Home > Work > التفكير العلمي
1 " صحيح أن العقل مازال يجهل الكثير ومازال عاجزا عن تفسير الكثير ، الا إنه افضل اداه نملكها كي نعرف عالمنا و نسيطر علي مشاكلنا "
― فؤاد زكريا , التفكير العلمي
2 " جموع الناس تبحث عادة عن الأسهل والمريح وتتجمع سويا حول الرأي الواحد مثلما تتلاصق أسراب الطيور لتحمي نفسها من الصقيع، وكلما كان الرأي منتشرا ومألوفا كان في انتشاره نوعا ما من الحماية لصاحبه، إذ يعلم بانه ليس الوحيد المؤمن به بل يشعر بدفء الجموع الكبيرة وهي تشاركه إياه، ويطمئن بأنه يستظل تحت سقف الأغلبية. أما احساس المرء بأنه منفرد برأي جديد وبأنه يطأ أرضا لم تطأها قدم أخرى من قبل يتعين عليه أن يخوض معركة مع الأغلبية كي يحمي فكرته الوليدة، فهذا الاحساس لا يقدر عليه إلا القليلون، وعلي يد هؤلاء حققت البشريه أعظم انجازاتها. "
3 " في حالة "النقد الذاتي" فإن الذهن الواحد هو الذي يضع الرأي الأصلي، وهو نفسه الذي ينبغي أن يتأمل هذا الرأي الأصلي بنظرة ناقدة. ومثل هذا التأمل النقدي يغدو عسيرا في هذه الحالة، والأرجح أن يظل المرء متمسكا بنفس وجهة نظره القديمة، لأن عاداته الفكرية وتكوينه الخاص يؤديان به، غالبا، إلى نفس النتائج التي انتهى إليها من قبل، ولأن من الصعب أن ينسلخ الإنسان تماما عن طريقته السابقة في النظر، ويتأمل موضوعه بأعين جديدة". "
4 " فهناك نوع من اليقين نستطيع أن نطلق عليه اسم "اليقين الذاتي" وهو الشعور الداخلي لدى الفرد بأنه متأكد من شئ ما. هذا النوع من اليقين كثيرا ما يكون مضللاً, إذ أن شعورنا الداخلي قد لا يكون مبنياً على أي أساس سوى ميولنا او اتجاهاتنا الذاتية. وإنا لنلاحظ في تجربتنا العادية أن أكثر الناس " يقيناً " هم عادة أكثرهم جهلاً : فالشخص محدود الثقافة "موقن" بصحة الخبر الذي يقرأه في الجريدة, وبصحة الإشاعه التي سمعها من صديقه وبصحة الخرافة التي كانت تردد له في طفولته, وهو لايقبل أي مناقشة في هذه الموضوعات لأنها في نظره واضحة, يقينية . وكلما ازداد نصيب المرء من العلم تضاءل مجال الامور التي يتحدث فيها " عن يقين " وازداد استخدامه لألفاظ مثل " من المحتمل " و " من المرجح " , و" أغلب الظن " إلخ .. بل إننا نجد بعض العلماء يسرفون في استخدام هذه التعبيرات الأخيره في كتاباتهم إلا حد لا نكاد نجد معه تعبيراً جازماً أو يقيناً واحداً في كل ما يكتبون, إذ ممارستهم الطويلة للعمل العلمي, وإدراكهم أن الحقائق العلمية في تغير مستمر , وأن ماكان بالأمس أمراً مؤكداً قد أصبح أمراً مشكوكا فيه, وقد يصبح غدا أمراً باطلاً كل ذلك يدفعهم إلى الحذر من استخدام اللغة القاطعة التي تعبر عن يقين نهائي . "
