Home > Work > التفكير فريضة إسلامية
61 " أخذوا ينكرون العادات والمراسم التي لا غبار عليها في مظاهرها حين علموا أنَّ الدخيل في مِلَّتهم يتستر من ورائها لترويج العقيدة التي تلازمها، والتمهيد للدولة التي تقوم عليها. "
― عباس محمود العقاد , التفكير فريضة إسلامية
62 " فمن حصانة العقيدة الإسلامية استمد المسلم شعور التحرج من العادات الأجنبية، فكان هذا التحرج خيرًا بمقدار ما فيه من القضاء على بواعث المحاكاة التي تؤذن بالفناء والتسليم بالسيادة "
63 " ومن أعلى خصائص العقل الإنساني «الرشد»، وهو مقابل لتمام التكوين في العاقل الرشيد، ووظيفة الرشد فوق وظيفة العقل الوازع، والعقل المدرك، والعقل الحكيم؛ لأنها استيفاء لجميع هذه الوظائف، وعليها مزيد من النضج والتمام والتميز بميزة الرشاد؛ حيث لا نقص ولا اختلال. وقد يؤتى الحكيم من نقص في الإدراك، وقد يؤتى العقل الوازع من نقص في الحكمة، ولكن العقل الرشيد ينجو به الرشاد من هذا وذاك … وفريضة التفكير في القرآن الكريم تشمل العقل الإنساني بكل ما احتواه من هذه الوظائف بجميع خصائصها ومدلولاتها؛ فهو يخاطب العقل الوازع، والعقل المدرك، والعقل الحكيم، والعقل الرشيد، ولا يذكر العقل عرضًا مقتضبًا؛ بل يذكره مقصودًا مفصلًا على نحو لا نظير له في كتاب من كتب الأديان … "
64 " فإذا كان في الأديان دين يجتبي٣ القبيلة بنسبها، أو يجتبي المرء قبل مولده لأنه مولود فيها، أو كان في الأديان دين يحاسبه على خطيئة ليست من عمله، فليس في الإسلام إنسان ينجو بالميلاد، أو يهلك بالميلاد، ولكنه الدين الذي يوكل فيه النجاة والهلاك بسعي الإنسان وعمله، ويتولى فيه الإنسان هدايته بفهمه وعقله، ولا يبطل فيه عمل العقل أنَّ الله بكل شيء محيط، فإن خلق العقل للإنسان لا يسلبه القدرة على التفكير، ولا يسلبه تبعة الضلال والتقصير. "
65 " حين يكون العمل بالعقل أمرًا من أوامر الخالق يمتنع على المخلوق أن يعطل عقله مرضاة لمخلوق مثله، أو خوفًا منه، ولو كان هذا المخلوق جمهرة من الخلق تحيط بالجماعات وتتعاقب مع الأجيال. "
66 " ولا معنى للدين ولا للخلق إذا جاز للناس أن يخشوا ضررًا يصيب أجسامهم، ولا يخشوا ضررًا يصيبهم في أرواحهم وضمائرهم، وينزل بحياتهم الباقية إلى ما دون الحياة التي ليس لها بقاء، وليس فيها شرف ولا مروءة. "
67 " فليس من روح الإسلام أن يجمد المؤمن على عادة موروثة لأنها عادة موروثة، وليس من روحه أن يرفض عادة جديدة لأنها عادة جديدة، ولكنه يعتصم من روح الإسلام بحصانة تعيذه من سحر الغلبة، فلا تَهُوله بروعتها، ولا تجنح به إلى الفناء في غمارها، والاستسلام لقيادتها. "
68 " ونحن مع العقل في الإسلام حين نذكر أنَّ الإسلام يأمره باستقلال النظر في مواجهة السلف، ومواجهة الأحبار، ومواجهة الاستبداد، ثم يكون هو الدين الذي امتاز بين الأديان بوصاياه الكثيرة في توقير الآباء، والرجوع إلى أهل الذكر، وتمحيض الطاعة لولاة الأمور "
69 " فإذا أمر العقلاء فهكذا يؤمرون، وغير ذلك من الأوامر إنما يكون للآلات التي تعمل على وتيرة واحدة في أيدي من يحركونها ويديرونها، أو يكون للخلائق البكماء التي تُقاد أو تُساق، ولا رأي لها في مَقادة أو مَساق … إنما يكون أمر العقلاء أن يؤمروا بالتمييز بين مختلف الأحوال، فلا يقال لهم: إنكم ترفضون كل الرفض، أو تقبلون كل القبول، ولا فرق عندهم بين مرفوض ومرفوض، ولا بين مقبول ومقبول "
70 " المنطق علم يجمع الأصول والقواعد التي يستعان بها على تصحيح النظر والتمييز، وحكم الإسلام فيه — بهذه المثابة — واضح لا يجوز فيه الخلاف؛ لأن القرآن الكريم صريح في مطالبة الإنسان بالنظر والتمييز، ومحاسبته على تعطيل عقله، وضلال تفكيره "
71 " فالمنطق بحث عن الحقيقة من طريق النظر المستقيم، والتمييز الصحيح، والجدل بحث عن الغلبة والإلزام بالحجة، قد يرمي إلى الكسب والدفاع عن مصلحة مطلوبة، وقد يتحرى مجرد المسابقة للفوز على الخصم وإفحامه في مجال المناقضة واللجاج. "
72 " وأصبح من المفهوم المتفاهم عليه أنَّ المنطق بحث عن الحقيقة، وأنَّ الجدل بحث عن المصلحة أو الرغبة المتنازع عليها. "
73 " وبلغ من التفاهم على الفصل بين البرهان والحقيقة في صناعة الجدل أنهم أصبحوا يقولون عن الحجة: إنها حجة خطابية؛ أي تقنع ولا يشترط فيها أن تدل على الحقيقة، ويقولون عن السؤال: إنه سؤال خطابي؛ أي لا يُراد منه جواب معلوم عن توجيه السؤال، كقول الخطيب للسامعين في معرض الزجر والاستثارة: هل أنتم وطنيون؟ هل أنتم سامعون؟ إلى أمثال هذه الأسئلة التي يسألها المتكلم ليُؤثِّر بها على مستمعيه لا لأنه ينتظر الجواب عليها "
74 " هذه الصناعة — صناعة الجدل — ليست في شيء من المنطق القويم المطلوب للبحث عن الحقيقة، ولكنها صناعة يتعلمها طالبها وهو عالم أنه ينشد الغلبة على خصومه في المناقشة بالحق أو بالباطل؛ فإن لم يتعلمها عامدًا هذا العمد، فقد ينساق إليها بطبيعة الجدل وشهوة المغالبة، فيؤثر المغالطة على المصارحة، ويصر على المكابرة مجهلةً بالحقيقة، أو مكابرةً فيها "
75 " وقد ضرب المثل بالجدل «البيزنطي» في طول اللجاجة وسوء العاقبة، وقلة الجدوى لطلاب الحقيقة والصلاح، ولكن البيزنطيين لم يكونوا بدعًا في هذه الآفة، ولم ينفردوا بالجدل على غير طائل كلما فتحت أبوابه على مصطلحات المنطق، أو على غير مصطلح مفهوم غير اللدد والعناد؛ فإن بني إسرائيل قد سبقوا البيزنطيين إلى أمثال هذه المجادلات الخاوية إلا من الباطل والشحناء، وجاء السيد المسيح إليهم فوجد فيهم طائفة الكتبة والفريسيين لا عمل لها غير اختلاق الحيل والشراك؛ لاقتناص الناس بمغالطات الألفاظ وألاعيب الحذلقة والتمويه. "
76 " إذا غربت عنهم صفة واحدة — هي صفاء القلب لله — لم يحسبوا من الصوفية، "
77 " إنَّ المزية الصوفية الخاصة هي مزية الإيمان بالله على الحب لا على الطمع في الثواب، أو على الخوف من الحساب والعقاب، "
78 " الإسلام هو الدين الوحيد الذي يسمح باستقلال الصلة بين المخلوق والخالق، ويستطيع العابد فيه أن يتوجه إلى الله بضميره فردًا بغير وساطة من سادن، ولا شعائر في محراب. "
79 " فالصوفية من حيث الموضوع نوعان عظيمان: نوع العقل والمعرفة، ونوع القلب والرياضة، والصوفية من حيث موقعها من الدنيا كذلك نوعان: نوع يتخطاها وينبذها، ونوع يمشي فيها ويصل منها إلى الله، ويتأدى من الخلق إلى الخالق جل وعلا. وكل هذه المذاهب عُرف في الإسلام على أوفاه. "
80 " الصوفي المسلم يقاوم مطامع الدنيا لأنها تحجبه عن حقائقها العليا. ويضربون المثل لذلك بالغزال الظمآن في الصحراء؛ فلا حرج عليه أن يطلب الري من الماء، ولكنه إذا غفل عن نفسه لم يسلم من خداع السراب، فانقاد إلى الهلاك؛ فإذا أصابه الظمأ فليَعلم موارد الماء، وليكن على حذر من موارد السراب، وليفرق كما يقولون بين سراب لا شراب فيه، وبين شراب لا سراب حوله. وتلك هي الرياضة التي تستفاد من قمع الشهوات. "