Home > Work > السقا مات
1 " أهناك أكثر غفلة من مخلوق يوقن من نهايته ولا يعتبر بها ؟ "
― يوسف السباعي , السقا مات
2 " الإنسان حقير يا صاحبي إلى أقصى حدود الحقارة ، والعجب إنه حقير ومغرور ، وغروره يعمي عينيه عن حقارته. "
3 " كل شيء يحدث على ظهر الأرض يهون بالتعود. "
4 " فما من بشر يحس بحاجة غيره..وما من بشر يحس بالفائض عن حاجته...فهو ابدا في حاجة، وغيره في غير حاجة. "
5 " لا .. لا .. ليست هذه العظام انقاضا كأنقاض الدمن ، إنها قد تكون كذلك .. لو لم يكن في صدورنا فؤاد يخفق وقلب يدق وينبض .. اما وهذه تكمن في حنايانا .. فما أعز البقايا وما أكرم الأنقاض .. انها آثار عزيز غاب ، ودلائل حبيب فقد. "
6 " ولم تكد العربة تصل إلى بابها حتى أمر "شوشة" ابنه بالوقوف في الخارج.ووقف "سيد أمام الباب، وهو يهز رأسه أسفاأهكذا قد حرم عليه الدخول إلى الجنة .. ولما؟ .. من أجل جوافاية لا هنا ولا هناك؟لا . لا . يجب أن يعطيه أبوه فرصة أخرى. هذا ظلموعندما انتهى أبوه من تفريغ القرب في الداخل وخرج يدفع العربة من الباب الكبير .. رفع إليه "سيد" رأسه متسائلا:- لماذا لم تدعني أدخل معك؟- لأنك لا تؤتمن على الدخول.- كيف؟- ألا تدري كيف ؟!-لا ...- لأنك سرقت الجوافة من الشجرة، وأول رأسمال السقا .. هي الأمانة.- ولكن ما فعلته ليست سرقة.- ما هي السرقة إذا؟-هي أن تأخذ ما للمحتاج لغير المحتاج- ما شاء الله .. من قال لك هذا؟-شيء بالعقل.-السرقة هي أن تأخذ ما ليس لك.- من قال هذا؟-ربنا.-لا أظن ربنا يقول هذا!-استغفر-أستغفر الله العظيم.. ولكني مع ذلك أصر على أنه لا يقول هذا.- ماذا يقول إذا؟- أعتقد أن أخذ ما للغير إذا كنا في حاجة إليه أكثر منه لا يعتبر سرقة .. إنها مساعدة لله في توزيع نعمه .. وإقرار عدالته .. فنحن في الواقع لا نأخذ ما للغير، ولكننا نأخذ ما لله الفائض عن حاجة الغير، إنها معاونة لله لا أكثر ولا أقل .. أفيغضب ذلك الله؟- الله ليس في حاجة إلى معاونة أحد .. وهو أدرى بتوزيع ماله على عبيده، ونحن أعجز من أن نحكم على حاجات سوانا .. إن فينا من الأنانية ما يعمينا إلا عن حاجتنا .. فما من بشر يحس بحاجة غيره .. وما من بشر يحس بالفائض عن حاجته .. فهو أبدا في حاجة، وغيره في غير حاجة.- على أية حال لا أظن أهل السراية في حاجة ماسة إلى الجوافاية التي كنت سآكلها.- ولا أنت أيضا في حاجة ماسة إليها، ولكن المسألة أن الله وهبها لهم ولم يهبها لك .. ولكل ما وهبه الله .. وواجبنا في هذه الحياة هو أن نخلص في عملنا، ونتقبل بعين قريرة نتيجة هذا العمل.- وهذا ما كنت أنويه فعلا، لقد أخلصت في الصعود على الشجرة، وأؤكد لك أنه لم يكن بالعمل الهين، بل كان يحتاج إلى جهد كبير، وكنت أنوي قبول الجوافاية .. نتيجة هذا العمل .. بعين قريرة، ولكن لم يحدث قسمة.ولم يستطع الأب العبوس أن يمنع ضحكته وقال لابنه:- نتيجة هذا العمل .. كان يجب أن تكون دق عنقك فهذا ليس عملك الطبيعي، بل هو عمل شرشر خرجت به عن جادة الصواب. "
