Home > Author > أحمد بهجت

أحمد بهجت QUOTES

158 " ماء الوضوء منعش والهواء جاف في صحن المسجد وهناك عدد لا بأس به من النائمين جوار الجدران.

الهواء طيب حقاً ويدفع إلى النوم ... الله أكبر .. بسم الله الرحمن الرحيم .. قرأت الفاتحة وسورة صغيرة ثم ركعت .. استقمت وحمدت الله وسجدت .. كنت أتمتم بكلمات الصلاة وذهني نصف مشتت .. سبحان ربي العظيم .. سطعت في ذهني الدرجة الثانية التي أسعى إليها منذ ثلاث سنوات .. سبحان ربي الأعلى .. فكرت في زميلنا البليد الذي نالها قبلي وتعداها وصار وكيلاً للوزارة ... سمع الله لمن حمده ... سمعت صوت كلاكس سيارة عابرة ، وتحسرت أنني لم أشتر سيارة إلى اليوم .. التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله ... نسيت أين وضعت علبة السجائر ، على الكومودينو أو في درج المكتب ... سبحان ربي الأعلى .. نسيت أن أحضر لزوجتي لفة قمر الدين .

حدث لي شئ غريب وأنا ساجد ، لم أعرف هل هذه السجدة الأولى أم الثانية .. لو كانت السجدة الأولى فعليَّ أن أسجد مرة ثانية .. ولو كانت الثانية فهل أسجد ثلاث مرات ؟!!.. فكرت قليلاً ثم قررت أن آخذ بالأحوط وأسجد ... كنت أبذل مجهوداً حقيقياً للتركيز وعدم السهو والسرحان .. ولكن ذهني كان يمتلئ بتيار جار وسريع من المشاكل والأفكار والمشاغل .. انتهيت من الصلاة فسلمت ثم أمسكت المسبحة ورحت أسبّح.

سبحان الله .. الحمد لله .. تذكرت أين وضعت علبة السجائر .. وجهزت في ذهني ما سأقوله لزوجتي عندما تسألني عن قمر الدين ..
صعد الإنسان إلى القمر .. ونزلنا نحن لقمر الدين "

أحمد بهجت

159 " * يجب أن أنظم حياتي في شهر رمضان . إن الفرصة المتاحة للذنوب العظيمة التي يرتكبها المرء كل يوم يمكن أن تتبخر في هذا الشهر الجميل الذي يفترض فيه أن نحس بالحرمان.
- والنبي لانت واكل طبق الرز ده .. حلفتك بالنبي.
قلت في سري .. عليك الصلاة والسلام يا رسول الله . ومددت يدي إلى طبق الأرز المخلوط .. بعدها توالت توسلات الأسرة أن آكل هذا النوع من اللحم .. ثم أذوق هذه القطعة من الدجاج .. ثم أنثني لهذه الصينية من الكنافة .. وفي كل مرة كان ذكر الرسول يتردد في الحديث فأمد يدي بغير تردد .. وتذكرت وأنا املأ معدتي كيف كانت زوجة النبي عليه الصلاة والسلام تعيش بالأشهر وهي لا توقد النار في بيتها .. وكيف كان طعامه الخبز الجاف المغموس في الزيت .. وكيف عرف أحب خلق الله وأكرمهم هذا الجوع النبيل الذي يدفع المرء مباشرة في قلب الوجود ويجعله يرق للعباد ، ويحنو عليهم ، ويشعر بأقسى آلامهم ...


* سألت نفسي كمصري ، لماذا آكل إذا جلست للطعام كمن يأكل في آخر زاده ؟ هل هو جوع القرون الأولى من حياة المصريين .. هل هو اعتيادنا ظلم الحاكم الذي يمد يده لطعامنا قبل أن نمد أيدينا إليه .. إن مصر أعظم بلاد الدنيا خصوبة وعطاء ، بل لعل مأساتها الأولى أنها تقدم عطاءها بغير جهد ، لكن خيرها يذهب لغيرها كما تقول الأمثال الشعبية .. لماذا إذن لم نزل نأكل إن جلسنا للطعام كمن يأكل في زاده الأخير ؟!!


* مددت يددي إلى ثلاث بلحات جافة تضعها زوجتي على المائدة .. هذه البلحات الثلاث تذكرني بطعام رسول الله صلى الله عليه وسلم ... تعودت أن أفطر على البلح عملاً بالسُّنَّة ... وسط مائدتنا العامرة تبدو البلحات الثلاث غريبة ولا تكاد تظهر .. هذا ما بقي من الإسلام في بيتنا .. ذكرى صغيرة على موائد الطعام ... تذكرت أفضل خلق الله وكيف كان يصوم وكيف كان يفطر .. شهر رمضان عند المسلمين الأولين كان شهراً نزل فيه القرآن ، وكان شهراً يتخفف فيه البَدن من البُدن .. وتلتقي فيه الرحمة بالإخلاص بالجوع بالحب .. وكان شهراً تعاود فيه الروح اتصالها بخالق الروح


* انتهيت من الطعام .. كادت روحي تزهق .. أحسست بوخم شديد ورغبة في النوم .. لم أكد ادخل غرفة النوم حتى دخلت زوجتي الغرفة .. ومعها طبق الكنافة والقطايف . عبثاً تبحث عن الكنافة والقطايف في صدر الإسلام ... كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شبع يوماً استغفر الله لأن في المسلمين جائعاً لم يشبع ... وكان عمر يقول : والله لو عثرت شاة بأرض مصر لخشيت أن يسأل عنها عمر يوم القيامة.
كان عمر يعتبر نفسه مسئولاً عن أي مطب في أي شارع من شوارع المدن التي تنتمي لدار الإسلام ، وهو يعتبر نفسه مسؤولاً لو انكفأت بسبب هذا المطب "عنزة" نظرها ضعيف .
دخلت الكنافة والقطايف تاريخ المسلمين حين خرج الحب من القلوب ، وصار الإسلام سبحة معطلة وفانوساً أثرياً وكلمات تتمتم بها الشفاه وتنقطع صلتها بالإرادة. "

أحمد بهجت