Home > Work > حيونة الإنسان
21 " و يقول آرثر سالزبورغر,مؤسس صحيفة (نيويورك تايمز) بهذا الصدد مبيناً أثر هذا النوع من الإعلام : إحجب المعلومات الصحيحة عن أي إنسان, أو قدمها إليه مشوهة أو ناقصة أو محشوة بالدعاية و الزيف , إذا فقد دمرت كل جهاز تفكيره و نزلت به إلى ما دون مستوى الإنسان. "
― ممدوح عدوان , حيونة الإنسان
22 " الإنسان الذي غرست أنظمة القمع خوفا عريقا في نفسه يشجع كل من حوله على التطاول عليه, كما أنه يعرف هو نفسه كيف يستغل الفرصة للتطاول على الآخرين حين يرى تلك الفرصة سانحة. "
23 " باسم النظام يتم توليد الخوف, وبفعل الخوف يتم فهم النظام نفسه. "
24 " ليس هناك قدر محتوم على البشر أن يتحولوا إلى جلادين وضحايا, ولكن أنظمة القمع والاستغلال هي التي تريد إبقاء البشر عند مرساة الحيوانية الغريزية الأولى, وحين يحاولون الخروج من هذه الشروط تثبتهم فيها أو تنزلهم إلى ما هو أحط من الحيوانات من خلال القسر وبأدوات بشرية تتحول هي الأخرى إلى ما هو أحط من الحيوان, فتثبت نظرتها العرقية الفوقية إلى العنف الوحشي لهؤلاء الناس الذين "لم يتجاوزوا مرحلة الحيوانية". "
25 " ومشكلة المشكلات أن هذا كله يتم تحت شعارات براقة من الإخاء والتكاتف الاجتماعي والتعايش بين فئات تخفي كل منها الكراهية العمياء للفئات الأخرى, ويتحين كل منها الفرص للانقضاض على الفئة الأخرى والفتك بها, إنها التقية العامة والباطنية الخاصة بالمجتمعات المقموعة والمهزومة في آن, وازدواجية مريعة بين الظاهر والباطن, الجميع يقولون الكلام الجميل الذي يتضمن المجاملة والتضامن والتعايش الاخوي, والجميع يخفون الأحقاد المبطنة والنيات المبيتة. "
26 " وإذا نظرنا إلى الجانب الأفضل من الإنسان وتاريخه نستطيع أن نستنتج أن تاريخ "تطور" البشرية هو تاريخ محاولات الإنسان للابتعاد عن هذا الوحش الكامن في أعماقه, أو عدم السماح له بالنمو على أمل التوصل إلى التخلص منه نهائيا. وهذا الوحش الذي صار قابعا في الأعماق مشكله أساسية من المشكلات التي حاول رجال الفكر والأدب معالجتها, والتي حاولت الأديان ترويضها بالدعوة إلى التسامح والمحبة والإخاء.وسنكتفي بالقول الآن أنه قد تولد في أعماق الإنسان, بفعل هذه الأحوال كلها, "شيء", أو أن هذا الإنسان لم يستطع,وبسبب هذه الأوضاع ذاتها, التخلص نهائيا من "ذلك الشيء" الذي كان فيه, والذي سنقبل الآن بتسميته "الوحش". "
27 " الذين يفرضون التعذيب يريدون أن يحققوا ما هو أكثر من ذلك, يريدون أن يوصلوا الضحية إلى أقصى حالات الضعف والألم ومن ثم التذلل, وحين يفشلون يخيب أملهم, وهذا الفشل إما ينجم عن الضربة القاتلة الخاطئة التي يضربها الجلاد, وإما أن ينجم عن قرار الضحية واختياره الموت .. الموت بلا توجع وتذلل. ولعل "الطريف" في مسألة التعذيب, إن كان في هذا الأمر ما يمكن وصفة بالطرافة, هو أن من أصول لعبة التعذيب أن يتقن الجلاد عمله فلا يتسبب في موت الضحية, الموت الداخلي هو المطلوب وليس الموت الخارجي والجسدي. "
28 " هناك مقولة تكرر الأيام إثبات صحتها، وهي أن مجتمعات القمع، القامعة والمقموعة، تولد في نفس كل فرد من أفرادها ديكتاتوراً، ومن ثم فإن كل فرد فيها، ومهما شكا من الاضطهاد، يكون مهيأ سلفاً لأن يمارس هذا القمع ذاته الذي يشكو منه، وربما ما هو أقسى وأكثر عنفاً، على كل من يقع تحت سطوته، فالمثل المحتذى متوفر أمامه كل يوم في من يضطهدونه، وهو شاء أم أبي يرى فيهم ما يمكنه أن يقلده، ولهذا يتبين أن الموظف الضعيف الهزء والمسخرة له أنياب لاتقل حدة وإيذاء عن أنياب من يهزؤون منه ويسخّرونه أو يسخرون منه، ولا تظهرهذه الأنياب، أنيابه، إلا حين تتاح له الفرصة للترقي الوظيفي، وحين يصبح آمراً على آخرين يستطيع أن يضرهم وينفعهم. "
29 " وربما كان لدى كل شعب من شعوب العالم نوع من الاعتزاز الذي ينطوي على إحساس بالتميز عن شعوب الأرض الأخرى, وهو ما يسميه إيريك فروم بـ "النرجسية الجماعية", ولكن هذه النظرة لا تتجلى في شكلها المؤذي إلا حين يتفوق هذا الشعب فعليا في ميدان من الميادين, وخاصة في الميدان العسكري. "
30 " تصور حجم ما مات فينا حتي تعودنا علي كل ما يجري حولنا ! "
31 " إن الانسان بذاته, ومن خلال الممارسات الشنيعة عبر تاريخ الحروب, لم يكن ميالا إلى الحفاظ على حياة هؤلاء, فالحروب تقوم لأهداف يراها القادة والزعماء وتجعلهم يعلنونها ويشنونها, ولكن هذه الأهداف تصل إلى الأفراد بطريقة خاصة تجعلهم مؤهلين للقتل من أجلها في الميدان, غير أن تأهيلهم لهذا القتل لا ينتهي عند استعدائهم على الخصم المحارب لقتله أو إيقاع الهزيمة فيه, بل يمتد إلى قتل الجريح والأعزل والمستسلم ثم المدني المسالم, ما يمكن تلخيصه بالرغبة في ابادة الطرف الآخر ابادة نهائية. "
32 " يريد المضطهِد أن يقمع شيئا محددا في المضطَهد هو جوهر حياته, أو أحد أهم المستلزمات لحياته, لأنه يريده نصف حي. النصف الآخر "الزائد" هو الإرادة أو الحرية والكرامة. وهذه فوائض من المضطَهد لا يريدها المضطهِد. "
33 " ولكن التعذيب بالتدريج يتسبب في حدوث تغييرات في المعذِب ذاته إضافة إلى التغييرات التي تحدث للمعذَب، فقد كان القضاء على الخصم يتم بالقتل، ولكن من خلال التعذيب، ومن خلال التخويف، بمعنى تحذير الناس من أن يفعلوا ما يعرضهم للتعذيب, يتم قتل الخصم، والآخرين، من الداخل من دون قتله، أو قتلهم، جسديا. "
34 " إن اختناق الناس لوجود الرجل المعلق على الخازوق هو تشبث بالكرامة الإنسانية, فمشهد الألم المستمر إذلال إنساني, أما الموت فهو راحة له, ومن ثم لهم. الموت إذا يساعدهم على اصطفاء بطلهم. وهو الذي يساويهم بالبطل فالناس كلهم متساوون أمام الموت ومعرضون له بالمقدار ذاته, ولكن الألم والتوجع يظهران ضعف الإنسان من جهة, ويمنحان الخصم فرصة للتشفي وللتمتع بانتصاره وتفوقه من جهة أخرى. إن تعذيب الضحية فصل أخير وحقير من فصول المواجهة بين الخصمين حيث يتحكم الطرف الأقوى بالوضع. ويستعرض أمام الآخرين, الذين قد يكونون أعداء أو أصدقاء أو رعية محايدة, ما يستطيع أن يفعله حين يتحكم:"لا تظنوا أنه يمكن أن يأخذني بأحد شفقة". "
35 " و الكذب كما نعرف نوعان:هناك الكذب الذي يقال فيه ما يغاير الحقيقة,و الكذب الذي لا يقال فيه إلا نصف الحقيقة, و يتم إخفاء القسم الآخر أو تجاهله. "
36 " الإنسان الذي غرست أنظمة القمع خوفًا عريقًا في نفسه يشجع كل من حوله على التطاول عليه .. "
37 " كان وسيكون موضوع الدراما الوحيد : الانسان في صراعه مع قدره ... ولقد كان الصراع في الأزمان الماضية مع الالهة ، ولكنه الان صراع الانسان مع نفسه ، مع ماضيه، مع محاولته للانتماء "
38 " و المفوهون هو كل الذين يلفظون الكلام و لا يقولونه,و من ثم فهم أيضا رجال الدين في المناسبات الاجتماعية و خطباء المساجد الذين يكررون كلاما قيل قبلهم ملايين المرات, و لكنهم هنا سلخوا انفسهم نهائيا و عدوا الحفظ قيمة, فهم يرددون أدعية محفوظة و تسابيح معروفة يوحون بها أنهم يقدمون خطابهم. "
39 " لكي تنجح الإبادة يجب أن تتوفر لها أربعة عناصر، أولاً أن يكون منفذوا الإبادة على اقتناع تام بصحة عملهم، وبأنهم يتصفون بالامتياز العنصري والإنساني من غيرهم. ثانياً: أن يكون أمام المنفذين مجموعة تستحق الإبادة [من وجهو نظرهم]. ثالثاً: أن تتوفر الأسلحة القادرة على التنفيذ بالسرعة المطلوبة. رابعاً أن تتم العملية وسط جو سياسي ومعنوي خاص لا يكترث لعملية الإبادة، وإنما يقابل هذه العملية بالتفرج عليها "
40 " إن منفذ التعذيب, بعد شحنه بفكر معين وعواطف وأحقاد خاصة, يشعر بأنه يؤدي خدمة خاصة "للسلطة التي يحترمها أو يخافها أو يهابها" أو للإيديولوجيا التي يؤمن بها. وهذه السلطة, هنا, هي الحكومة أو الشعب أو الحزب أو الطائفة أو الجماعة (الإثنية). (الخصم "الحر" يجب ان يصنف على أن لا إنساني, كما يقول دافيد كوبر في ديالكتيك التحرر, "وغير الإنساني يصبح غير إنسان .. وبهذا يمكن تدميره تدميرا تاما من دون أي احتمال لشعور بالذنب").ويقول سارتر في تقديمه لكتاب فرانز فانون (معذبو الأرض): "لما كان لا يستطيع أحد ان يسلب رزق أخيه أو أن يستعبده أو أن يقتله إلا ويكون قد اقترف جريمة فقد أقروا (يقصد المستعمرين) هذا المبدأ: وهو أن المستعمَر ليس شبيه الإنسان. وعهد إلى قواتنا (يقصد القوة الاستعمارية الأوربية) بمهمة تحويل هذا اليقين المجرد إلى واقع. صدر الأمر بخفض سكان البلاد الملحقة إلى مستوى القرود الراقية من أجل تسويغ أن يعاملهم المستوطن معاملته الدواب. إن العنف الاستعماري لا يريد المحافظة على اخضاع هؤلاء البشر المستعبَدين, وإنما يحاول ان يجردهم من إنسانيتهم". "