Home > Author > غادة السمان >

" . احزري من يتكلم . …
و عرفته …
صوتك الخارج من حقيبة سفر
المرمي من طرف سماعة هاتف
الى طرف جرح قلبي
***
و عرفته …صوتك…
و لم اجرؤ على النطق باسمك
كنت مذعورة و مذهولة
كما يحدث لنا
حين يتحقق حلم الليلة السابقة ..
***
و كنت حلم الليالي كلها
منذ افترست نظراتي
وجهك المفعم بالبراءة الخبيثة
و الشر مقدس النضارة
***
أية لعنة قذفت بك
الى جحيمي؟
اية لعنة
قد تنتزعك من جحيمي؟
و هل كانت صدفة
ان التقينا للمرة الاولى في مطار
و افترقنا كعابرين في قطارين مسرعين
كل منهما متجه الى ناحية معاكسة؟
***
و التقينا و من يومها
اقتادني حبيبي الى الليل
و لم يطلق سراحي ….
***
و افترقنا
و صوتك ذاكرة الايام الآتية
يهمس كنبوءة:
سأراك و سأسمعك و سأحبك…
و قررت
لا أحب ان يعذبك احد سواي
اهذا هو ان احبك؟
لا ادري
لكنني انتظرتك
مثل شجرة وحيدة في جزيرة
تحلم بغريق يحتضر بالقرب منها
ثم ينجو من الموت
و يبقى سجين الشجرة…
***
ذلك اللقاء المختزل في المطار
صرخت بصمت
حين اعلنوا عن اقلاع طائرتك
هات قلبك و اتبعني
هات جرحك و اتبعني
هات جسدك و اتبعني
فقلبي حزين و الليل طويل
و اعرف انك لو تلمسني
سازدهر
مثل شجرة مستها اصابع الربيع
و ساشتعل بالزهر الابيض…
وودعتني بصمت قاتل
كصمت الحديد المصهور
و ببرود الثلج الحارق
و كانت شفافيتك شرسة
كموجة بحر هائلة الابعاد…
همست فقط
ساراك و ساسمعك و ساحبك
و لم اهمس
لا اريد ان يعذبك احد سواي !
و مضيت يا شاردا كالريح
و اخترقتني و لم تخترقني
كسحابة ضباب لا تفارقني …
***
احزري من انا
تظاهرت بانني لم احزر
انك انت الذي
لا اريد ان يعذبه احد سواي!
***
. و لم تسالي عني !.
سالت عنك يا حبيبي
العناوين كلها التي اعرف
سالت عنك فندق الليل
و شارع الامواج
و حانات المغاور
و ازقة الشواطىء كلها
و على شاطىء البحر انتظرتك
و كان راسي ينبض كقلب
و توقعت ان اراك
قادما الى حياتي ( عكس التيار )
***
و سألت عنك الفجر البحري
و النوارس المتناثرة فوق الزرقة الزرقاء
سالت عنك الاسماك
و الاصداف و المرجان و القواقع
سالت عنك
مخلوقات شباك الصيادين
و بحثت عن وقع اقدامك
فوق رمال المد و الجزر
و ناديتك :سعيد من له مرقد قلب في عمرك
يا من تحتلني
و تربط راياتك فوق اعصابي
و ترفع شاراتك
فوق ارض جسدي و انتظاري
و تهوم فوق ليلي
كخفاش اسطوري…
كل اللذين عرفتهم قبلك
شيدوا مدينة عزلتي
التي تفتح لك الان اسواراها
و عمروها حجرا حجرا
و بابا بابا
و قفلا قفلا..
و كنت تبتعد تقترب
تختفي تلوح
و مدينة عزلتي
تنتظرك
لتستيقظ
كما في الاساطير…
و لم احاول ان انسى
ذلك اللقاء
على اجنحة الطائرات
أنساك؟
كمن يحاول حفر نفق في الجبل
بإبرة…
***
و انتظرتك
سالت عنك حديد الكورنيش الصدىء
و قرأت اسمك
مكتوبا بحشائش البحر في القاع
و ناديتك…
و احببتك حبا غير داجن
ينتشر و يتسع
كالنباتات الليلية الملعونة
و صرخت باسمك من قاع الانتظار
و على سطح الماء اتسعت دوائر العنفوان…
و انتظرتك
و فيه كفلاحة و مرهفة كجرح
و متهدجة بحبي غير المحتضر:
لن يعذبك أحد سواي !
***
حتى جاءني صوتك
الهامس الذي يملأ حنجرتي
كالغبار الملون
و اقرر:
لن تعذبك بعد اليوم امرأة سواي! "

