Home > Work > اعتقال لحظة هاربة

اعتقال لحظة هاربة QUOTES

7 " . احزري من يتكلم . …
و عرفته …
صوتك الخارج من حقيبة سفر
المرمي من طرف سماعة هاتف
الى طرف جرح قلبي
***
و عرفته …صوتك…
و لم اجرؤ على النطق باسمك
كنت مذعورة و مذهولة
كما يحدث لنا
حين يتحقق حلم الليلة السابقة ..
***
و كنت حلم الليالي كلها
منذ افترست نظراتي
وجهك المفعم بالبراءة الخبيثة
و الشر مقدس النضارة
***
أية لعنة قذفت بك
الى جحيمي؟
اية لعنة
قد تنتزعك من جحيمي؟
و هل كانت صدفة
ان التقينا للمرة الاولى في مطار
و افترقنا كعابرين في قطارين مسرعين
كل منهما متجه الى ناحية معاكسة؟
***
و التقينا و من يومها
اقتادني حبيبي الى الليل
و لم يطلق سراحي ….
***
و افترقنا
و صوتك ذاكرة الايام الآتية
يهمس كنبوءة:
سأراك و سأسمعك و سأحبك…
و قررت
لا أحب ان يعذبك احد سواي
اهذا هو ان احبك؟
لا ادري
لكنني انتظرتك
مثل شجرة وحيدة في جزيرة
تحلم بغريق يحتضر بالقرب منها
ثم ينجو من الموت
و يبقى سجين الشجرة…
***
ذلك اللقاء المختزل في المطار
صرخت بصمت
حين اعلنوا عن اقلاع طائرتك
هات قلبك و اتبعني
هات جرحك و اتبعني
هات جسدك و اتبعني
فقلبي حزين و الليل طويل
و اعرف انك لو تلمسني
سازدهر
مثل شجرة مستها اصابع الربيع
و ساشتعل بالزهر الابيض…
وودعتني بصمت قاتل
كصمت الحديد المصهور
و ببرود الثلج الحارق
و كانت شفافيتك شرسة
كموجة بحر هائلة الابعاد…
همست فقط
ساراك و ساسمعك و ساحبك
و لم اهمس
لا اريد ان يعذبك احد سواي !
و مضيت يا شاردا كالريح
و اخترقتني و لم تخترقني
كسحابة ضباب لا تفارقني …
***
احزري من انا
تظاهرت بانني لم احزر
انك انت الذي
لا اريد ان يعذبه احد سواي!
***
. و لم تسالي عني !.
سالت عنك يا حبيبي
العناوين كلها التي اعرف
سالت عنك فندق الليل
و شارع الامواج
و حانات المغاور
و ازقة الشواطىء كلها
و على شاطىء البحر انتظرتك
و كان راسي ينبض كقلب
و توقعت ان اراك
قادما الى حياتي ( عكس التيار )
***
و سألت عنك الفجر البحري
و النوارس المتناثرة فوق الزرقة الزرقاء
سالت عنك الاسماك
و الاصداف و المرجان و القواقع
سالت عنك
مخلوقات شباك الصيادين
و بحثت عن وقع اقدامك
فوق رمال المد و الجزر
و ناديتك :سعيد من له مرقد قلب في عمرك
يا من تحتلني
و تربط راياتك فوق اعصابي
و ترفع شاراتك
فوق ارض جسدي و انتظاري
و تهوم فوق ليلي
كخفاش اسطوري…
كل اللذين عرفتهم قبلك
شيدوا مدينة عزلتي
التي تفتح لك الان اسواراها
و عمروها حجرا حجرا
و بابا بابا
و قفلا قفلا..
و كنت تبتعد تقترب
تختفي تلوح
و مدينة عزلتي
تنتظرك
لتستيقظ
كما في الاساطير…
و لم احاول ان انسى
ذلك اللقاء
على اجنحة الطائرات
أنساك؟
كمن يحاول حفر نفق في الجبل
بإبرة…
***
و انتظرتك
سالت عنك حديد الكورنيش الصدىء
و قرأت اسمك
مكتوبا بحشائش البحر في القاع
و ناديتك…
و احببتك حبا غير داجن
ينتشر و يتسع
كالنباتات الليلية الملعونة
و صرخت باسمك من قاع الانتظار
و على سطح الماء اتسعت دوائر العنفوان…
و انتظرتك
و فيه كفلاحة و مرهفة كجرح
و متهدجة بحبي غير المحتضر:
لن يعذبك أحد سواي !
***
حتى جاءني صوتك
الهامس الذي يملأ حنجرتي
كالغبار الملون
و اقرر:
لن تعذبك بعد اليوم امرأة سواي! "

غادة السمان , اعتقال لحظة هاربة

11 " تحبني ؟
إذن أنت خصمي الوحيد!
***
اذا كنت معي
فأنت ضدي !
***
تحبني ؟
هل تعرف كيف ترتق ثقبا في القلب ؟
و كيف تخيط انابيب الايام الحزينة
النازفة في روحي ؟
و كيف تربط الكمامات
على صرخات بلا افواه في داخلي؟
و هل تقدر على ايقاف احتضار الروح ؟
***
تحبني ؟
اذن انت خصمي الوحيد
و كل خيانة صغيرة
طالما اقترفتها ( سرا )
هي (بروفة) لخيانة الحياة لنا
و كل كذبة صغيرة
هي موت صغير
يذكرني بكذبة الحياة الكبيرة
التي عبثا نبتلعها كل مساء
مع اقراصنا المنومة و المخدرة ...
و كل غلطة صغيرة منك
هي جريمة بحق الفرح
لانك تكشف لي
كم هو هش و زائف
***
تحبني؟
اذن انت خصمي الوحيد...
لكن الألم لقحني
ضد الكلمات الناعمة
العذبة كعذوبة لسان الافعى ...
و صارت لدي مناعة
ضد حبك الخطر...
انا المرأة المصفحة بالكدمات
اتقنت فنون الالم قبل الحب
و اشهد ان هذا الذي يلتمع في يدك
هو نصل خنجر
لا هلال وفاء
فانا ابصر جيدا
لانني مغمضة العينين معك!
***
تحبني ؟
اذن انت خصمي الوحيد
و حين الاطفك
احسني مثل محكوم بالاعدام
يبدي اعجابه بالكرسي الكهربائي
و يغازل حبل المشنقة
ويراقص الجلاد "

غادة السمان , اعتقال لحظة هاربة

13 " اعتقال القاتل و القتيل معا
...ها انا انتهي كالعادة
مع رجلين
احدهما كنت احبه
و الآخر صرت اكرهه
و كلاهما أنت!..
**
لقد انتصب جدار
بيني و (بينكما)
عبثا احطمه
بمعول التفاؤل الزجاجي
***
آه ماذا تقول ( لكما)
من قلبها موجة ملونة
استسلمت لمراكب الرياح النارية
آه ماذا تقول ( لكما)
من نسيت ان الحب
حفنة غبار مضيء
على شاطىء رمال الزمن
عبثا نعتقله بين الأصابع
كطفل بريد امتلاك حفنة رمل في يده...
و لأنه يشدد قبضته عليها
تنزلق من بين تنهدات اصابعه...
***
و ها انا انتهي كالعادة
مع رجلين
رجل خذلني
و رجل خذلته
و كلاهما انت ...
رجل قتلني
و رجل قتلته
و كلاهما انت
رجل احببته
و رجل كرهته
و كلاهما انت
***
و ها انا من جديد
وحيدة و معزولة
و يتدفق من عروقي
دم اخضر
كنزف غابات تتوجع
على امتداد الافق
دونما نهاية ...
و عبثا اعمر بيت سكيني
بهدوء النملة
و عبثا الملم ذاتي الممزقة ( بينكما)
***
.. و ها انا انتهي كالعادة
مع رجلين
احدهما كنت احبه
و الآخر صرت اكرهه
و كلاهما انت!..
***
اطوف في خرائب حبنا
و الزمن كلب يعوي في اثري
و يطاردني ناهشا اطراف ذاكرتي...
و البلابل المعدنية
تزعق بحناجرها النارية المنصهرة
و الفرح يولي الادبار ..
و اكاد اعلق في صنارة الشوق
و اتدلى منها في شحوب الغابة
مثل مشنوق على شجرة الفجر
***
و تطلع الي من رئتي
فيموت الانتحار منتحرا!..
***
لكن نجوم النسيان الخضراء
تسارع لتنبت بارضي المحروقة
و اخلعك عني
كما تخلع الافعى ما كان بعضها
و انضوك عني
كما ينضو الجريح كفنه وقت الغروب
ليرتدي شمس الغد
***
وداعا لرعبي من عذوبة احدكما
و شراسة الآخر ...
وداعا لسحر احدكما
لمسة الموت الخاطف للآخر!
***
وداعا حنان الدفء الربيعي
يعقبه العنف الصقيعي البارد
و عنف المناخات اللانسانية
و الصمت المشحون العدواني
الصمت الصراخي الفتاك
وداعا ايها السيدان معا: القتيل و القاتل .... "

غادة السمان , اعتقال لحظة هاربة