Home > Work > صيد الخاطر
21 " الواجب على العاقل أخذ العدة لرحيله ، فإنه لا يعلم متى يفجؤه أمر ربه ، و لا يدري متى يستدعى ؟و إني رأيت خلقاً كثيراً غرهم الشباب ، و نسوا فقد الأقران ، و ألهاهم طول الأمل . و ربما قال العالم المحض لنفسه : أشتغل بالعلم اليوم ثم أعمل به غداً ، فيتساهل في الزلل بحجة الراحة ، و يؤخر الأهبة لتحقيق التوبة ، و لا يتحاشى من غيبة أو سماعها ، و من كسب شبهة يأمل أن يمحوها بالورع . و ينسى أن الموت قد يبغت . فالعاقل من أعطى كل لحظة حقها من الواجب عليه ، فإن بغته الموت رؤى مستعداً ، و إن نال الأمل ازداد خيراً . "
― ابن الجوزي , صيد الخاطر
22 " من رزق قلبا طيبا ولذة مناجاة فليراع حاله وليحترز من التغيير. وانما تدوم له حال بدوام التقوى "
23 " كان شيخ يدور في المجالس ويقول : من سـرّه أن تدوم له العافية فليتق الله عز وجل ( فصل : محاسبة النفس ) "
24 " فأما من حيث وعظ النفس و تأنيبها ، فينبغي لمن رآها تسكن للخلق ، و تتعرض بالدناءة من الأخلاق أن يعرفها تعظيم خالقها لها فيقول : ألست التي قال فيك : خلقتك بيدي ، و اسجدت لك ملائكتي ، و ارتضاك للخلافة فى أرضه ، و راسلك و اقترض منك و اشترى . فإن رآها تتكبر ، قال لها : هل أنت إلا قطرة من ماء مهين ، تقتلك شرقة ، و تؤلمك بقة ؟ و إن رأى تقصيرها عرفها حق الموالي على العبيد . و إن ونت في العمل ، حدثها بجزيل الأجر . و إن مالت إلى الهوى ، خوفها عظيم الوزر . ثم يحذرها عاجل العقوبة الحسية ، كقوله تعالى : " قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم و أبصاركم" و المعنوية ، كقوله تعالى : " سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق . "
25 " من قارب الفتنة بعدت عنه السلامة، ومن ادعى الصبر وكل إلى نفسه، وربَّ نظرةٍ لم تناظِر. وأحق الأشياء بالضبط والقهر- اللسان والعين ـ؛ فإياك أن تغتر بعزمك على ترك الهوى مع مقاربة الفتنة؛ فإن الهوى مكايد، وكم من شجاع في صف الحرب اغتيل، فأتاه ما لم يحتسب ممن يأنف النظر إليه، وانظر حمزة ووحشي:فَتَبَصَّـــــــرْ ولا تشــــــمْ كلَّ برقٍ *** رب برق فيـــه صـــواعقُ حَيْنِواغضضِ الطرفَ تَسْتَرح من غرام *** تكتسي فيه ثوب ذلٍّ وشينفبــــلاء الفتى موافقــة النفــــــــ *** س وبدءُ الهوى طموح العين "
26 " إن فقيها واحدًا وإن قل أتباعه، وخفت إذا مات أشياعه أفضل من ألوف تتمسح العوام بها تبركا، ويشيع جنائزهم ما لا يحصى، وهل الناس إلا صاحب أثر تتبعه، أو فقيه يفهم مراد الشرع ويفتي به. نعوذ بالله من من الجهل، وتعظيم الأسلاف تقليدا لهم بغير دليل "
27 " قد قال كثير من الصحابة والتابعين قبلي: ليتنا لم نُخلق، وما ذاك إلا لأثقال عجزوا عنها. ثم مّن ظن أن التكاليف سهلة، فما عرفها.أتُرى يظن الظان أن التكاليف غسل الأعضاء برطل من الماء، أو الوقوف في محراب لأداء ركعتين؟ هيهات ! هذا أسهل التكليف.وإن التكليف الذي عجزت عنه الجبال، و من جملته: أنني إذا رأيت القدر يجري بما لا يفهمه العقل، ألزمت العقل الإذعان للمقدر، فكان من أصعب التكليف. "
