدت شخصًا، توقفت. كان هو الماشي وأنا تابعه. كنت الماشي فيه.و حين توقَّف، لم تعُدْ لي قدمان. "
17 " نتسلّق ضحكاتنا لأنّ صراخنا شاهقُ جدًا. "
18 " كتبَ اسمَهُ على الحائط كي يتذكّر العابرون أنه مرَّ من هناكتبَ اسمَهُ وذهبوحين عادحاول عبثاً أن يتذكَّرمن هو هذا الاسم المكتوب على الحائط. "
19 " الأيام كثيرة، لكن الحياة قليلة. تتأجّل من يوم إلى يوم. وحين لا يبقى غير يوم تتدفق كلها إليه علّها تحيا فيه... "
20 " الذين بلا رغبات هم الأحياء حقًا.لا شيء يقتلهم ولا يتركون ضحايا. "