7 " الموت..الموت..الموتماله يعبث بنا كل هذا العبث؟ماله لا ينفض فيريحنا من عناء الانتظار!!ماله يتركنا حياري ضالين نحس به ولا نراه نوقن من وجوده ولا نوقن من حدوثه ماله يبدو الكشبح أو الوهم "
8 " حقا .. إن الله قدير على كل شيء .. ولكن قدرته تبدو وكأنه قد انحرفت فوضعت في غير موضعها واتجهت اتجاها غير مطلوب وﻻ متوقع ,, أو هو قدير حتى على ما يراه العبد ظلماً وحتى على فعل ما لا يقبله عقل المخلوق ... وما ﻻ يقره منطقه .. وﻻ ما يراه الإنسان حكمة وعدلاً؟ "
9 " وصدق "شحاته" على قوله بهزة من رأسه.. أجل.. معه حق، كله أكل عيش.. لشد ما اختلفت وجهات النظر إلى هذا الميت، ولشد ما تناقض اعتبار الناس لموته.. راّه البعض كارثة، ورآه البعض أكل عيش.. كل شيء في هذه الحياة لا قيمة له في حد ذاته.. أن قيمته في وجهه النظر إليه، هو من إحدى الوجهات نعمة، ومن الأخرى نقمة.. هو من ناحية مأساة، ومن الأخرى فكاهة.وانتهى إنزال الميت، ورصت الحجارة فوق الفتحة، وأغلقت المقبرة، ونظر القوم بعضهم إلى بعض نظرة أسى وحسرة كأنما قد ودعوا شيئا خالدا.ونظر الأفندية بعضهم إلى بعض وكأنهم يقولون: لنا عودة.. أما على الأقدام أو على الأعناق. "
10 " أيها الموت.. أنت تافه.. أنك شيء لا وجود لك.. إنها نهايتنا نحن.. لقد انتقلنا من الوجود إلى العدم.. كنا بالأمس، فأصبحنا اليوم شيئا غير كائن. ما دخلك أنت تقحم نفسك وتخلق لك وجودا وكيانا، وتفرض لنفسك سيطرة وسلطانا، وتكسو نفسك الرهبة والروعة.. وأنت في حد ذاتك.. لا شيء. ما هذه الرهبة التي أحطت بها بقايانا من عظام رميم، إنها مخلفات جامدة.. إنها أنقاض لم تعد لنا بها صلة.. أنها مواد فانية متحللة.. لا فارق بينها وبين أنقاض الدور وبقايا الأثاثات القديمة.. كلها إلى رماد فعلام إذن الرهبة ولم الخشية؟ "
11 " قاتل الله ذلك الساكن في الضلوع، لقد خذله شر خذلان وكان السبب في كل ما حاق به من هزيمة وما أصابه من انهيار. "
12 " ثم لاح النعش.. نعش قد لف في الحرير الأبيض، دلالة على أن صاحبته سيدة شابة.. فلم يكد تقع عليه عينا "شوشة" حتى أصابه ما أصابه عندما طرقت قدمه الجمجمة من أول جولة.. فقد انهار تماما، واندفع في نوبة بكاء عنيف.وكان التأثير المباشر لنوبة البكاء التي أصابته، نوبة ضحك أصابت بقية الزملاء، فقد كانت نظرتهم إليه، وهو مندفع في البكاء نظرة كل محترف متمكن في مهنته إلى مستجد غشيم يبدأ المهنة لأول مرة فيندفع في حماقة، يسببها جهله، وقلة درايته، وضعف احتماله. وقال له "هلال" مهدئا: -كفاية بقي يا سي شوشة.. خلى شوية للجنازة الجايه لسه قدامك مناحات كتير.. أنت بالطريقة دي حاتخلص في جنازتين تلاته.. وبعدين حاتدور أنت على اللي يعيط عليك.. اتقل بقي يا جدع اتقل .. بلاش شغل هبل، كفاية تبص في الأرض وتعمل نفسك زعلان.