Home > Author > أبو الحسن علي الندوي

أبو الحسن علي الندوي QUOTES

62 " ما هي غاية هذا العالم التي ينتهي إليها ، ومصيره الذي يصير إليه ؟هل بعد هذه الحياة حياة أخرى ؟وما هو وضعها إذا كانت ؟ وهل لهذه الحياة الآخرة تعليمات وإرشادات في الحياة الدنيا ؟ ومن أي منبع تستقى هذه المعلومات ؟ وما هي الطرق والأسس التي إذا سار عليها الإنسان كانت حياته الآخرة راضية مرضية ؟ وما مصدر هذه الطرق ؟ وما هي الطريق المثلى للوصول بعد الموت إلى نعيم لا ينفد وقرة عين لا تنقطع ؟ ومن أين تستفاد هذه الطريق؟.
تلك أسئلة ورثها الشرقي أبًا عن جد ، وشغلت خاطره ، وأزعجت فكره طيلة قرون ولم يقدر أن يذهل عنها ويتناساها حتى في لهوه وزهوره ، وكانت هذه الأسئلة حافز نفسه ، ونداء ضميره ؛ ولم يستطيع أن يتصام عنه ويطوي دونه كشحًا , بل أصغى إليه في رغبة ونصيحة وإخلاص ، وأجل هذه الأسئلة من نفسه وحياته المحل الأول , وما زال منذ آلاف من السنين في أخذ ورد ونقض وإبرام في هذا الموضوع ,وليس ما نسميه ما وراء الطبيعة والفلسفة الإلهية , والإشراق والرياضة النفسية , والعلم والحكمة إلا محاولات ومغامرات في هذا الطريق الطويل المظلم ,وارتيادًا إثر ارتياد في مناطق مجهولة , ينئ عن اهتمام الشرق البليغ بهذا الموضوع ورغبته الملحة فيه.
الحاسة الدينية لها ثمرات وتأثيرات هي من خواص هذه الحاسة التي لم تزل لأهل الشرق ضربة لازب , وكما أن من فقد حاسة من الحواس الظاهرة بطلت محسوساتها الخاصة بها , فلا تحصل له بحاسة أخرى إلا بطريق خرق العادة , ولا تحل حاسة مهما كانت قوية وصحيحة محل الحاسة الأخرى, كذلك من فقد الحاسة الدينية لطارئ مؤثر أو حرمها لنقص في الفطرة بطلت نتائجها الخاصة بها , وانعدمت في حقه , بحيث لا يستطيع أن يتصورها أو يصدقها , شأن الأعمى لا يبصر الألوان والأجرام المرئية , وقد يعاند ويكابر في إنكارها , وشأن الأصم الذي ليست الدنيا الصاخبة إلا مدينة الأموات عنده , ليس بها داع ولا مجيب ؛ كذلك من حرم الحاسة الدينية جحد الغيب , وكابر فيما هو وراء الطبيعة وعاند في المعاني الدينية , وقسا على الرقائق والقوارع التي تهز النفوس , وترقق القلوب وتذرف العيون . "

أبو الحسن علي الندوي , ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

63 " • أشد العقبات التي واجهها الأنبياء والدعاة الدينيون , واصطدمت بها خطبهم ومواعظهم ودعوتهم , هم أولئك الذين حرموا الحاسة الدينية أو فقدوها بتاتًا , والذين تحجرت قلوبهم وماتت نفوسهم في مسألة الدين, والذين آلوا على أنفسهم أنهم لا يفكرون في أمر الدين وأمور الآخرة , ولا يلقون السمع لهذا الموضوع أصلاً , والذين لما سمعوا كلام النبي الذين تجيش له الصدور وتلين له الصخور , ما زادوا أن قالوا في صمم وإعراض : {إِنْ هِيَ إِلّاحَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } ولما انتهى النبي من كلامه السائغ المعقول الذي يفهمه الأطفال , والذين كان بلغتهم الفصيحة قالوا : { مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً }, {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } . "

أبو الحسن علي الندوي , ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

64 " • تضخمت معدة الحرص في الإنسان حتى صارت لا يشبعها مقدار من المال ، وتولد في الناس غليل لا يُرْوى وأُوارٌ لا يُشفى ، وأصبح كل واحد يحمل في قلبه جهنم لا تزال تبتلع وتستزيد ، ولا تزال تنادي هل من مزيد ؟ هل من مزيد ؟ تسلط على الناس – أفراداً وأمماً – شيطان الجشع والحرص فكأن بهم مساً من الجنون ، وأصبح الإنسان نهما يلتهم الدنيا التهاماً ، ويستنزف موارده حلالاً وحراماً ، ثم لا يرى أنه قضى لبانته وشفى نفسه ، والعهدة في ذلك على وضع الحياة الحاضرة وطبيعتها وكونها مادية صرفة لا تؤمن بالآخرة . وخليق بمن لا يعتد إلا بحياته الدنيا ولا يرى وراءها عالما آخر وحياة ثانية أن تكون هذه الحياة بضاعته ورأس ماله وأكبر همه وغاية رغبته ومبلغ علمه ، وأن لا يؤخر من حظوظها وطيباتها ولذائذها شيئاً وأن لا يضيع فرصة من فرصها ، ولأي عالم يدخر وهو لا يؤمن بعالم وراء هذا العالم ، ولا بحياة بعد هذه الحياة ؟ "

أبو الحسن علي الندوي , ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

65 " الأدب العصري – بمعناه الواسع – الذي لا يتحدث إلا عن المادة وأصحابها ، ويخنع لأهل الثراء وأصحاب الاحتكار وأصحاب الإنتاج ، الخنوع الذي لا يليق بالأدب الشريف العالي ، فيكتب دقائق حياتهم في تفصيل ، وينشر ألقابهم وأسماءهم بقلم عريض وكل نفس من أنفاس مدحه وتقريظه وكل فصل من فصول روايته ينتهي إلى نتيجة مادية أو إلى بطل من أبطال المادة ، ويزين للقارئ المذهب الأبيقوري تارة بالتلميح وتارة بالتصريح ، ويحث الشباب على التهام الحياة وانتهاب المسرات نثراً وشعراً وفلسفة ورواية وتحليلاً وتصويراً ، فلا ينتهون منه إلا بالروح المادية والتقديس لرجال المادة .

وكذلك المجتمع الذي لا يقدر إلا الغني الظريف متناسياً كل ما فيه من رذيلة ولؤم أصل وسوء خلق ، ويتجنى على الإنسان الذي لا يترجح في ميزانه مهما كثرت مواهبه وطاب عنصره وسما جوهره ، ويلمِّح وقد يصرح بأن الفقير لا يستحق الحياة ، ويعامله معاملة الدواب والحمير والكلاب ، فيرغم الإنسان – إذا لم يكن ثائراً على المجتمع – على أن يخضع لشريعة مجتمعه ، وأن يتجمل ويتظرف لمجتمعه ، فلا يلبس إلا لغيره ولا يتأنق إلا لغيره . "

أبو الحسن علي الندوي , ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

68 " كان الناس- عرباً وعجماً- يعيشون حياة جاهلية، يسجلون فيها لكل ما خلق لأجلهم ويخضع لإرادتهم وتصرفهم، لا يثيب الطائع بجائزة ولا يعذب العاصي بعقوبة ولا يأمر ولا ينهى، فكانت الديانة سطحية طافية في حياتهم، ليس لها سلطان على أرواحهم ونفوسهم وقلوبهم، ولا تأثير لها في أخلاقهم واجتماعهم. كانوا يؤمنون بالله كصانع أتم عمله واعتزل وتنازل عن مملكته لا ناس خلع عليهم خلعة الربوبية. فأخذوا بأيديهم أزمّة الأمر وتولوا إدارة المملكة وتدبير شئونها وتوزيع أرزاقها، إلى غير ذلك من مصالح الحكومة المنظمة، فكان إيمانهم بالله لا يزيد على معرفة تاريخية، وكان إيمانهم بالله وإحالتهم خلق السموات والأرض إلى الله لا يختلف عن جواب تلميذ من تلاميذ فن التاريخ يقال له: من بنى هذا القصر العتيق؟ فيسمى ملكاً من الملوك الأقدمين من غير أن يخافه يخضع له، فكان دينهم عارياً عن الخشوع لله ودعائه، وما كانوا يعرفون عن الله ما يحببه إليهم، فكانت معرفتهم مهمة غامضة، قاصرة مجملة، لا تبعث في نفوسهم هيبة ولا محبة. "

أبو الحسن علي الندوي

73 " إذا أراد العالم الإسلامي أن يستأنف حياته ، ويتحرر من رق غيره وإذا كان يطمح إلى القيادة ، فلا بد إذن من الاستقلال التعليمي ، بل لابد من الزعامة العلمية وما هي بالأمر الهين ، إنها تحتاج إلى تفكير عميق ، وحركة التدوين والتأليف الواسعة ، وخبرة إلى درجة التحقيق والنقد بعلوم العصر مع التشبع بروح الإسلام والإيمان الراسخ بأصوله وتعاليمه ، إنها لمهمة تنوء بالعصبة أولي القوة ، إنما هي من شأن الحكومات الإسلامية ، فتنظم لذلك جمعيات ، وتختار لها أساتذة بارعين في كل فن فيضعون منهاجاً تعليمياً يجمع بين محكمات الكتاب والسنة وحقائق الدين التي لا تتبدل وبين العلوم العصرية النافعة والتجربة والاختبار ، ويدونون العلوم العصرية للشباب الإسلامي على أساس الإسلام وبروح الإسلام وفيها كل ما يحتاج إليه النشء الجديد ، مما ينظمون به حياتهم ويحافظون به على كيانهم ويستغنون به عن الغرب ويستعدون للحرب ، ويستخرجون به كنوز أرضهم وينتفعون بخيرات بلادهم ، وينظمون مالية البلاد الإسلامية ، ويديرون حكوماتها على تعاليم الإسلام بحيث يظهر فضل النظام الإسلامي في إدارة البلاد ، وتنظيم الشئون المالية على النظم الأوربية ، وتنحل مشاكل اقتصادية عجزت أوربا عن حلها . "

أبو الحسن علي الندوي , ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

75 " إن أخوف ما يخاف على أمة ويعرضها لكل خطر ويجعلها فريسة للمنافقين ولعبة للعابثين هو فقدان الوعي في هذه الأمة ، وافتتانها بكل دعوة واندفاعها إلى كل موجة وخضوعها لكل متسلط وسكونها على كل فظيعة وتحملها لكل ضيم ، وأن لا تعقل الأمور ولا تضعها في مواضعها لكل ضيم ، وأن لا تعقل الأمور ولا تضعها في مواضعها ولا تميز بين الصديق والعدو وبين الناصح والغاش وأن تلدغ من جحر مرة بعد مرة ولا تنصحها الحوادث ، ولا تروعها التجارب ، ولا تنتفع بالكوارث ، ولا تزال تولي قيادها من جربت عليه الغش والخديعة والخيانة والأثرة والأنانية ، ولا تزال تضع ثقتها فيه وتمكنه من نفسها وأموالها وأعراضها ومفاتيح ملكها وتنسى سريعاً ما لاقت على يده الخسائر والنكبات فيجترئ بذلك السياسيون المحترفون ، والقادة الخائنون ويأمنون سخط الأمة ومحاسبتها ويتمادون في غيهم ويسترسلون في خياناتهم وعبثهم ثقة ببلاهة الأمة وسذاجة الشعب وفقدان الوعي . "

أبو الحسن علي الندوي , ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين