Home > Author > أبو الحسن علي الندوي

أبو الحسن علي الندوي QUOTES

41 " محمداً صلى الله عليه وسلم لم يبعث لينسخ باطلاً بباطل ويبدل عدواناً بعدوان ، ويحرم شيئاً في مكان ويحله في مكان آخر ، ويبدل أثرة أمة بأثرة أمة أخرى ، لم يبعث زعيماً وطنياً أو قائداً سياسياً ، يجر النار إلى قرصه ويصغي الإناء إلى شقه ، ويخرج الناس من حكم الفرس والرومان إلى حكم عدنان وقحطان . وإنما أرسل إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، إنما أرسل ليخرج عباد الله جميعاً من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ويخرج الناس جميعاً من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، ويحل لهم الطيبات ، ويحرم عليهم الخبائث ، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم .
فلم يكن خطابه لأمة دون أمة ووطن دون وطن ، ولكن كان خطابه للنفس البشرية وللضمير الإنساني ، وكانت أمته العربية لانحطاطها وبؤسها أحق من يبدأ به مهمته الإصلاحية وجهاده العظيم ، وكانت أم القرى والجزيرة العربية لموقعها الجغرافي واستقلالها السياسي خير مركز لرسالته ، وكانت الأمة العربية بخصائصها النفسية ومزاياها الأدبية خير محل لدعوته وخير داعية لرسالته . "

أبو الحسن علي الندوي , ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

45 " وبقوله: «من محمّد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط» بخلاف ما جاء في كتابه صلى الله عليه وسلم إلى كسرى أبرويز، فاكتفى بقوله: «من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس» .
وجاءت كذلك آية: ( يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ )[آل عمران: 64] ، في هذين الكتابين، وما جاءت في كتابه إلى كسرى أبرويز لأنّ الآية تخاطب أهل الكتاب الذين دانوا بألوهية المسيح، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم، وقد كان هرقل إمبراطور الدولة البيزنطيّة والمقوقس حاكم مصر قائدين سياسيّين، وزعيمين دينيّين كبيرين للعالم المسيحيّ، مع اختلاف يسير في الاعتقاد في المسيح هل له طبيعة أم طبيعتان» «1» .
ولمّا كان كسرى أبرويز وقومه يعبدون الشّمس والنّار، ويدينون بوجود إلهين، أحدهما يمثّل الخير وهو يزدان، والثاني يمثّل الشرّ وهو أهرمن، وكانوا بعيدين عن مفهوم النبوّة والتصوّر الصحيح للرسالة السماوية، جاءت في الكتاب الذي وجّه إلى الإمبراطور الإيرانيّ عبارة: (وإنّي رسول الله إلى الناس كافّة لينذر من كان حيّا) . "

أبو الحسن علي الندوي

46 " الرسول صلى الله عليه وسلم غذِّي أرواح الصحابة بالقرآن وربي نفوسهم بالإيمان وأخضعهم أمام رب العالمين خمس مرات في اليوم عن طهارة بدن وخشوع قلب وخضوع جسم وحضور عقل ، فازدادو كل يوم سمو روح ونقاء قلب ونظافة خلق وتحرراً من سلطان الماديات ومقاومة للشهوات ونزوعاً إلى رب الأرض والسموات ، وأخذهم بالصبر على الأذى والصفح الجميل وقهر النفس ، لقد رضعوا حب الحرب وكأنهم ولدوا مع السيف ، وهم من أمة ، من أيامها حرب بسوس وداحس والغبراء ، وما يوم الفجار ببعيد . ولكن الرسول يقهر طبيعتهم الحربية ويكبح نخوتهم العربية ، ويقول لهم : { كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ } فانقهروا لأمره وكفوا أيديهم ، وتحملوا من قريش ما تسيل منه النفوس في غير جبن وفي غير عجز ، ولم يسجل التاريخ حادثة دافع فيها مسلم في مكة عن نفسه بالسيف مع كثرة الدواعي الطبيعية إلى ذلك وقوتها ، وذلك غاية ما روي في التاريخ من الطاعة والخضوع ، حتى إذا تعدت قريش في الطغيان وبلغ السيل الزبى أذن الله لرسوله ولأصحابه بالهجرة : وهاجروا إلى يثرب وقد سبقهم إليها الإسلام . "