غادة السمان , اعتقال لحظة هاربة


Image for Quotes

غادة السمان quote : . احزري من يتكلم . …<br />و عرفته …<br />صوتك الخارج من حقيبة سفر<br />المرمي من طرف سماعة هاتف<br />الى طرف جرح قلبي<br />***<br />و عرفته …صوتك…<br />و لم اجرؤ على النطق باسمك<br />كنت مذعورة و مذهولة<br />كما يحدث لنا <br />حين يتحقق حلم الليلة السابقة ..<br />***<br />و كنت حلم الليالي كلها<br />منذ افترست نظراتي <br />وجهك المفعم بالبراءة الخبيثة <br />و الشر مقدس النضارة<br />***<br />أية لعنة قذفت بك<br />الى جحيمي؟<br />اية لعنة<br />قد تنتزعك من جحيمي؟<br />و هل كانت صدفة <br />ان التقينا للمرة الاولى في مطار<br />و افترقنا كعابرين في قطارين مسرعين<br />كل منهما متجه الى ناحية معاكسة؟<br />***<br />و التقينا و من يومها<br />اقتادني حبيبي الى الليل <br />و لم يطلق سراحي ….<br />***<br />و افترقنا <br />و صوتك ذاكرة الايام الآتية <br />يهمس كنبوءة:<br />سأراك و سأسمعك و سأحبك…<br />و قررت <br />لا أحب ان يعذبك احد سواي <br />اهذا هو ان احبك؟<br />لا ادري<br />لكنني انتظرتك<br />مثل شجرة وحيدة في جزيرة<br />تحلم بغريق يحتضر بالقرب منها<br />ثم ينجو من الموت<br />و يبقى سجين الشجرة…<br />***<br />ذلك اللقاء المختزل في المطار <br />صرخت بصمت<br />حين اعلنوا عن اقلاع طائرتك<br />هات قلبك و اتبعني<br />هات جرحك و اتبعني<br />هات جسدك و اتبعني<br />فقلبي حزين و الليل طويل<br />و اعرف انك لو تلمسني<br />سازدهر <br />مثل شجرة مستها اصابع الربيع<br />و ساشتعل بالزهر الابيض…<br />وودعتني بصمت قاتل <br />كصمت الحديد المصهور<br />و ببرود الثلج الحارق<br />و كانت شفافيتك شرسة<br />كموجة بحر هائلة الابعاد…<br />همست فقط<br />ساراك و ساسمعك و ساحبك<br />و لم اهمس<br />لا اريد ان يعذبك احد سواي !<br />و مضيت يا شاردا كالريح <br />و اخترقتني و لم تخترقني<br />كسحابة ضباب لا تفارقني …<br />***<br />احزري من انا <br />تظاهرت بانني لم احزر<br />انك انت الذي <br />لا اريد ان يعذبه احد سواي!<br />***<br />. و لم تسالي عني !.<br />سالت عنك يا حبيبي<br />العناوين كلها التي اعرف <br />سالت عنك فندق الليل<br />و شارع الامواج<br />و حانات المغاور<br />و ازقة الشواطىء كلها<br />و على شاطىء البحر انتظرتك<br />و كان راسي ينبض كقلب<br />و توقعت ان اراك<br />قادما الى حياتي ( عكس التيار )<br />***<br />و سألت عنك الفجر البحري<br />و النوارس المتناثرة فوق الزرقة الزرقاء <br />سالت عنك الاسماك<br />و الاصداف و المرجان و القواقع<br />سالت عنك<br />مخلوقات شباك الصيادين<br />و بحثت عن وقع اقدامك<br />فوق رمال المد و الجزر<br />و ناديتك :سعيد من له مرقد قلب في عمرك<br />يا من تحتلني<br />و تربط راياتك فوق اعصابي <br />و ترفع شاراتك<br />فوق ارض جسدي و انتظاري <br />و تهوم فوق ليلي <br />كخفاش اسطوري…<br />كل اللذين عرفتهم قبلك<br />شيدوا مدينة عزلتي<br />التي تفتح لك الان اسواراها<br />و عمروها حجرا حجرا<br />و بابا بابا<br />و قفلا قفلا..<br />و كنت تبتعد تقترب<br />تختفي تلوح<br />و مدينة عزلتي<br />تنتظرك<br />لتستيقظ<br />كما في الاساطير…<br />و لم احاول ان انسى <br />ذلك اللقاء <br />على اجنحة الطائرات<br />أنساك؟<br />كمن يحاول حفر نفق في الجبل<br />بإبرة…<br />***<br />و انتظرتك<br />سالت عنك حديد الكورنيش الصدىء<br />و قرأت اسمك<br />مكتوبا بحشائش البحر في القاع<br />و ناديتك…<br />و احببتك حبا غير داجن<br />ينتشر و يتسع<br />كالنباتات الليلية الملعونة <br />و صرخت باسمك من قاع الانتظار <br />و على سطح الماء اتسعت دوائر العنفوان…<br />و انتظرتك<br />و فيه كفلاحة و مرهفة كجرح<br />و متهدجة بحبي غير المحتضر:<br />لن يعذبك أحد سواي !<br />***<br />حتى جاءني صوتك<br />الهامس الذي يملأ حنجرتي<br />كالغبار الملون<br />و اقرر:<br />لن تعذبك بعد اليوم امرأة سواي!