وقال الشيخ سيد متسائلا:-أنت يا جدع بتعيط على إيه، على الميت، ولا على المشوار اللي حاترقعه؟وأجاب هلال: -الميت.-ميت؟ ليه؟ تعيط عليه ليه؟ جعان، والا عطشان، والا عريان، والا بردان.. والا تعبان.. والا موجوع. ما هو نايم أربعة وعشرين قيراط.. ده هو اللي حقه يعيط علينا. طب على الطلاق بالتلاته يوم ما أرقد الرقدة دي.. ألا بص من الخشبة واطلع لساني للمغفلين اللي بيعيطوا عليه. اّل بيعيط على الميت اّل ... ليه هي الحكاية اتقلبت؟ فيه ماشي بيعيط على راكب؟ فيه محتاج يعيط على اللي مش محتاج؟.. فيه متألم يعيط على اللي ما يتألمش؟ يا ناس اعقلوا. ما تضحكوش علينا الأموات.وبدأت الجنازة في السير واتخذ شوشة مكانه في طابور الأفندية.. ووصلوا إلى المدافن وواروا الميت التراب.. وعاد شوشة مع الجمع إلى المقهى فأبدل ثيابه وقبض الأجر ثم عاد إلى البيت مطرق الرأس، أحمر العينين وارم الأنف.لقد انتهت الجولة الثانية بهزيمة أخرى. "
13 " أبوك السقا ماتيمشي في الجنازاتويوصل الأموات أبوك السقا مات.وفوجئ سيد بأقوال الصبية مفاجأة شديدة. فقدت مست منه موضعا شديد الحساسية، ونكأت فيه أوجع الجروح. لم يأخذ سيد كلام الصبية على أنه لهو ومزاح.. وقول طائش ماجن.. بل انطبعت في ذهنه في لمح البرق صورة أبيه يحمل الصرة، ثم صورته وهو يرتدى الحلة المشؤومة ويسير أمام النعوش ويصاحب الموتى ويجول بين القبور ثم صورته وهو مستلق، كما استلقى شحاته من قبل.. بلا حراك.. ولا أمل في حراك.. بل جثة هالكة مفقودة، لا تلبث حتى توضح في صندوق وتحمل على الأعناق ثم تغيب في باطن الأرض.ومن؟ من الذي يحدث له كل هذا؟أبوه الحنون الطيب الحازم المرهوب القوى.. الذي حطم الرجل الفحل وأطاح به إلى الإسعاف!أبوه !! نموذج الأحياء، بل هو نفسه الحياة، وبغيره لا تكون حياة .. يضيع منه كما تضيع البلية التافهة أو الكرة القديمة. يضيع منه أبدا. يضيع نهائيا. بلا أي أمل في عودة.أبوه نفسه، يغيب في باطن الأرض، ويدفن كالقمامة والديدان! لعنة الله عليهم أجمعين.إنه لا يأبه للشتائم والسخريات والمزح.. بل هو نفسه أطول الصبية لسانا واقذعهم سبابا، ولكن السباب شئء، وهذه الأقوال المروعة شيء آخر. لو أنهم قالوا له "يلعن أبوك" أو حتى "يا ابن الكلب" أو أنهم سخروا منه بأقسى ما يشاءون من الهزء والسخرية، لاستطاع الاحتمال.. فهو قد تعود منهم الشتائم والسخرية، وهو أيضا البادي بالشتيمة والضارب مضروب، والشاتم مشتوم. أما أن يقولوا على أبيه مثل هذا القول المروع، الذي يبدو كأن له صلة كبيرة بالواقع، وأنه محتمل الحدوث.. فهذا ما لم يستطع عليه صبرا. "
