Home > Work > الهويات القاتلة

الهويات القاتلة QUOTES

43 " أنا مَلْكي إذاً. ولكن، لو حاول أحدهم، بدافع الفضول، يوماً من الأيام، البحث عن اسمي في قيود الأحوال المدنية ـ الموضوعة في لبنان، كما هو متوقع، بناءً على الانتماء الديني ـ فهو لن يجده لدى الملْكيين بل في قيد البروتستانت. لماذا؟ قد يطول الشرح، وأكتفي في هذا المقام بالقول إن مذهبين دينيين متعارضين كانا سائدين في عائلتي، وإنني كنت شاهداً، طوال سنوات طفولتي، على هذه التجاذبات بينهما، شاهداً بل موضع رهان أيضاً: فإذا كنت قد حصَّلت تعليمي في المدرسة الفرنسية التابعة للآباء اليسوعيين، فذلك لأن والدتي المتشبثة بكاثوليكيتها كانت تريد إبعادي عن التأثير البروتستانتي السائد آنذاك في أوساط عائلة والدي التي كان أبناؤها ينتسبون تقليدياً إلى المدارس الأميركية أو الإنكليزية. وبسبب هذه التجـاذبات، أصبحت فرانكوفونياً، وبالتالي، قصدت باريس أثناء الحرب الأهلية، واستقررت فيها بدلاً من نيويورك أو فانكوفر أو لندن، وبدأت أكتب بالفرنسية. هل أستعرض تفاصيل أخرى من هويتي؟ هل أتحدث عن جدتي التركية وزوجها الماروني المصري، أو عن ذلك الجد الذي مات قبل ولادتي وقيل لي إنه كان شاعراً وليبرالي التفكير وربما ماسونياً، وفي مطلق الأحوال، مناهضاً عنيفاً للإكليروس؟ هل أستحضر من بين أسلافي ذلك العم الذي كان أول من نقل موليير إلى العربية واقتبسه إلى خشبة مسرح عثماني عام 1848؟ لا، إنني أكتفي بهذا القدر وأطرح السؤال الآتي: كم من بني جنسي يشاركونني في هذه العناصر المتباينة التي قولبت هويتي ورسمت مساري في خطوطه العريضة؟ قلة قليلة بل ربما لا أحد، وهذا ما أريد تأكيده؛ فأنا أملك، بفضل كل من انتماءاتي، كل منها على حدة، صلة قربى بعدد هائل من بني جنسي، وأتمتع، بفضل المعايير كلها مجتمعةً، بهويتي الخاصة التي لا تتطابق مع أية هوية أخرى. "

Amin Maalouf , الهويات القاتلة

56 " يوجد في كل العصور أناس يعتبرون أن هناك انتماءً واحداً مسيطراً ، يفوق كل الإنتماءات الأخرى وفي كل الظروف إلى درجة أنه يحق لنا أن ندعوه ( هوية ) . هذا الإنتماء هو الوطن بالنسبة لبعضهم أو الدين بالنسبة لبعضهم الآخر ، ولكن يكفي أنْ نجول بنظرنا على
مختلف الصراعات التي تدور حول العالم لننتبه إلى أن أي انتماءٍ ، لا يسود بشكل مطلق .فحين يشعر الناس أنهم مهددون في عقيدتهم يبدو أن الإنتماء الديني هو الذي يختزل هويتهم كلها . لكن لو كانت لغتهم الأم ومجموعتهم الإثنية هي المهددة لقاتلوا بعنف ضد أخوتهم في الدين ، فالأتراك والأكراد كلاهما مسلم ولكنهما يختلفان في اللغة . ألا يدور بينهما صراع دموي ؟ والهوتو كالتوتسي كلاهما كاثوليكي ، ويتكلمان اللغة ذاتها ، هل منهما ذلك من التذابح ؟ وكذلك التشيكيون واليوغسلافيون كاثوليكيون أيضاً ، فهل سهل ذلك العيش المشترك ؟

أسوق كل هذه الأمثلة لأشدد على حقيقة أنه في حال وجود نوع من التراتبية بين العناصر التي تشكل هوية كل فرد ، فهي ليست ثابتة ، بل تتغير مع الزمن وتُغيِّر التصرفات بعمق. "

Amin Maalouf , الهويات القاتلة