Home > Author > أبو الحسن علي الندوي

أبو الحسن علي الندوي QUOTES

21 " تزعم المسلمون الأوائل العالم وعزلوا الأمم المريضة من زعامة الإنسانية، وساروا بالإنسانية سيرا متزنا عادلاً، لما توفر فيهم من الصفات التي تؤهلهم لقيادة الأمم.
أولاً، أنهم أصحاب كتاب منزل وشريعة إلهية، فلا يقننون ولا يشترعون من عند أنفسهم، لأن ذلك منبع الجهل والخطأ والظلم، قد جعل الله لهم نوراً يمشون به في الناس، وجعل لهم شريعة يحكمون بها بين الناس.
ثانياً، أنهم لم يتولوا الحكم والقيادة بغير تربية خلقية وتزكية نفس؛ بخلاف غالب الأمم والأفراد ورجال الحكومة في الماضي والحاضر، بل مكثوا زمناً طويلاً تحت تربية محمد صلى الله عليه وسلم وإشرافه الدقيق يزكيهم ويؤدبهم ويأخذهم بالزهد والورع والعفاف والأمانة والإيثار على النفس وخشية الله وعدم الاستشراف للإمارة والحرص عليها، فكانوا لا يتهافتون على الوظائف والمناصب بل كانوا يتدافعون في قبولها ويتحرجون من تقلدها، فضلاً عن أن يرشحوا أنفسهم للإمارة ويزكوا أنفسهم وينشروا دعاية لها وينفقوا الأموال سعياً وراءها.
ثالثاً، أنهم لم يكونوا خدمة جنس أو شعب أو وطن يسعون لرفاهيته ومصلحته وحده، ويؤمنون بفضله وشرفه على جميع الشعوب والأوطان، إنما قاموا ليخرجوا الناس من عبادة العباد جميعاً إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. "

أبو الحسن علي الندوي , ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

26 " فصل الدين عن السياسة
وقع فصل بين الدين والسياسة عمليا. فإن هؤلاء (الملوك المسلمين الغير أكفاء من بعد الخلافة الراشدة) لم يكونوا من العلم والدين بمكان يستغنون به عن غيرهم من العلماء وأهل الدين. فاستبدوا بالحكم والسياسة، واستعانوا-إذا أرادوا واقتضت المصالح- بالفقهاء ورجال الدين كمشيرين متخصصين. واستخدموهم في مصالحهم، واستغنوا عنهم إذا شاءوا، وعَصَروهم متى شاءوا. فتحررت السياسة من رقابة الدين. وأصبحت قيصريةً أو كسرويةً مستبدة، وملكا عضوضا. وأصبحت السياسة كجمل هائج حَبْلُه على غارِبِهِ. وأصبح رجال الدين والعلم بين مُعَارِضٍ للخلافة، وخارجٍ عليها، وحائِدٍ مُنعزل اشتغل بخاصَّة نفسه، وأغمض العين عما يقع ويجري حوله، يائسا من الإصلاح، ومنـتقدٍ متلهِّفٍ، يتـنفس الصعداء مما يرى ويسمع، ولا يملك من الأمر شيئا، ومتعاوِنٍ مع الحكومة لمصلحة دينية أو شخصية. ولكلٍّ ما نوى. وحينـئذ انفصل الدين والسياسة، وعادا كما كانا قبل عهد الخلافة الراشدة. أصبح الدين مقصوص الجناح مكتوف الأيدي. وأصبحت السياسة مطلقة اليد، حرة التصرف، نافذة الكلمة، صاحبة الأمر والنهي. ومن ثَم أصبح رجال العلم والدين طبقةً متميزةً، ورجالُ الدنيا طبقةً متميزةً. والشُّقَّة بـينهما شاسعة. وفي بعض الأحيان بـينهما عِداء وتـنافس "

أبو الحسن علي الندوي , ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

29 " وكذلك العالم اليوم رغم اتساعه وتوفر وسائل السفر والانتقال من مكان إلى مكان، واتصال الشعوب والأمم بعضها ببعض أضيق بأهله منه بالأمس، قد ضيقته المادية التي لا تنظر إلا إلى قدمها ولا تؤمن إلا بفائدة صاحبها، ولا تعرف غير العكوف على الشهوات وعبادة الذات، وقد خنقته الأثرة التي لا تسمح لاثنين بالعيش في إقليم واسع، والوطنية الضيقة التي تنظر إلى كل أجنبي شزرا وتجحد له كل فضل وتحرمه كل حق.
ثم ضيق هذه الحياة المادية المسيطرون السياسيون الذين يحتكرون وسائل الحياة والرزق والقوت، يضيقون هذه الحياة لمن شاءوا ويوسعونها لمن شاءوا، ويبسطون الرزق -زعموا- لمن شاءوا ويقدرونه لمن شاءوا، فأصبحت المدن الواسعة أضيق من جحر ضب، وأصبح الناس في بلادهم في شبه حجر كحجر السغيه واليتيم، وضاقت على الناس الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم، وأصبح الناس في أغلال وأصفاد من المدينة والمملكة مهددين في كل وقت بمجاعات مصطنعة وحقيقية، وحروب خارجية وداخلية، وإضرابات أسبوعية ويومية. "

أبو الحسن علي الندوي , ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين