42
" تبدأ إنجازات المستقبل في عقل وقلب البشر, لأن الأسلحة كل الأسلحة, أيا كان نوعها, حربية, بوليسية, اقتاصادية بيرقاراطية أو أيديولوجية, تستعمل من خلال البشر. وعندما يحطم شيء في رأس وقلب البشر, تسقط الأسلحة, حتى الأكثر تعقيدا من أياديهم.
لهذا يخطئ العسكرويون والسياسيون دائما, وهم الذين يقيسون القوة فقط بالقدرة على إطلاق النار.
يحدث في بعض الأحيان أن تنتصر أضعف الجيوش, مثلما حدث في فيتنام والجزائر, أو حتى أن يستطيع شعب أعزل تجريد قوة عسكرية من سلاحها, مثلما حدث لشاه إيران. هذا يثير إضطرابهم: فالإيمان لا يدخل في حسابات الكومبيوتر. "
― , حفارو القبور: الحضارة التي تحفر للإنسانية قبرها
44
" المستقبل ليس "ما سيكون", لكن ما سنصنعه. التاريخ لم يكن أبدا محتوما, لأن الإنسان ليس جمادا, ولا حيوانا. إنه ليس أسير إحدى الغرائز ولا عبدا لقدر, ولا الطفل المدلل للعناية الإلهية, ولا دمية متحركة لأي حتمية.
يصنع الإنسان تاريخه الخاص, ما يفرق الإنسان عن كل الكائنات الأخرى للطبيعة, هو أنه يبتكر مشروعات وإنه يصنع المستقبل.
عندما نقرأ الماضي , فإننا على الأرجح نقرأ ما كتبه المنتصر. المنتصرون هم الذين كتبوا التاريخ: من أجل تبرير انتصارهم, لا بد أن يُظهروا أنه كان الحل الوحيد للمشكلات المطروحة. لكن ما زال أمامنا مجال الممكن في المستقبل مفتوحا. "
― , حفارو القبور: الحضارة التي تحفر للإنسانية قبرها
52
" برر الغرب تسلطه على العالم, ونهبه لثرواته, وقمعه لحرياته باختلاقات كثيرة, منها ما كان باسم رسالته في قيادة العالم, ومسئوليته في نشر الحضارة, بل وفي بعض الأحيان نشر المسيحية ! .. تحت مثل تلك الشعارات, نهب الغرب العالم وأباد بعض حضاراته بمعظم أفرادها! هكذا وصف جول فيري النظام الاستعماري وبرهن عليه.
تولّد من هذا التطرف الأول للنظام الاستعماري الغربي, كل أنواع التطرف الأخرى في العالم, والتي تشكل ردود أفعال متوقعة للدفاع عن الهوية الشخصية, الثقافية أو الدينية, للشعوب المُستعبدة.
أفسد الحلم الخادع بالعودة إلى الماضي ردود الفعل, كأنه العصر الذهبي-السابق للغزو الغربي- للحفاظ على الهوية. وكأنه ليس هناك خيار سوى بين محاكاة الغرب في انحطاطه, أو الجمود على أشكال الماضي التي لا تناسب المستقبل. "
― , حفارو القبور: الحضارة التي تحفر للإنسانية قبرها
54
" الولايات المتحدة الأميركية, هي شركة للإنتاج يجمعها بصفة أساسية هدف واحد: الربح والمال. تعتبر كل هوية شخصية, ثقافية, فكرية أو دينية, شيئا خاصا, فرديا للغاية, لا يتداخل مع سير النظام.
انطلاقا من مثل هذا البناء الاجتماعي, الايمان, كمعنى للحياة, لا يمكن أن يعيش إلا داخل بعض الجماعات التي احتفظت بهوية ثقافتها القديمة, او عند بعض الأفراد الأبطال.
هذه الغالبية العظمى من هذا الشعب, مات الرب وهم لا يعلمون, لأن الإنسان استغنى عن أبعاده الربانية: السمو والبحث عن المعنى. الساحة إذا خالية من أجل تكاثر الطوائف والخرافات بكل أنواعها, وتظهر الدولة تسامحا خاصا إزاء كل ذلك. "
― , حفارو القبور: الحضارة التي تحفر للإنسانية قبرها
55
" كان هذا التساؤل حول الأهداف النهائية منذ بداية الإنسانية هو من عمل الأديان, التي جاءت لتلبي حاجة أساسية للبشر. ليس للحيوانات الموجهة بغرائزها الثابتة أن تطرح مشكلة النهايات والمعاني. ولد مع الإنسان الشك حول المستقبل, معنى الحياة, الموت, وما بعد الموت.
إذا كان هذا التساؤل حول النهايات هو خاصية الأديان, فلماذا لم تستطع الأديان الكبرى الحالية, خصوصا تلك الأكثر إنتشارا في الغرب المسيطر, المسيحية, وبصفة خاصة الكاثوليكية, أن تطرح هذه الأسئلة وتساعد على الإجابة عنها؟
لأنها متصلة بثقافة وحيدة, حرفتها وأفسدتها. التصور المنغلق على فكر أرسطو, ثم التصور المنغلق للإله العلي القدير في الكتاب المقدس, ثم التصور المنغلق للنهضة-الذي أفسد حتى معنى الإنسان- التصور الذي قُبل في صمت فترة طويلة, لكنه أُدمج أخيرا, في "الحداثة", بمعنى أولية العلوم والتقنيات من أجل معايرة الحضارات الأخرى, وتلك هي الإسهامات "المسيحية" في "أخطاء التوجه" للغرب الذي أصبحت تنتسب إليه.
لم تستطع المسيحية إذن أن تُعيد تشكيل الحضارة الغربية التي تعتبر نفسها كـ "نموذج الحداثة". "
― , حفارو القبور: الحضارة التي تحفر للإنسانية قبرها