28 " مر بشر الحافى - رحمه الله - على بئر ، فقال له صاحبه: أنا عطشان . فقال: البئر الأخرى! فمر عليها ، فقال له: الأخرى! ثم قال: كذا تُقطع الدنيا . "
29 " رأيت كثيرًا من الناس يتحرزون من رشاش نجاسة ولا يتحاشون من غيبة,ويكثرون من الصدقة ولا يبالون بمعاملات الربا ويتهجدون بالليل ويؤخرون الفريضةعن الوقت "
30 " ثــم إنّ العلــم دلـّني على معرفة المعبود .. ( فصل : الشكوى من التكليف ) "
31 " قـــد عيــل الصــبر في سنيــنه العجـاف فعجل لي العام الذي أغاث فيه وأعصــر (فصل : التقوى والمعاصي ) "
32 " واعلم أنه من أعظم المحن الاغترار بالسلامة بعد الذنب ، فإن العقوبة تتأخر ، ومن أعظم العقوبة أن لا يحس الإنسان بها "
33 " فكل محبوباتي منه، وعنه، وبه، الحسية والمعنوية، وتسهيل سبل الإدراك به، والمدركات منه، وألذ من كل لذة عرفاني له، فلولا تعليمه ما عرفته. وكيف لا أحب من أنا به، وبقائي منه، وتدبيري بيده، ورجوعي إليه، وكل مستحسنٍ محبوب هو صنعه وحسّنه وزيّنه وعطف النفوس إليه. "
34 " لما كانت الخواطر تجول في تصفح الأشياء تَعرض لها ، ثم تُعرض عنها فتذهب ، وكان من أولىٰ الأمور حفظ ما يخطر لكيلا يُنسىٰ "
35 " وما زال خلف من العلماءوالزهاد يعيشون في ظل جماعة من المعروفين بالظلم,وهؤلاء وإن كانواسلكوا طريقًا من التأويل فإنهم فقدوا من قلوبهم وكمال دينهم أكثر مما نالوامن الدنيا "
36 " ألم تر إلى أرباب الصنائع لو دخلوا إلى دار معمورة رأيت البنَّاء ينظر إلى الحائط، والنجَّار ينظر إلى الباب والنوافذ، والحائك ينظر إلى النسيج. فكذلك المؤمن اليقظان: إذا رأى ظلمة ذكر ظلمة القبر، وإذا شكا ألما ذكر العقاب، وإن سمع صوتًا فظيعًا ذكر نفخة الصور، وإن رأى نيامًا ذكر الموتى في القبور، وإن رأى لذة ذكر الجنة "
37 " قال المأمون لبعض أصحابه: لا تعص الله بطاعتي ، فيسلطني عليك. "
38 " سئل الإمام أحمد عن رجل يقول: (لا آكل الفالوذج، فقال الإمام أحمد : ولماذا؟ قالوا: لأنه يقول: لا أستطيع أن أؤدي شكرها، قال: قبّحه الله، أويستطيع أن يؤدي شكر الماء البارد في اليوم الصائف؟ "
39 " أخذ الراحة للجد .. جد "
40 " تأملت على أكثر الناس عباداتهم فإذا هي عادات، فأما أرباب اليقظة فعاداتهم عبادة حقيقية، فإن الغافل يقول: سبحان الله عادة والمتيقظ لا يزال فكره في عجائب المخلوقات أو في عظمة الخالق، فيحركه الفكر في ذلك فيقول: سبحان الله ولو أن إنسانًا تفكر في رمانة، فنظر في تصفيف حبها وحفظه بالأغشية لئلا يتضاءل، وإقامة الماء على عظم العجم، وجعل الغشاء عليه يحفظه، وتصوير الفرخ في بطن البيضة، والآدمي في أحشاء الأم، إلى غير ذلك من المخلوقات، قاده هذا الفكر إلى تعظيم الخالق فقال: سبحان الله وكان هذا التسبيح ثمرة الفكر؛ فهذا تسبيح المتيقظين، وما تزال أفكارهم تجول فتقع في عباداتهم بالتسبيحات محققة، وكذلك يتفكرون في قبائح ذنوب قد تقدمت فيوجد ذلك الفكر قلق القلب وندم النفس، فيثمر ذلك ان يقول قائلهم أستغفر الله، فهذا هو التسبيح والاستغفار، وأما الغافلون فيقولون ذلك عادة وشتان ما بين الفريقين "