Home > Work > الإمتاع والمؤانسة

الإمتاع والمؤانسة QUOTES

28 " وربّما قال بعض المتكلّفين: قد قال بعض السلف ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة، ولا من ترك الآخرة للدنيا ولكنّ خيركم من أخذ من هذه وهذه. وهذا كلام مقبول الظاهر موقوف الباطن. وربما قال آخر من المتقدمين: (اعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا، واعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدا). وهذا أيضا كلام منمّق، لا يرجع إلى معنى محقّق، أين هو من قول المسيح- عليه السّلام- حين قال: الدنيا والآخرة كالمشرق والمغرب متى بعد أحدكم من أحدهما قرب من الآخر، ومتى قرب من أحدهما بعد من الآخر. وأين هو من قول الآخر: الدنيا والآخرة ضرّتان، متى أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى، ومتى أسخطت إحداهما أرضيت الأخرى. وهذا لأنّ الإنسان صغير الحجم، ضعيف الحول، لا يستطيع أن يجمع بين شهواته وأخذ حظوظ بدنه وإدراك إرادته، وبين السعي في طلب المنزلة عند ربّه بأداء فرائضه، والقيام بوظائفه، والثبات على حدود أمره ونهيه. فإن صفق وجهه وقال: نعمل تارة لهذه الدار وتارة لتلك الدار، فهذا المذبذب الّذي لا هو من هذه ولا من هذه، ومن تخنّث وتليّث لم يكن رجلا ولا امرأة، ولا يكون أبا ولا أما، وهذا كما نرى. "

أبو حيان التوحيدي , الإمتاع والمؤانسة