Home > Author > فؤاد زكريا >

" أننا لا نكفُّ عن الزهو بماضينا العلمي المجيد، ولكنَّنا في حاضرنا
نُقاوم العلم أشد مقاومة. بل إن الأشخاص الذين يحرصون على تأكيد الدور الرائد الذي
قام به العلماء المسلمون في العصرالزاهي للحضارة الإسلامية، هم أنفسهم الذين يحاربون
التفكير العلمي في أيامنا هذه؛ ففي أغلب الأحيان تأتي الدعوة إلى الدفاع عن العناصر
اللاعقلية في حياتنا، والهجوم على أية محاولة لإقرار أبسط أصول التفكير المنطقي والعلمي
المنظَّم، وجعلها أساسًا ثابتًا من أسُس حياتنا؛ تأتي هذه الدعوة من أولئك الأشخاص الذين
يَحرصون — في شتى المناسبات — على التفاخُر أمام الغربيين بأن علماء المسلمين سبقوهم
إلى كثير من أساليب التفكير والنظريات العِلمية التي لم تعرفها أوروبا إلا في وقت متأخر،وما كان لها أن تتوصل إليها لولا الجهود الرائدة للعلم الإسلامي الذي تأثَّر به الأوروبيون
تأثُّرًا لا شك فيه. .
وتفسير هذا التناقُض يَكمُن — من وجهة نظري — في أحد أمرَين؛ فمن الجائز أن
أي إنهم ؛« من صنعنا نحن » أولئك الذين يفخرون بعلمنا القديم إنما يفعلون ذلك؛ لأنه
يُعْرِبون بذلك عن نوع من الاعتزاز القومي، ومن ثم فهم لا يأبهون بالعلم الحديث ما دام
ومن الجائز أيضًا أن تأكيدهم لأمجاد العرب في ميدان العلم إنما .« من صنع الآخرين »
أيٍّا كان ميدانه؛ ومن ثم فإن كل ما يَخرج عن نطاق هذا « بالتراث » يرجع إلى اعتزازهم
التراث يَستحِق الإدانة أو الاستخفاف في نظرهم، وسواء أكان التعليل هو هذا أو ذاك، فإن
بل لأنه « علم » الحلم الذي وصلنا إليه في الفترة الزاهية من الحضارة الإسلامية لا يُمجَّد لأنه
واحد من تلك العناصرالتي تتيح للعرب أن يعتزُّوا بأنفسهم أو بتراثهم. "

فؤاد زكريا , التفكير العلمي


Image for Quotes

فؤاد زكريا quote : أننا لا نكفُّ عن الزهو بماضينا العلمي المجيد، ولكنَّنا في حاضرنا<br />نُقاوم العلم أشد مقاومة. بل إن الأشخاص الذين يحرصون على تأكيد الدور الرائد الذي<br />قام به العلماء المسلمون في العصرالزاهي للحضارة الإسلامية، هم أنفسهم الذين يحاربون<br />التفكير العلمي في أيامنا هذه؛ ففي أغلب الأحيان تأتي الدعوة إلى الدفاع عن العناصر<br />اللاعقلية في حياتنا، والهجوم على أية محاولة لإقرار أبسط أصول التفكير المنطقي والعلمي<br />المنظَّم، وجعلها أساسًا ثابتًا من أسُس حياتنا؛ تأتي هذه الدعوة من أولئك الأشخاص الذين<br />يَحرصون — في شتى المناسبات — على التفاخُر أمام الغربيين بأن علماء المسلمين سبقوهم<br />إلى كثير من أساليب التفكير والنظريات العِلمية التي لم تعرفها أوروبا إلا في وقت متأخر،وما كان لها أن تتوصل إليها لولا الجهود الرائدة للعلم الإسلامي الذي تأثَّر به الأوروبيون<br />تأثُّرًا لا شك فيه. .<br />وتفسير هذا التناقُض يَكمُن — من وجهة نظري — في أحد أمرَين؛ فمن الجائز أن<br />أي إنهم ؛« من صنعنا نحن » أولئك الذين يفخرون بعلمنا القديم إنما يفعلون ذلك؛ لأنه<br />يُعْرِبون بذلك عن نوع من الاعتزاز القومي، ومن ثم فهم لا يأبهون بالعلم الحديث ما دام<br />ومن الجائز أيضًا أن تأكيدهم لأمجاد العرب في ميدان العلم إنما .« من صنع الآخرين »<br />أيٍّا كان ميدانه؛ ومن ثم فإن كل ما يَخرج عن نطاق هذا « بالتراث » يرجع إلى اعتزازهم<br />التراث يَستحِق الإدانة أو الاستخفاف في نظرهم، وسواء أكان التعليل هو هذا أو ذاك، فإن<br />بل لأنه « علم » الحلم الذي وصلنا إليه في الفترة الزاهية من الحضارة الإسلامية لا يُمجَّد لأنه<br />واحد من تلك العناصرالتي تتيح للعرب أن يعتزُّوا بأنفسهم أو بتراثهم.