أبو الحسن علي الندوي , ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

47 " • : أصبح الصحابةُ في حظيرة الإيمان والعبودية لا يخرجون منها ، واعترفوا لله بالملك والسلطان والأمر والنهي ، ولأنفسهم بالرعوية والعبودية والطاعة المطلقة ، وأعطوا من أنفسهم المقادة واستسلموا للحكم الإلهي استسلاماً كاملاً ووضعوا أوزارهم ، وتنازلوا عن أهوائهم وأنانيتهم ، وأصبحوا عبيداً لا يملكون مالاً ولا نفساً ولا تصرفاً في الحياة إلا ما يرضاه الله ويسمح به ، لا يحاربون ولا يصالحون إلا بإذن الله ولا يرضون ولا يسخطون ولا يعطون ولا يمنعون ولا يصلون ولا يقطعون إلا بإذنه ووفق أمره . ولما كان القوم يحسنون اللغة التي نزل بها القرآن وتكلم بها الرسول صلى الله عليه وسلم وعرفوا الجاهلية ونشأوا عليها ، وعرفوا معنى الإسلام معرفة صحيحة ، وعرفوا أنه خروج من حياة إلى حياة ، ومن مملكة إلى مملكة ، ومن حكم إلى حكم ، أو من فوضوية إلى سلطة ، أو من حرب إلى استسلام وخضوع ، ومن الأنانية إلى العبودية ، وإذا دخلوا في الإسلام فلا افتيات في الرأي ولا نزاع مع القانون الإلهي ولا خيرة بعد الأمر ولا مشاقة للرسول ولا تحاكم إلى غير الله ولا إصدار عن الرأي ، ولا تمسك بتقاليد وعادات ولا ائتمار بالنفس ، فكانوا إذا أسلموا انتقلوا من الحياة الجاهلية بخصائصها وعاداتها وتقاليدها إلى الإسلام بخصائصه وعاداته وأوضاعه ، وكان هذا الانقلاب العظيم يحدث على أثر قبول الإسلام من غير تأن . "

