" . احزري من يتكلم . …
و عرفته …
صوتك الخارج من حقيبة سفر
المرمي من طرف سماعة هاتف
الى طرف جرح قلبي
***
و عرفته …صوتك…
و لم اجرؤ على النطق باسمك
كنت مذعورة و مذهولة
كما يحدث لنا
حين يتحقق حلم الليلة السابقة ..
***
و كنت حلم الليالي كلها
منذ افترست نظراتي
وجهك المفعم بالبراءة الخبيثة
و الشر مقدس النضارة
***
أية لعنة قذفت بك
الى جحيمي؟
اية لعنة
قد تنتزعك من جحيمي؟
و هل كانت صدفة
ان التقينا للمرة الاولى في مطار
و افترقنا كعابرين في قطارين مسرعين
كل منهما متجه الى ناحية معاكسة؟
***
و التقينا و من يومها
اقتادني حبيبي الى الليل
و لم يطلق سراحي ….
***
و افترقنا
و صوتك ذاكرة الايام الآتية
يهمس كنبوءة:
سأراك و سأسمعك و سأحبك…
و قررت
لا أحب ان يعذبك احد سواي
اهذا هو ان احبك؟
لا ادري
لكنني انتظرتك
مثل شجرة وحيدة في جزيرة
تحلم بغريق يحتضر بالقرب منها
ثم ينجو من الموت
و يبقى سجين الشجرة…
***
ذلك اللقاء المختزل في المطار
صرخت بصمت
حين اعلنوا عن اقلاع طائرتك
هات قلبك و اتبعني
هات جرحك و اتبعني
هات جسدك و اتبعني
فقلبي حزين و الليل طويل
و اعرف انك لو تلمسني
سازدهر
مثل شجرة مستها اصابع الربيع
و ساشتعل بالزهر الابيض…
وودعتني بصمت قاتل
كصمت الحديد المصهور
و ببرود الثلج الحارق
و كانت شفافيتك شرسة
كموجة بحر هائلة الابعاد…
همست فقط
ساراك و ساسمعك و ساحبك
و لم اهمس
لا اريد ان يعذبك احد سواي !
و مضيت يا شاردا كالريح
و اخترقتني و لم تخترقني
كسحابة ضباب لا تفارقني …
***
احزري من انا
تظاهرت بانني لم احزر
انك انت الذي
لا اريد ان يعذبه احد سواي!
***
. و لم تسالي عني !.
سالت عنك يا حبيبي
العناوين كلها التي اعرف
سالت عنك فندق الليل
و شارع الامواج
و حانات المغاور
و ازقة الشواطىء كلها
و على شاطىء البحر انتظرتك
و كان راسي ينبض كقلب
و توقعت ان اراك
قادما الى حياتي ( عكس التيار )
***
و سألت عنك الفجر البحري
و النوارس المتناثرة فوق الزرقة الزرقاء
سالت عنك الاسماك
و الاصداف و المرجان و القواقع
سالت عنك
مخلوقات شباك الصيادين
و بحثت عن وقع اقدامك
فوق رمال المد و الجزر
و ناديتك :سعيد من له مرقد قلب في عمرك
يا من تحتلني
و تربط راياتك فوق اعصابي
و ترفع شاراتك
فوق ارض جسدي و انتظاري
و تهوم فوق ليلي
كخفاش اسطوري…
كل اللذين عرفتهم قبلك
شيدوا مدينة عزلتي
التي تفتح لك الان اسواراها
و عمروها حجرا حجرا
و بابا بابا
و قفلا قفلا..
و كنت تبتعد تقترب
تختفي تلوح
و مدينة عزلتي
تنتظرك
لتستيقظ
كما في الاساطير…
و لم احاول ان انسى
ذلك اللقاء
على اجنحة الطائرات
أنساك؟
كمن يحاول حفر نفق في الجبل
بإبرة…
***
و انتظرتك
سالت عنك حديد الكورنيش الصدىء
و قرأت اسمك
مكتوبا بحشائش البحر في القاع
و ناديتك…
و احببتك حبا غير داجن
ينتشر و يتسع
كالنباتات الليلية الملعونة
و صرخت باسمك من قاع الانتظار
و على سطح الماء اتسعت دوائر العنفوان…
و انتظرتك
و فيه كفلاحة و مرهفة كجرح
و متهدجة بحبي غير المحتضر:
لن يعذبك أحد سواي !
***
حتى جاءني صوتك
الهامس الذي يملأ حنجرتي
كالغبار الملون
و اقرر:
لن تعذبك بعد اليوم امرأة سواي! "
― غادة السمان , اعتقال لحظة هاربة