2
" _ لكل شعب عبقرياته في التعبير عن الظلم والقمع والاضطهاد , وطرائقه في ابتكار التسميات لرموز القمع وأساليبه , وقد اخترع الناس عندنا كلمة جديدة لوصف النماذج الحديثة من عناصر هذه "الأورطات" الذين يتصرفون وكأن القانون غير موجود إلا للآخرين , وهي كلمة (("الشبّيحة" )). فالشبيحة قادرون على تمرير أي شيء من دون ان تستطيع أية جهة مساءلتهم , وهم بالطبع اتباع , الشبيحة الأتباع المتسلطون باسم نفوذ سيدهم (الخال او المعلم) , وهم يمررون اي شيء لأنهم لا يتعرضون للمساءلة , ولا تتعرض سياراتهم او بيوتهم او اشخاصهم للتفتيش ايضاً , ولذا فإن سياراتهم التي لا تفتش قد تدخل افيوناً او سلاحاً او بضاعة مهربة وربما جواسيس . والطريف ان للكلمة اصولها في لسان العرب , فشبح الشيء مدّه , وشبّح الشيء عرّضه , اي زاده عرضاً , ومشبوح الذراعين عريضهما وواسعهما , وقد اخذها الناس لجعلها تنطبق على تمديد الصلاحيات وتعريضها وتوسيعها . والشبيح هو ذاته البلطجي والمتنمر , ولكن الشبّيح يفعل ذلك كله في العلن , وهو مرتد ملابسه الرسمية , يمارس التهريب والابتزاز (عينك بنت عينك) , وهو مدعوم ومحمي وواثق من أن هذا الدعم يجعله في عصمة , فلا يطاله قانون ولا يجرؤ على مواجهته أو التفكير في محاسبته أحد , ولذلك فهو لا يطيع قانوناً , ولا يأبه لانزعاج أحد أو عرقلة مصالح او مرور او عمل وظيفي .
_ وقد تكون للشبيح صفة رسمية (كأن يكون عنصر مخابرات أو عنصراً في قطعة عسكرية لها موقع خاص في البلد) وقد يدعي هذه الصفة , وقد لا يحتاج الى هذه الصفة أصلاً , يكتفي بكونه واحداً ممن لا يدورون في فلك الخال يخدمه ويلحس صحونه ويستفيد من اسمه في الحياة العامة .
_ والتشبيح كلمة ممتلئة بالمعاني , فهي مزيج من الزعرنة والسلبطة والتبلي , وهي كل ما يقفز فوق القانون علناً , ومن ثم فهي عقلية مثلما هي سلوك . ولذلك قد تجد الشبيحة في المدارس والنقابات والمنظمات ومجلس الشعب ومجلس الوزراء "
― ممدوح عدوان , حيونة الإنسان
15
" أن لا تشعر بالضرب حين تكون حرا ان ترده, انت تشعر به هناك حين يكون عليك فقد ان تتلقاه, ولا حرية لك ولا قدرة لديك على رده, هناك تجارب الإحساس الحقيقي بالضرب, بألم الضرب .. لا مجرد الألم الموضعي للضربة .. إنما بألم الإهانة. حين تحس أن كل ضربة توجه إلى جزء من جسدك توجه معها ضربة أخرى إلى كيانك كله, إلى إحساسك وكرامتك, ضربة ألمها مبرح لأنها تصيب نفسك من الداخل .. الضرب, ذلك النوع من الضرب, حين يتحول المضروب إلى أنقاض إنسان مذعورة, أنقاض تتألم. وبوعي تحس نفسها وهي تتقوض إلى أسفل. وبإرادتها الخانقة تمنع نفسها من أن ترد, ويتحول فيها الضارب إلى أنقاض إنسان من نوع آخر وكأنه إنسان تهدم إلى أعلى, يسعده الألم الذي يحدثه في ابن جنسه, ويستمتع بإرادة. وبإرادة ايضا يقتل الاستجابة البشرية للألم في نفسه فلا يكف إلا ببلوغ ضحيته أبشع درجات التهدم والتقوض, وبلوغه هو أخس مراحل النشوة المجرمة. "
― ممدوح عدوان , حيونة الإنسان