Home > Work > المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات

المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات QUOTES

21 " ليس هناك في العالم كله اليوم انظمة اكثر دهرية في الممارسة والعقيدة من الانظمة العربية. فليس هناك نظام يعتبر ان هدفه هو رفعة الاسلام, او حتى اليوم رفعة العروبة, وفرض الدين الصحيح والقومية الصحيحة ليبرئ ذمته تجاه الله او التاريخ في اليوم الآخر او امام الاجيال القادمة, ويعمل على هذا الاساس, بما في ذلك الدول التي تعتبر الاسلام قانونها.
لكن الدهرية المدفوعة الى اقصاها بقدر ما يزداد فقدانها للفلسفة الانسانوية التي تعمل فيها كمحرك مثالي واخلاقي يحل محل المحرك الديني, تزداد خسة وضعة وتتحول من فلسفة بناءة للحرية والجماعة الى فلسفة للانتهازية والوصولية والانتفاع والفساد والانحلال والاستسلام للاهواء. وليس بين الدنيوي والدني الا خطوة واحدة. وهذه الخطوة ذات نتائج كبيرة. فبسبب النضالات العنيدة في سبيل الحرية والمساواة والعدالة اخذت العلمانية شرعيتها كموجه فلسفي للدولة وللامة. لكنها عندما تصبح اضفاء للشرعية على الاستبداد والظلم واللامساواة والانعزال تتحول الى سلطة تقارب العداء للامة والاستفزاز للجماعة. ومع ذلك, وكما انه ليس هناك مخرج علماني ليس هناك ايضا مخرج ديني. وليس هناك مخرج عقلي. "

برهان غليون , المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات

26 " لا بد من التخلي عن الاعتقاد السائد الذي يرجع الطائفية الى التمايز الثقافي او الديني الموجود في مجتمع من المجتمعات. فهذا التمايز الذي يوجد في كل البلدان يمكن ان يكون اساسا للغنى الثقافي والانصهار كما يمكن ان يكون وسيللة للتفتت. واذا بقينا على هذا الاعتقاد السائد اضطررنا الى البحث عن حلول للمشكلة على المستوى الثقافي وحده وهنا لن تجد اي مخرج على الاطلاق.
فالطائفة الاكبر تميل الى الاعتقاد ان تصفية التميزات الثقافية هو شرط الوصول الى اجماع يخلق الوحدة والانصهار. وتكمن وراء ذلك فكرة ان فقدان الاجماع السياسي مصدره غياب اجماع فكري او ديني بينما العكس تماما هو الصحيح. والبعض يمكن ان يفكر ان هذا وحده يمكن ان يساعدنا على ان ننتقل من الصراع الطائفي الى الصراع الطبقي ويفتح من ثم طريق التغيير والتحول والتقدم. اما الطوائف الصغرى فتميل ايضا, من نفس المنطلق الى تضخيم مشكلة التمايز الثقافي وتأكيدها لتحويلها الى مشكلة هوية شبه قومية مصغرة واداة سياسية وتعويض عن السلطة الفقودة كفردوس. وهذا يعكس في الحقيقة ميل الصراع الاجتماعي في مثل هذا المجتمع بشكل عام الى ان يحافظ على شكله كصراع عصبوي ودائري. "

برهان غليون , المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات

29 " نستطيع ان نقول اكثر من ذلك ان الدولة - الامة اي الدولة القومية فعلا لا يمكن ان تقوم الا اذا كانت دولة تبني شرعيتها على تحقيقها للمطابقة والتماثل الثقافيين للجنس او للعرق. بل على دعوة اجتماعية قابلة للتحقيق ولتقديم الحلول والوسائل الكفيلة بتنظيم الحياة الاجتماعية وتقدم الجماعة. والدولة القومية التي تربط شرعيتها وتقدم شعبها بمجرد كونها مطابقة في حدودها لحدود التجانس الثقافي او العرقي, تلغي اسس شرعيتها كدولة, اي كمؤسسة سياسية تتجاوز التمايزات الثقافية والجنسية في المجتمع المدني, ولا تقوم الا بهذا التجاوز. والدولة التي تفترض نفسها الانعكاس المباشر للجماعة. او للمجتمع المدني, هي بالضبط الدولة التي تغطي فشلها السياسي بانغلاقها الثقافي, اي تغطي عجزها عن ان تكون سلطة فوق المجتمع المدني بتسمية نفسها دولة الشعب, وبالانخراط في المجتمع المدني نفسه وفي تناقضاته. وذلك بدل الارتفاع الى المستوى الذي يسمح بحل هذه التناقضات وتسويتها. "

برهان غليون , المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات

31 " لكن هذه المطابقة الثقافية التي تتولد كمسعى لتحقيق اجماع قومي من نمط ثقافي ليست الاجماع الديني الذي كانت تعرفه الدولة التقليدية .. فالمطابقة لا تحدث الا في اطار الدولة الحديثة كعملية اعادة تثمير سياسي للاجماع الديني الماضي. لان نشوؤ الدولة الحديثة يحطم اساسا قاعدة الاجماع القومي الثقافي القائم على استقلالية المجتمع المدني وهامشية الدولة. لذلك تجعل المطابقة التعصب بينما يقوم الاجماع الديني على وجود اغلبية اجتماعية ثقافية, ويقبل الاختلاف والاجتهاد ويرفض التماثل والسديمية. وهو اجماع قابل للتغير والتبدل مع تغير الظروف. ولا ينكص الدين الى حالة تعصبية الا عندما يؤدي التطور الاقتصادي والتفاوت الشديد بين الطبقات الى تحطيم وحدة العقيدة والتهديد بفقدان القدرة على انجاب اجماع قومي ثقافي. عندئد يغلق الاجتهاد وتحاول الجماعة ان تحفظ مظاهر الاجماع دون ان تصل الى تحقيقه فعلا. وعند ذلك تبدأ حقبة الاستبداد الحقيقي وتظهر امكانية تكوين سلطة مطلقة وفردية خارجة عن رقابة الجماعة والعلماء معا. "

برهان غليون , المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات

33 " ان ميل الاقليات لدعم دولة علمانية يلتقي مع رغبة النخبة في ابعاد الجمهور عن السياسة والسلطة. وهو لا يتناقض ابدا مع محافظتها على هويتها الدينية او الاقوامية ولكنه يظهر كضامن لهما. بينما تشعر الاغلبية انها فقدت فيه الكثير. هكذا تتهم الاغلبية الاسلامية الاقليات بالتحالف مع الخارج, او مع السلطة العصرية المحلية بهدف خدمة مصالحها الخاصة. ومن المؤكد ان هذه الصورة العامة تحتاج الى التعديل. فمن الجانب غير المسلم كما من الجانب المسلم هناك الكثير من اصحاب التفكير الحر الذين يشعرون انهم تجاوزوا نهائيا هذه الحساسيات وانهم يتفهمون مواقف البعض اواعتراضات الاخرين ويسلكون تجاههم سلوكا يتسم بالالتزام القومي وبالحرص على الوحدة وتجاوز الاختلاف. ومع ذلك فهذا لا يغير شيئا من حقيقة المشكلة. فالأمة لا يكونها القلة من اصحاب التفكير الحر, ولكنها تتكون من الاغلبية التي ما تزال في وعيها حبيسة "الاحكام المسبقة" المتبادلة في هذا الموضوع, اي انها تميل الى ردود الافعال الطائفية التي تعكس تفوق الالتزام بمصالح الجماعة الدينية او الاقوامية على المصالح الطبقية او القومية. "

برهان غليون , المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات

36 " بقدر ما خلقت الدولة الحديثة الجنسية اغلبية اجتماعية مستبعدة من السلطة, دفعت هذه الاغلبية الى البحث عن وحدتها خارج الدولة الحديثة, اي في الدين. ولاول مرة في التاريخ تظهر اليوم امكانية نشوء دولة جنسية (قومية) اسلامية. اول مرة لان الدولة الاسلامية القديمة كانت في الواقع دولة امبراطورية تجمع مختلف الاجناس وكان الاجماع الديني وسيلة لتحقيق اجماع سياسي, اما الآن فان الاجماع السياسي ووحدة فئات وطبقات الامة هو الذي يفرض نفسه كقاعدة للاجماع الديني, اي لتحقيق الهوية الثقافية وصيانتها. الشرعية الحقيقية الاساسية لهذه الدولة هي اذن في معاداتها للتغريب وللنفوذ الاجنبي وضياع الهوية, وهذا ما يجعلها تفقد القدرة على بناء هوية جديدة, اي واقعة اجتماعية جديدة لا يمكن تحقيقها الا في اخضاع الماهية للوجود, وبلورة اجماع سياسي. وما دام من غير الممكن الوصول الى هذا الاجماع فان اثارة مسألة الاقليات الدينية لا بد وان تتدعم بمسألة الاقليات الاقوامية ايضا. ان ما سيميز المرحلة القادمة هو فقدان الاجماع الثقافي والسياسي معا, وهذا يعني قدوم مرحلة من الصراع الاجتماعي والثقافي والسياسي العنيف والدائم حتى تخرج الى الوجود حقيقة جديدة: نمط جديد لتنظيم العلاقات الاجتماعية ولتوزيع الثروة. "

برهان غليون , المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات

39 " الجماعة تتكون من قوى اجتماعية وسياسية وثقافية متعددة ومتعارضة بالضرورة والا لما كان هناك حاجة لا للسياسة ولا الثقافة. وبقدر ما تستطيع الجماعة ان تجد حلولا للتناقضات التي تختمر في حجرها, تستطيع ان تقيم وحدتها السياسية والثقافية. لكن هذه الحلول ليست متماثلة دائما. فيمكن لوحدة الجماعة ان تستند الى غلبة فئة على الفئات الاخرى. واكثر الاشكال تجسيدا لذلك هو الحكم الاجنبي. وآلية الاستعمار الاجنبي والاستعمار الداخلي واحدة في الحقيقة. الا ان هذه الوحدة المفروضة بالغلبة لا تستطيع ان تقاوم المعارضة الداخلية الى ما لا نهاية, واذا حدث ونجحت في مقاومتها هذه فرضت على الجماعة التقهقر الكامل والفناء. والجماعة التي تستطيع ان تقيم وحدتها على اجماع قومي يعكس قبول الاغلبية للسلطة القائمة وانتمائها الطوعي للقيم الثقافية السائدة هي التي تتحول الى امة, حيث تتوثق وتتعمق روابط الجماعة السياسية والثقافية ويتغلب عامل التضامن والتكاتف الداخلي على عامل التفرقة والانقسام والمواجهة. وجوهر هذا الاجماع ثقافيا كان ام سياسيا هو اشراك الاغلبية في السلطة, اي في صياغة القرارات التي تتعلق بمصلحة الجماعة ككل. ويزول الاجماع بزوال المشاركة وبظهور الاستبعاد الثقافي او السياسي. ونوع هذا الاستبعاد للفئات المكونة للجماعة هو الذي يحدد شكل الاستبعاد القائم. "

برهان غليون , المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات