Home > Work > التفكير العلمي

التفكير العلمي QUOTES

4 " فهناك نوع من اليقين نستطيع أن نطلق عليه اسم "اليقين الذاتي" وهو الشعور الداخلي لدى الفرد بأنه متأكد من شئ ما. هذا النوع من اليقين كثيرا ما يكون مضللاً, إذ أن شعورنا الداخلي قد لا يكون مبنياً على أي أساس سوى ميولنا او اتجاهاتنا الذاتية. وإنا لنلاحظ في تجربتنا العادية أن أكثر الناس " يقيناً " هم عادة أكثرهم جهلاً : فالشخص محدود الثقافة "موقن" بصحة الخبر الذي يقرأه في الجريدة, وبصحة الإشاعه التي سمعها من صديقه وبصحة الخرافة التي كانت تردد له في طفولته, وهو لايقبل أي مناقشة في هذه الموضوعات لأنها في نظره واضحة, يقينية . وكلما ازداد نصيب المرء من العلم تضاءل مجال الامور التي يتحدث فيها " عن يقين " وازداد استخدامه لألفاظ مثل " من المحتمل " و " من المرجح " , و" أغلب الظن " إلخ .. بل إننا نجد بعض العلماء يسرفون في استخدام هذه التعبيرات الأخيره في كتاباتهم إلا حد لا نكاد نجد معه تعبيراً جازماً أو يقيناً واحداً في كل ما يكتبون, إذ ممارستهم الطويلة للعمل العلمي, وإدراكهم أن الحقائق العلمية في تغير مستمر , وأن ماكان بالأمس أمراً مؤكداً قد أصبح أمراً مشكوكا فيه, وقد يصبح غدا أمراً باطلاً كل ذلك يدفعهم إلى الحذر من استخدام اللغة القاطعة التي تعبر عن يقين نهائي . "

فؤاد زكريا , التفكير العلمي

7 " أننا لا نكفُّ عن الزهو بماضينا العلمي المجيد، ولكنَّنا في حاضرنا
نُقاوم العلم أشد مقاومة. بل إن الأشخاص الذين يحرصون على تأكيد الدور الرائد الذي
قام به العلماء المسلمون في العصرالزاهي للحضارة الإسلامية، هم أنفسهم الذين يحاربون
التفكير العلمي في أيامنا هذه؛ ففي أغلب الأحيان تأتي الدعوة إلى الدفاع عن العناصر
اللاعقلية في حياتنا، والهجوم على أية محاولة لإقرار أبسط أصول التفكير المنطقي والعلمي
المنظَّم، وجعلها أساسًا ثابتًا من أسُس حياتنا؛ تأتي هذه الدعوة من أولئك الأشخاص الذين
يَحرصون — في شتى المناسبات — على التفاخُر أمام الغربيين بأن علماء المسلمين سبقوهم
إلى كثير من أساليب التفكير والنظريات العِلمية التي لم تعرفها أوروبا إلا في وقت متأخر،وما كان لها أن تتوصل إليها لولا الجهود الرائدة للعلم الإسلامي الذي تأثَّر به الأوروبيون
تأثُّرًا لا شك فيه. .
وتفسير هذا التناقُض يَكمُن — من وجهة نظري — في أحد أمرَين؛ فمن الجائز أن
أي إنهم ؛« من صنعنا نحن » أولئك الذين يفخرون بعلمنا القديم إنما يفعلون ذلك؛ لأنه
يُعْرِبون بذلك عن نوع من الاعتزاز القومي، ومن ثم فهم لا يأبهون بالعلم الحديث ما دام
ومن الجائز أيضًا أن تأكيدهم لأمجاد العرب في ميدان العلم إنما .« من صنع الآخرين »
أيٍّا كان ميدانه؛ ومن ثم فإن كل ما يَخرج عن نطاق هذا « بالتراث » يرجع إلى اعتزازهم
التراث يَستحِق الإدانة أو الاستخفاف في نظرهم، وسواء أكان التعليل هو هذا أو ذاك، فإن
بل لأنه « علم » الحلم الذي وصلنا إليه في الفترة الزاهية من الحضارة الإسلامية لا يُمجَّد لأنه
واحد من تلك العناصرالتي تتيح للعرب أن يعتزُّوا بأنفسهم أو بتراثهم. "

فؤاد زكريا , التفكير العلمي