أبو الحسن علي الندوي , ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

48 " بالإيمان الواسع العميق والتعليم النبوي المتقن، وبفضل هذا الكتاب السماوي المعجز الذي لا تنقضي عجائبه ولا تخلق جدته، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإنسانية المحتضرة حياة جديدة, عمد إلى الذخائر البشرية وهي أكداس من المواد الخام لا يعرف أحد غناءها الأرض فأوجد فيها بإذن الله الإيمان والعقيدة وبعث فيها الروح الجديدة ، وأثار من دفائنها وأشعل مواهبها ، ثم وضع كل واحد في محله فكأنما خلق له ، وكأنما كان المكان شاغراً لم يزل ينتظره ويتطلع إليه : {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ
• أصبح عمر الذي كان يرعى الإبل لأبيه الخطاب وينهره وكان من أوساط قريش جلادة وصرامة ، ولا يتبوأ منها المكانة العليا ، ولا يحسب له أقرانه حساباً كبيراً ، إذا به يفجأ العالم بعبقريته وعصاميته ، ويدحر كسرى وقيصر عن عروشهما ويؤسس دولة إسلامية تجمع بين ممتلكاتهما وتفوقهما في الإدارة وحسن النظام فضلاً عن الورع والتقوى والعدل الذي لا يزال فيه المثل السائر .
•وهذا ابن الوليد كان أحد فرسان قريش الشبان انحصرت كفاءته الحربية في نطاق محلِّيٍ ضيق يستعين به رؤساء قريش في المعارك القبلية فينال ثقتهم وثناءهم ، ولم يحرز الشهرة الفائقة في نواحي الجزيرة ، إذ به يلمع سيفاً إلهياً لا يقوم له شيء إلا حصده ، وينزل كصاعقة على الروم والفرس ويترك ذكراً خالداً في التاريخ .
•وهذا أبو عبيدة كان موصوفاً بالصلاح والأمانة والرفق ويقود سرايا المسلمين إذا به يتولى القيادة العظمى للمسلمين ويطرد هرقل من ربوع الشام ومروجها الخضراء ويلقي عليها الوداع ويقول : سلام على سورية سلاماً لا لقاء بعده .
•وهذا عمرو بن العاص كان يُعد من عقلاء قريش وترسله في سفارتها إلى الحبشة تسترد المهاجرين المسلمين فيرجع خائباً إذا به يفتح مصر وتصير له صولة عظيمة .
•وهذا سعد بن أبي وقاص لم نسمع به في التاريخ العربي قبل الإسلام كقائد جيش ورئيس كتيبة ، إذا به يتقلد مفاتيح المدائن ، وينيط باسمه فتح العراق وإيران .
•وهذا سلمان الفارسي كان ابن موبذان في إحدى قرى فارس لم يزل يتنقل من رق إلى رق ومن قسوة إلى قسوة إذا به يطلع على أمته كحاكم لعاصمة الإمبراطورية الفارسية التي كان بالأمس أحد رعاياها ، وأعجب من ذلك أن هذه الوظيفة لا تغير من زهادته وتقشفه فيراه الناس يسكن في كوخ ويحمل على رأسه الأثقال .
•وهذا بلال الحبشي يبلغ من فضله وصلاحه مبلغاً يلقبه فيه أمير المؤمنين عمر بالسيد .
•وهذا سالم مولى أبي حذيفة يرى فيه عمر موضعاً للخلافة يقول : لو كان حياً لاستخلفته .
•وهذا زيد بن حارثة يقود جيش المسلمين إلى مؤتة وفيه مثل جعفر بن أبي طالب وخالد بن الوليد ، ويقود ابنه أسامة جيشاً فيه مثل أبي بكر وعمر .
•وهذا أبو ذر والمقداد وأبو الدرداء وعمار بن ياسر ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب ، تهب عليهم نفحة من نفحات الإسلام فيصبحون من الزُّهاد المعدودين والعلماء الراسخين .
•وهذا علي بن أبي طالب وعائشة وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وعبد الله بن عباس قد أصبحوا في أحضان النبي الأمي صلى الله عليه وسلم من علماء العالم يتفجر العلم من جوانبهم وتنطق الحكمة على لسانهم ، أبّر الناس قلوباً وأعمقهم علماً وأقلهم تكلفاً ، يتكلمون فينصت الزمن ويخطبون فيسجل قلم التاريخ "

أبو الحسن علي الندوي , ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

49 " إن هذا الرعيل من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم كان خليقاً بأن يسعد النوع الإنساني في ظله وتحت حكمه ،وأن يسير بقيادته سديد الخطى رشيد الغاية مستقيم السير ، وأن يعمر ويطمئن العالم في دوره وتخصب الأرض وتأخذ زخرفها ، فإنهم كانوا خير القائمين على مصالحها حارسين لها، ولا ينظرون إلى هذه الحياة كقفص من حديد أو غُلٍّ في عنق فيعادونه ويكسرونه، ولا ينظرون إليها كفرصه من لهو ونعيم ومتعة لا تعود أبداً فينتهزونها و يهتبلونها، ولا يضيعون منها ساعة ولا يدخرون من طيباتها ، وكذلك لا يعدونها عذاباً وعقوبة بجريمة فيتخلصون منها ولا ينظرون إلى الدنيا كمائدة ممدودة فيتهالكون عليها ، إلى ما في الأرض من نعماء وخزائن وخيرات كأنها مال سائب يتقاتلون عليه ، وإلى الأمم الضعيفة كفريسة يتسابقون في اقتناصها ، بل يعدون هذه الحياة نعمة من الله هي أصل كل خير وسبب كل بر ، يتقربون فيها إلى الله ويصلون إلى كمالهم الإنساني الذي قدر لهم ، وفرصة من عمل وجهاد لا فرصة بعدها : {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً }.. "

