Home > Author > عباس محمود العقاد

عباس محمود العقاد QUOTES

185 " ذو الوجهين منافق، وذو الوجه الواحد ميت!

يعيب الإنسان أن يصنع له نفسا غير نفسه ووجها غير وجهه، وأن يبدو للناس بوجهين يلعن أحدهما الآخر.
ويعلم هو أنهما - كليهما - ملعونان.

ولا يعيبه أن يكون له مئة وجه ينم كل منها على سمة من سماته ومعنى من معانيه، ويعرض لنا من ذهنه وسليقته وقلبه في ساعة ما ليس يعرضه في ساعة أخرى. لأن كل وجه من هذه الوجوه حق وليس بكذب، وجوهر وليس بطلاء، وصفحة من كتاب لا تتم قراءته إلا باستعراض جميع الصفحات.

ذو الوجهين في كل وجه من وجهيه كذب وطلاء.

وذو الوجوه المنوعة السمات، المتعددة الملامح، المفرقة المعاني، رواية صادقة الخبر يرينا كل يوم بينة جديدة على صدقه ولوناً جديداً من تمامه ونقصه، ونفساً جديدة في تعبير جديد.

والرجل الذي لا تختلف له صورة من صورة ولا تمثال من تمثال هو جماد يختلس عنوان الحياة. والوجه الذي يصوره مئة مصور فيخرجون جميعاً بطابع واحد لا يتبدل هو جدار في هيئة إنسان، ولكنه جدار لا تختلف عليه الظلال والألوان. "

عباس محمود العقاد , سارة

186 " وما من شئ غير الغرض الأعوج يذهل صاحبه عن هذه الأسباب الطبيعية البينة ، ثم يخيل اليه ان الدعوة الاسلامية كانت فضولاً غير مطلوب في هذه الدنيا ، وان نجاحها مصطنع لا سبب له غير الوعيد والوعود او غير الإرهاب بالسيف والإغراء بلذات النعيم ومتعة الخمر والحور العين .

أي ارهاب وأي سيف ؟ ..
إن الرجل حين يقاتل من حوله إنما يقاتلهم بالمئات والألوف وقد كان المئات والألوف الذين دخلوا في الدين الجديد يتعرضون لسيوف المشركين ولا يعرضون أحداً لسيوفهم ، وكانوا يلقون عنتاً ولا يصيبون أحداً بعنت ، وكانوا يخرجون من ديارهم لياذاً بأنفسهم وأبنائهم من كيد الكائدين ونقمة الناقمين ولا يخرجون أحداً من داره .

فهم لم يسلموا على حد السيف خوفا من النبي الأعزل المفرد بين قومه الغاضبين عليه ، بل أسلموا على الرغم من سيوف المشركين ووعيد الأقوياء المتحكمين .. ولما تكاثروا وتناصروا حملوا السيف ليدفعوا الأذى ويبطلوا الإرهاب والوعيد ، ولم يحملوه ليبدأوا واحداً بعدوان أو يستطيلوا على الناس بالسلطان .
فلم تكن حرب من الحروب النبوية كلها حرب هجوم ، ولم تكن كلها الا حروب دفاع وإمتناع .

اما الإغراء بلذات النعيم ومتعة الخمر والحور العين .. فلو كان هو باعثاً للإيمان ، لكان أحرى الناس أن يستجيب إلى الدعوة المحمدية هم فسقة المشركين وفجرتهم و أصحاب الترف والثروة فيهم ، ولكان طغاة قريش هم أسبق الناس الى استدامة الحياة واستبقاء النعمة ، فإن حياة النعيم بعد الموت محببة الى المنعمين تحبيبها الى المحرومين ، بل لعلها اشهى الى الأولين وأدنى ولعلهم احرص عليها وأحنى لأن الحرمان بعد التذوق والإستمراء أصعب من حرمان من لم يذق ولم يتغير عليه حال .* "

عباس محمود العقاد , عبقرية محمد