5 " من تجربتي الشخصية .. في كل مرة كنت أتحدث فيها عن الحسد أوالسحر بوصفه خرافة كنت ألقى مقاومة شديدة من عدد كبير من طلاب الجامعة وهم فئة مميزة أتيح لها من فرص التعليم ما لم يتح للغالبية الساحقة من أبناء الشعب و كانت القصص التي يوردها هؤلاء الطلاب للتدليل بها على صحة الحسد والسحر نماذج صارخة للتفكير المضاد للعلم أو التفكير الذي لم يسمع عن شيء إسمه علم فإذا كان هذا هو حال الصفوة فماذا يكون حال البسطاء من الناس ؟ وكيف نأمل في بناء مجتمع يساير العصر بعقول تعشش فيها أمثال هذه الخرافات ؟ "
6 " فالحقیقة أصبحت "وظیفة" بمعنی أنها وسیلة لغایه أخری ,ويكاد يختفي من الإعلام الحالي ذلك المبدأ الذي يتمسك بالحقيقة أولاً, مهما كانت النتائج, ويحل محله مبدأ آخر يطبقه الجميع, في النظام الاشتراكي وفي النظام الرأسمالي وفي العالم الثالث . هو أن الحادث الواحد ينبغي أن يُعرض ويفسر وفقاً لمصلحة الوضع القائم, وأن حقيقة الانسان الرأسمالي بطلان في نظر الاشتراكي, والعكس بالعكس "
7 " أننا لا نكفُّ عن الزهو بماضينا العلمي المجيد، ولكنَّنا في حاضرنانُقاوم العلم أشد مقاومة. بل إن الأشخاص الذين يحرصون على تأكيد الدور الرائد الذيقام به العلماء المسلمون في العصرالزاهي للحضارة الإسلامية، هم أنفسهم الذين يحاربونالتفكير العلمي في أيامنا هذه؛ ففي أغلب الأحيان تأتي الدعوة إلى الدفاع عن العناصراللاعقلية في حياتنا، والهجوم على أية محاولة لإقرار أبسط أصول التفكير المنطقي والعلميالمنظَّم، وجعلها أساسًا ثابتًا من أسُس حياتنا؛ تأتي هذه الدعوة من أولئك الأشخاص الذينيَحرصون — في شتى المناسبات — على التفاخُر أمام الغربيين بأن علماء المسلمين سبقوهمإلى كثير من أساليب التفكير والنظريات العِلمية التي لم تعرفها أوروبا إلا في وقت متأخر،وما كان لها أن تتوصل إليها لولا الجهود الرائدة للعلم الإسلامي الذي تأثَّر به الأوروبيونتأثُّرًا لا شك فيه. .وتفسير هذا التناقُض يَكمُن — من وجهة نظري — في أحد أمرَين؛ فمن الجائز أنأي إنهم ؛« من صنعنا نحن » أولئك الذين يفخرون بعلمنا القديم إنما يفعلون ذلك؛ لأنهيُعْرِبون بذلك عن نوع من الاعتزاز القومي، ومن ثم فهم لا يأبهون بالعلم الحديث ما دامومن الجائز أيضًا أن تأكيدهم لأمجاد العرب في ميدان العلم إنما .« من صنع الآخرين »أيٍّا كان ميدانه؛ ومن ثم فإن كل ما يَخرج عن نطاق هذا « بالتراث » يرجع إلى اعتزازهمالتراث يَستحِق الإدانة أو الاستخفاف في نظرهم، وسواء أكان التعليل هو هذا أو ذاك، فإنبل لأنه « علم » الحلم الذي وصلنا إليه في الفترة الزاهية من الحضارة الإسلامية لا يُمجَّد لأنهواحد من تلك العناصرالتي تتيح للعرب أن يعتزُّوا بأنفسهم أو بتراثهم. "
8 " العلم ليس قوة معادية لأي شيء، ولا منافسة لأيشيء، والعالم شخص لا يُهدِّد أحدًا، ولا يسعى إلى السيطرة على أحد، وكل المعارك التيحورب فيها العلم والعلماء كانت معارك أساء فيها الآخرون فهم العلم، ولم يكن العلم ولاأصحابُه هم المسئولون عنها. وأعظم خطأ يَرتكبه المدافعون عن مبدأ معيَّن أو عن ضرب منضروب النشاط الروحي للإنسان، هو أن يَعتقدوا أن العلم مصدر خطر عليهم، ويضعوامبدأهم أو نشاطهم الرُّوحيَّ في خصومة مع العلم. "