أبو الحسن علي الندوي , ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

50 " • الإسلام لا يسمح بالنظرية المادية القائلة (( إن مملكتي ليست إلا هذا العالم)) ولا بالنظرية المسيحية التي تزدري الحياة وتقول (( ليس هذا العالم مملكتي )) وطريق الإسلام طريق وسط بينهما ، القرآن يرشدنا أن ندعو: { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً } فالتقدير لهذا العالم وأشيائه ليس حجر عثرة في سبيل جهودنا الروحية الخصبة ، والرقي المادي مرغوب فيه مع أنه ليس غاية في نفسه . إن غاية جهودنا ينبغي أن تكون إيجاد أحوال وظروف شخصية واجتماعية – والمحافظة عليها إن وجدت – تساعد في ارتقاء القوة الخلقية في الإنسان ، مطابقة لهذا المبدأ . الإسلام يهدي الناس إلى الشعور بالمسئولية الخلقية في كل عمل يعمله كبيراً كان أو صغيراً إن نظام الإسلام الديني لا يسمح أبداً بمثل ما أمر به الإنجيل قائلاً " أعطوا ما لقيصر لقيصر وأعطوا ما لله لله " ، لأن الإسلام لا يسمح بتقسيم حاجات حياتنا إلى خلقية وعملية ، ليس هناك إلا خيرة فقط ، خيرة بين الحق والباطل ، وليس شيء وسطاً بينهما ، لذلك هو يلح على العمل لأنه جزء لازم للأخلاق لا غنى عنه . "

أبو الحسن علي الندوي , ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

51 " الإسلام دين سائغ معقول كله حكمة وبداهة إزاء أوهام وخرافات وأساطير ، وشرع إلهي ووحي سماوي إزاء أقيسة وتجارب إنسانية وتشريع بشري ، ومدنية فاضلة قوية البنيان محكمة الأساس ، يسود فيها روح التقوى والعفاف والأمانة ، وتقدر فيها الأخلاق الفاضلة فوق المال والجاه ، والروح فوق المظاهر الجوفاء ، يتساوى الناس فلا يتفاضلون إلا بالتقوى ، ويهتم الناس بالآخرة فتصبح النفوس مطمئنة والقلوب خاشعة ، ويقل التنافس في أسباب هذه الحياة والتكالب على حطام الدنيا ، ويقل التباغض والتشاحن ، كل ذلك إزاء مدنية صاخبة مضطربة متناحرة متداعية البنيان متزلزلة الأركان ، يظلم الكبير فيها الصغير، ويأكل القوي فيها الضعيف ، ويتسابقون في اللهو والفجور ، يتنافسون ف الجاه والأموال وأسباب الترف والنعيم ، حتى تصبح الدنيا كلها حرباً في حرب وتصبح المدنية جحيماً على أهلها ، {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } حكومة عادلة تساوي بين رعيتها وتأخذ للضعيف من القوي ، وتحرس للناس أخلاقهم كما تحرس لهم بيوتهم وأموالهم ، وتحفظ عليهم دماءهم وأعراضهم ، خيارهم أمراؤهم ، وأزهدهم في العيش أملكهم لأسبابه وأقدرهم عليه ، إزاء حكومة عم فيها الجور والعسف ، وتواضع رجالها على الخيانة والظلم ، وتسابق أهلها في أكل أموال الناس وهتك أعراضهم وسفك دمائهم ، وتفسد على الناس أخلاقهم بما تضرب لهم مثلاً بأخلاقها ، شرارهم أُمراؤهم وملوكهم ، تشبع دوابهم وكلابهم وتجوع رعيتهم ، وتكسى بيوتهم ويعرى الناس "

أبو الحسن علي الندوي , ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

52 " إن الزعامة الإسلامية تقتضي صفات دقيقة ، واسعة جداً نستطيع أن نجمعها في كلمتين "الجهاد " و "الاجتهاد" , فالجهاد هو بذل الوسع وغاية الجهد لنيل أكبر مطلوب ، وأكبر وطر للمسلم طاعة الله ورضوانه والخضوع لحكمه والإسلام لأوامره ، وذلك يحتاج إلى جهاد طويل شاق ضد كل ما يزاحم ذلك من عقيدة وتربية وأخلاق وأغراض وهوى وكل من ينافس في حكم الله وعبادته من آلهة في الأنفس والآفاق ، فإذا حصل ذلك للمسلم وجب عليه أن يجاهد لتنفيذ حكم الله وأوامره في العالم حوله وعلى بني جنسه ، فريضة من الله وشفقة على خلق الله.
ومن مقتضيات هذا الجهاد أن يكون الإنسان عارفاً بالإسلام الذي يجاهد لأجله وبالكفر والجاهلية التي يجاهد ضدها ، يعرف الإسلام معرفة صحيحة ويعرف الكفر والجاهلية معرفة دقيقة ، فلا تخدعه المظاهر ولا تغره الألوان ولا تعزه الألوان ، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إنما ينقض الإسلام عروة عروة من نشأ في الإسلام ولم يعرف الجاهلية . ولا يجب على كل مسلم أن تكون معرفته دقيقة بالكفر والجاهلية ومظاهرهما وأشكالهما وألوانهما . ولكن على من يتزعم الإسلام ويتولى قيادة الجيش الإسلامي ضد الكفر والجاهلية ، أن تكون معرفته بالكفر والجاهلية فوق معرفة عامة المسلمين وأوساطهم .
أما الاجتهاد يكون من يرأس المسلمين قادراً على القضاء الصحيح في النوازل الحوادث التي تعرض في حياة المسلمين وفي العالم وفي الأمم التي يحكمها ، وفي المسائل التي تفاجئ وتتجدد ، والتي لا يستقصيها فقه مدون ومذهب مأثور وفتاوى مؤلفة ، ويكون عنده من معرفة روح الإسلام وفهم أسرار الشريعة والاطلاع على أصول التشريع وقوة الاستنباط – انفراداً أو اجتماعاً- ما يحل به هذه المشاكل ويرشد الأمة في الغمة . ويكون عنده من الذكاء والنشاط والجد والعلم ما يستخدم به ما خلق الله في هذا الكون من قوى طبيعية ، وما بث في الأرض وتحت الأرض من خيرات ومنابع ثروة وقوة ، وأن يسخرها لمصلحة الإسلام بدل أن يستخدمها أهل الباطل لأهوائهم ، ويتخذوها وسيلة للعلو في الأرض ، ويسخرها الشيطان لتحقيق أغراضه والإفساد في الأرض . "

أبو الحسن علي الندوي , ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

55 " الوطنية فهي من لوازم الطبيعة الأوربية ، وهي أظهر وأقوى في أوربا منها في آسيا ، وقد أغرى بذلك الطبيعة الجغرافية وأوحته ، لأن المناطق الطبيعية في آسيا واسعة جداً وتشمل على مناخات وعلى أجيال وأنواع كثيرة للبشر ، وهي غنية مخصبة في وسائل المعيشة، أما في أوربا فالتنازع على البقاء فيها شديد ، والكفاح للحياة دائم مستمر ، لتزاحم العمران وضيق المناطق وقلة وسائل المعيشة ، وقد حصرت الجبال والأنهار الأجناس الأوربية ، في نطاق طبعي دائم ، وبالأخص الجزء الأوسط الغربي والجزء الجنوبي من أوربا ، لا يسمح لممالك واسعة عظيمة ، وقد شاءت طبيعة هذه القارة أن تكون منشأ لممالك ضيقة صغيرة ، لذلك كان التصور السياسي في أوربا في القديم لا يكاد يجاوز ممالك بلدية لا تزيد منطقتها على أميال مستقلة استقلالاً تاماً ، وأكبر مظهر لهذا التصور أرض يونان حيث وجدت من فجر التاريخ عشرات من مدن صغيرة مستقلة . "

أبو الحسن علي الندوي , ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

57 " • إن الرجل العادي في أوربا ، ديمقراطياً كان أو فاشياً ، رأسمالياً كان أو اشتراكياً ، عاملاً باليد أو رجلاً فكرياً ، إنما يعرف ديناً واحداً ، وهو عبادة الرقي المادي والاعتقاد بأنه لا غاية في الحياة غير أن يجعلها الإنسان أسهل ، وبالتعبير الدارج (( حرة مطلقة )) من قيود الطبيعة ، أما كنائس هذا (( الدين )) فهي المصانع الضخمة ودور السينما والمختبرات الكيماوية ودور الرقص ومراكز توليد الكهرباء ، وأما كهنتها فهم رؤساء الصيارف والمهندسون والممثلات وكواكب السينما وأقطاب التجارة والصناعة والطيارون والمبرزون الذين يضربون رقماً قياسياً ، ونتيجة هذه النهامة للقوة ، والشره للذة ، النتيجة اللازمة ظهور طوائف متنافسة مدججة بالسلاح ، والاستعدادات الحربية ، مستعدة لإبادة بعضها بعضاً إذا تصادمت أهواؤها ومصالحها ، أما في جانب الحضارة فنتيجتها ظهور طراز للإنسان يعتقد الفضيلة في الفائدة العملية ، والمثل الكامل عنده والفارق بين الخير والشر هو النجاح المادي لا غير. "

أبو الحسن علي الندوي , ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

58 " الدين القومي يشتمل على شيئين : إيجابي وسلبي ، أما الإيجابي فهو الاعتقاد بأن الشعب أو الأمة فوق كل شيء ، وأفضل من كل شيء ، وأن الله – إذا كانت الأمة تعترف به وتعتقد أو ترى أن من المصلحة أن تستعمل هذه الكلمة – لم يخلق أفضل من هذه الأمة ، ولا أنجب منها ، ولا أذكى ولا أقوى ولا أحق بالحكم والسيادة والولاية على الأمم ، والرعاية للعالم منها ، وأنها أمينة ووكيله ووصيه في الأرض ، ولم يخلق بلاداً أحب إليه من هذه البلاد ، ولا تربة أذكى من تربتها ، وهذا هو الدين القومي الذي لا يسمح لإنسان أن يعيش في بلاده حتى يؤمن به . لا يمكن لشعب أن يؤمن بالقومية ، ثم لا يعتدي ولا يتطاول أو لا يريد أن يعتدي ويتطاول ولا يمقت الآخرين ، ولا يزدريهم ، كما لا يمكن أن يسرف الإنسان في الخمر ، ثم لا يسكر ولا يهذي كما قال الشاعر : ألقاه في البحر مكتوفاً وقال له *** إياك إياك أن تبتل بالماء
ومن مقومات هذه الحياة القومية التي لا تقوم بغيرها ، الكراهة والخوف ، وذلك هو الجزء السلبي في دين القومية ، فإن الحماسة القومية لا تظهر ولا تبقى حتى يكون للشعب ما يكرهه ويخافه ، فلا يزال القائدون يثيرون الكامن من عواطفه ، ويذكرون الخامد من حميته ويضربون على الوتر الحساس وهو الكراهة والخوف ، فلولاهما لانقشعت سحابة القومية وتراجع سيلها . "

أبو الحسن علي الندوي , ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

59 " • روي أن عمر بن عبد العزيز خليفة المسلمين قال لعامله مرة : ((ويحك إن محمداً صلى الله عليه وسلم بُعِث هادياً ولم يُبْعَثْ جابياً )) هذه الجملة تعرب عن روح الحكومة الدينية التي تتأسس على منهاج النبوة ، وتسير على آثار الأنبياء وخطتها وسياستها ، فتكون عنايتها واهتمامها بالدين وبإصلاح أخلاق المحكومين وبما يعود عليهم بالنفع والضرر في الآخرة أكثر من اهتمامها بالجباية والخراج وأنواع المحاصيل والإيراد ،وتنظر في جميع مسائل السياسة والمالية من الوجهة الدينية وتقدم المبادئ الدينية والخلقية على المنافع والمصالح المادية ،فتمنع الخمر وتحرم الزنا وأنواع الخلاعة والفجور والعقود المالية الفاسدة النافعة للأفراد المضرة بالمجتمع ، فتحظر الربا والقمار وإن كان ذلك يرجع على الحكومة بالخسارة المادية الفادحة ،وتشرع مشاريع إصلاحية وتراقب الأخلاق وتعنى بتهذيب النفوس ،وإن كان ذلك يكفلها أموالاً طائلة وميزانية ضخمة ،ونتيجة هذا النوع من الحكومات إذا قامت في بلاد مَّا بَّينها القران وتنبأ بها للمهاجرين الأولين : {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } "

أبو الحسن علي الندوي , ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين