Home > Work > الفتوحات المكية

الفتوحات المكية QUOTES

8 " واعلم أن البهائم وإن كانت مسخرة مذللة من الله للإنسان فلا تغفل عن كونك مسخرا لها بما تقوم به من النظر في مصالحها في سقيها وعلفها وما يصلح لها من تنظيف أماكنها ومباشرة القاذورات والأزبال من أجلها ووقايتها من الحر والبرد المؤذيات لها فهذا وأمثاله من كون الحق سخرك لها وجعل في نفسك الحاجة إليها فإنها التي تحمل أثقالك إلى بلد لم تكن تبلغه إلا بنصف ذاتك وهو شق الأنفس أي ما كنت تصل إليه إلا بالوهم والتخيل لا بالحس إلا بوساطة هذه المراكب فلا فضل لك عليها بالتسخير فإن الله أحوجك إليها أكثر مما أحوجها إليك ألا ترى إلى غضب رسول الله ص حين سئل عن ضالة الإبل كيف قال ما لك ولها معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها فما جعل لها إليك حاجة وجعل فيك الحاجة إليها وجميع البهائم تفر منك ممن لها آلة الفرار وما هذا إلا لاستغنائها عنك وما جبلت عليه من العلم بأنك ضار لها ثم طلبك لها وبذل مجهودك في تحصيل شئ منها دليل على افتقارك إليها فبالله من تكون البهائم أغنى منه كيف يحصل في نفسه أنه أفضل منها صدق القائل ما هلك امرؤ عرف قدره"
الفتوحات المكية ج ٣ ص٤٩٠ "

Ibn Arabi , الفتوحات المكية

14 " [ياأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد]
و هذه طريقة أغفلها أهل طريقنا و رأوا أن الغنى بالله تعالى من أعظم المراتب و حجبهم ذلك عن التحقيق بالتنبيه على الفقر إلى الله الذي هو صفتهم الحقيقية فجعلوها في الغنى بالله بحكم التضمين لمحبتهم في الغنى الذي هو خروج عن صفتهم و الرجل إنما هو من عرف قدره و تحقق بصفته و لم يخرج عن موطنه و أبقى على نفسه خلعة ربه و لقبه و اسمه الذي لقبه به و سماه فقال أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى الله وَ الله هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ فلرعونة النفس و جهالتها أرادت أن تشارك ربها في اسم الغني فرأت أن تتسمى بالغنى بالله و تتصف به حتى ينطلق عليها اسم الغني و تخرج عن اسم الفقير فانظر ما بين الرجلين و ما رأيت أحدا من أهل طريقنا أشار إلى ما ذكرناه أصلا من غوائل النفوس المبطونة فيها إلا الله تعالى فهو الذي نبه عباده عليها و بعد هذا فما سمعوا و تعاموا و كم جهدت أن أرى لأحد في ذلك تنبيها عليه فما وجدت و أسأل من الله تعالى أن لا يجعلنا ممن انفرد بها و أن يشاركنا فيها إخواننا من العارفين "

Ibn Arabi , الفتوحات المكية

16 " قال تعالى في حق السموات و الأرض (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) و كذلك قال (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها ) ،وذلك لما كان عَرْضاً، وأما لو كان أمراً لأطاعوا و حملوها، فإنه لا تُتَصوّر منهم معصية، جُبِلوا على ذلك، والجِنّ الناري والإنس ما جُبلا على ذلك‏، وكذلك مِن الإنس أصحابُ الأفكار من أهل النظر والأدلة المقصورة على الحواس والضرورات و البديهيات يقولون: لا بد أن يكون المكَلَّف عاقلاً، بحيث يَفهم ما يُخاطَب به.
وصَدَقوا ،وكذلك هو الأمرُ عندنا، العالَمُ كُلُّه عاقلٌ حيٌ ناطقٌ من جهة الكشف بخرق العادة التي الناس عليها، أعني حصول العلم بهذا عندنا، غير أنّهم قالوا هذا جمادٌ لا يعقِل ، ووقفوا عند ما أعطاهم بصرُهم، و الأمر عندنا بخلاف ذلك ، فإذا جاء عن نبيٍّ أنَّ حَجَراً كلّمَهُ، أو كتف شاةٍ، أو جذع نخلة، أو بهيمة، يقولون: خلقَ اللهُ فيه الحياةَ والعلمَ في ذلك الوقت.
و الأمر عندنا ليس كذلك، بل سرُّ الحياة في جميع العالَم، وأنَّ كلَّ من يسمع المؤذِّنَ من رطِبٍ و يابسٍ يَشهَدُ له ، و لا يشهد إلا من عَلِمَ، هذا عن كشفٍ عندنا، لا عن استنباط من نظر بما يقتضيه ظاهر خبر، ولا غير ذلك، و من أراد أن يقف عليه فليسلك طريق الرجال، و ليلزم الخَلوة و الذّكرَ، فإن الله سيُطلعُهُ على هذا كله عينا ، فيعلم إن الناس في عماية عن إدراك هذه الحقائق‏ "

Ibn Arabi , الفتوحات المكية

20 " و على هذا جرى أهل البدع و الأهواء فإن الشياطين ألقت إليهم أصلا صحيحا لا يشكون فيه ثم طرأت عليهم التلبيسات من عدم الفهم حتى ضلوا فينسب ذلك إلى الشيطان بحكم الأصل و لو علموا إن الشيطان في تلك المسائل تلميذ له يتعلم منه و أكثر ما ظهر ذلك في الشيعة و لا سيما في الإمامية منهم فدخلت عليهم شياطين الجن أولا بحب أهل البيت و استفراغ الحب فيهم و رأوا أن ذلك من أسنى القربات إلى اللّٰه و كذلك هو لو وقفوا و لا يزيدون عليه إلا أنهم تعدوا من حب أهل البيت إلى طريقين منهم من تعدى إلى بغض الصحابة و سبهم حيث لم يقدموهم و تخيلوا أن أهل البيت أولى بهذه المناصب الدنيوية فكان منهم ما قد عرف و استفاض و طائفة زادت إلى سب الصحابة القدح في رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و في جبريل عليه السلام و في اللّٰه جل جلاله حيث لم ينصوا على رتبتهم و تقديمهم في الخلافة للناس حتى أنشد بعضهم "ما كان من بعث الأمين أمينا" و هذا كله واقع من أصل صحيح و هو حب أهل البيت أنتج في نظرهم فاسدا فضلوا و أضلوا فانظر ما أدى إليه الغلو في الدين أخرجهم عن الحد فانعكس أمرهم إلى الضد قال تعالى "يٰا أَهْلَ الْكِتٰابِ لاٰ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَ لاٰ تَتَّبِعُوا أَهْوٰاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً وَ ضَلُّوا عَنْ سَوٰاءِ السَّبِيلِ

باب 55 "

Ibn Arabi , الفتوحات المكية