14 " أرأيت أحقر من الإنسان أو أشد غرورا؟إياك أن ترهب إنسانا لمظهره ومنصبه.. إياك أن تروع بتلك الألقاب وتلك الثياب.. إنها مهما ضخمت فلن تحوي في طياتها سوى بشر، ومهما ضخم البشر.. فماّله إلى جيفة نتنة.. كهذا الكلب.ليغتر ما شاء له الغرور، وليتكبر وليتعاظم ويتعجرف، ليفعل كل شيء.. كل ما عليك أن تعطيه موعدا أقصاه بعد أعوام.. لتلقاه في مقبرة وانظر كيف يبدو.. اسأله عن ألقابه وعن ثيابه وعن حراسه وعن أمواله وعن سلطانه وعن جبروته وعن قوته ثم انظر بماذا يجيبك. إذا أجابك بأكثر مما يجيبك ذلك الكلب.. فابصق في وجهه.. وفى وجهي. "
15 " إني لأذكرها يوم ذاك وقد هبطت من الطابق العلوى قبيل الشروق وأنا أملأ حوض النافورة، وهي تبتسم في دلال وتسألني أن أسقى شجرة التمر حنة. ولم أكن مسؤولا بالطبع عن سقيا الشجر فقد كان ذلك من عمل البستاني وكان عملي مقصورا على حمل المياه وإفراغها في الحوض ثم ملء الأزيار والصفائح والطشوت وغيرها من خزانات المياه الموجودة بالدار. ولكن لم أستطع حينذاك أن أرفض طلبها لا سيما وأنها أنأتنى أنها قد غرستها بيدها وأنها تخشى أن يهملها البستاني فتموت وهي عزيزة عليها حبيبة إلى نفسها.. وضحكت ووعدتها أن أداوم على سقيها يوما بعد يوم، وأن تجعل مسؤوليتها في عنقي ما دامت تعتز بها كل هذا الاعتزاز.وكنت أعرفها من قبل فقد سبق لي أن رايتها ضمت ثلة الخادمات اللاتي تكتظ بهن السراي، وكنت أستطيع بسهولة تمييزها من بيت عدة الوجوه التي تتوالى على رائحة غادية.ولكنها كانت المرة الأولى أن أبادلها الحديث، وأن تكل إلى بعمل خاص بها وتخاطبني كما يخاطب المرء صديقه وتضع في عنقي شيئا عزيزا أتولى سقياه والسهر على حياته.ومن ذلك الحين بدأت أشعر بشيء يربطني بها ويشدني إليها واعتبرت سقيا شجرتها العزيزة واجبى الأول في الحياة.كنت أراها كل صباح إما في المطبخ حين أصعد لملء الأواني وإما في الحديقة حين تهبط لتقانى أو لتطمئن على شجرتها.وكان كل يوم يمر يجعلني أشعر أننا لسنا غريبين أحدنا عن الآخر، وأنه لا بد أن يكون بيننا سابق عشرة أو قديم معرفة...كانت صبوحة مشرقة الوجه، دائما البسمة، وكان إشراقها سريع الانعكاس في نفسي وبسمتها سريعة التردد بين جوانحي.. فكنت لا أكاد أراها حتى تشرق منى النفس ويضحك القلب وتصفق الروح.ولشد ما سرني أن اسمعها ذات صباح تسألني عن شجرة التمر حنة بقولها "شجرتنا"، فقد أحسست أنه قد بات بيننا شيء مشترك، وأن لنا مصلحة واحدة.. تافهة مهما كانت.. فهي تربط بين أحدنا وصاحبه.وبدأ بيننا دور التعبير عن المشاعر بالهدايا.. أحملها إليها وتحملها إلى خلسة، وبعيدا عن الأعين.. أنا أقتصد من دريهماتى لأبتاع لها منديلا للرأس أو قطعة رخيصة من الحلى.. حلقا أو خاتما أو أسورة، وهي تقتصد من طعامها لتحمل إلى بعضه.. أو تقتصد من مصروفها أو تحتجز من أجرها الذي تعول بها أمها دريهمات لتبتاع لي منديلا أو جوربا.وكمل سقيت الشجرة فترعرعت، سقى الله حبنا فترعرع، وباتت الحياة عندي تنحصر في تلك الهنيهات التي أحمل فيها الماء إلى السراي الكبيرة، والتي ألقى فيها آمنة نتبادل النظرات أو التحيات أو الكلمات. "
16 " إني أود أن أكرمه.. كما أكرم سواه... وأنا لست حزينا.. أنه ليس بأول أب يموت.. ولا كنت بأول يتيم يفقد أباه.. هذه أشياء تحدث كثيرا في الحياة، فيجب ألا ننظر إليها على أنها ماّس قد خصنا بها القدر، يجب أن نعرف أن هذه هي سنة الحياة وطبيعة الأحداث فيها .. يجب ألا نعتبرها مفاجأة.. بل نتقبلها بالصبر.. والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون. يجب أن نصبر ونواصل السير في الحياة لنقوم بواجبنا نحو الخالق والمخلوقات.. حتى يصيبنا قضاء الله. "
17 " أنا خايف أكون زعلتك النهارده، وخايف أكون نزلت من عينك، أنا كنت بعمل اللي أنا عايزاه ماكنش بيهمنى.. كنت بغلط وماحسش إني غلطان لأني ماكنتش بشوف الصح.. ماكنش عندي مستوى مقارنة.. كنت فاكر إني بعمل الشيء الطبيعي، لكن لما شفتك حسيت إني فيه حاجة اسمها الصح.. وحسيت إني اللي بعمله مش صح. لكن اعمل إيه.. بعد ستين سنة عمر، مقدرش أغير نفسي في يوم وليلة.. ومافتكرش إن أنا حاعرف أغير نفسي.. وحتى متهيألى أن لازم يبقى فيه في الدنيا ناس زيي.. عشان اللي زيك يبان.. مش المثل قال "وبضدها تتميز الأشياء" لازم يكون فيه خطايا علشان يكون فيه غفران، ولازم يكون فيه غلط علشان يكون فيه صح، ولازم يكون فيه وحش علشان يكون فيه حلو.. ,وإلا لو كانت كل حاجه كويسه وحلوه وصح، كانت الدنيا تبقي مايعه، مالهاش طعم ولا كان حد عرف الكواسه والحلاوة والصح، اعذرني يا معلم "شوشة" واغفر لي ذنوبي ، لأن لولا ذنوبي ماكنش بان بياض طهرك. "
18 " كل ما على الأرض أبقي من الحي.. وبقايا الحي.. ومخلفات الحي.كم اختال عليها من قبلنا كل مختال فخور.. وكم مشى على ظهرها مرحا كل منتفخ الأوداج مغرور.. وكم تثنت عليها الغيد وتماليت الحور.. فأين ذهب المختال وراح المغرور.. وأين صارت الغيد واّلت الحور!ذهبوا كلهم.. كانوا يملئون الأرض ضجة وحركة.. وكانوا هم الأحياء وغيرهم عدم.. وفي غمضة عين صاروا هم العدم وغيرهم الحياة.كل جامد في الأرض أبقي من الحي.هذه الصخرة الجامدة أبقي على الأرض من هذا الرأس الحي المفكر..هذا الحجر الجامد الصلد أثبت في موضعه من صدر الحسناء المكتنز بالحياة.. الصائر إلى ضمور المنتهى إلى فناء. هذا الينبوع البارد الجارى فى الوهاد أكثر استمرارا فى التدفق من الدماء الحارة الجارية في العروق الصائرة إلى جفاف وجمود.يا للحي التعس المسكين.. حتى قبوره ومخلفاته إلى الزوال مصيرها، وإلى الفناء ماّلها ومنتهاها."صاح هذي قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد" ما أوهى خيط الحياة.. وأضعف مادة الأحياء.حي واحد.. هو الباقي القوى.. هو "الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء. "