Home > Work > حديث القمر
61 " وآه إن في " ضمير الطبيعة " وفي المعنى المستتر في الهاء والياء لسراً من الحب تتجدد في الناس معانيه المُعضِلة كان فيه حياة غريبة تغذوه بتلك المعاني، فهو في علم الروح كالروح نفسها في علم الإنسان "
― مصطفى صادق الرافعي , حديث القمر
62 " وكما أن العصفور الصغير في ريشه اللين يكاد لخفته يكون روح الهواء الذي يحيط بالأرض، كذلك تكاد المرأة الجميلة في وَشْييها الناعم تكون روحَ العالم الذي تحيط به الأرض، وكل شيء في الطبيعة يجعله الناس من المسائل النظرية التي يختلفون فيها لأنها موضع الرأي، إلا جمال المرأة الرائعة الجمال، فهو وحده قاعدة التسليم في القلب الإنساني على الإطلاق، ويكاد الوجه الجميل يكون في بعض معانيه وجهاً حسناً للتوفيق بين الإيمان والإلحاد.والفكر نفسه يكون في كثير من الأشياء الجميلة أجمل منها لأنه روحها غير محدود في نفسه بالنظر ولا بالصفة الجميلة التي يحدُّها النظر، إلا الفكرَ في الحبيبة الحسناء، فإنها دائماً أجمل منه لأنها روحه ولأن هذا الفكر مهما اتسع لا يجد نفسه إلا محدوداً بجمالها. "
63 " لا مفر للخلق من العبودية ؛ وأنّى لهم المفر والسماء فوقهم والشرائع تحتَ السماء والقوانين تحت الشرائع والرذائل تحت القوانين والوحشية تحت الرذائل "
64 " ولي صديق فيلسوف يضحك عاليا ملء فمه حتى ليخيل إلي أنه ولد في يوم رعد قاصف .وذلك كلما حدّث عن صاحب له واعده يوماً أن يوافيه في ساعة معينة , ثم وافاه الفيلسوف وقد مرّت الساعة ولحقت بها أختها، فقال صاحبه متململا : أو ليس . . . ؟فقطع عليه صاحبنا ما وراء السين وقال: دعني من اسم هذا الفعل الناقص وخبره, حينما يحرص الزمن على أن لا يخطىء في حسابنا نحرص على أن لا نخطئ في حسابه ! "
65 " لا مفر للخلق من العبودية، و أنى لهم المفر و السماء فوقهم و الشرائع تحت السماء و القوانين تحت الشرائع و الرذائل تحت القوانين و الوحشية تحت الرذائل؟ فويل للمستضعفين الذين يفرون من كل فرجة بين المخالب و الأنياب و فى أرجلهم القيود الثقيلة، و ويل للإنسان الذى لا يكتفى بالله فى سمائه حتى يستعبد لصفاته فى أهل الأرض؛ فالجبروت فى الملوك و الكبرياء فى الحكام، و التقديس فى القوانين عادلة و ظالمة، و العزة فى القوة و ماذا بقى لله ويحك؟ "
66 " فمن لم يدرس طبائع القلوب المتوهجة في أنفاس أهلها لا يعلم قلبه شيئاً وإن كان رأسه مكتبة من العلوم. ومتى كان القلب جاهلاً بقي الإنسان بعلومه كأنه قطعة في أداة هذه الطبيعة : كلُّ شأنها أن تحرك بعضها وتتحرك ببعضها، وفَقَد السلطانَ الحقيقي على الطبيعة نفسها، هذا السلطان لا يكون بالقوة التي هي غاية العلم، فالطبيعة على كل حالة أقوى، ولا يكون بالتسخير الذي هو غاية العمل، فالطبيعة حرة لا تذل، أبيّة لا تخضع، وإن ظهرت عليه الذلة والمسكنة فذلك في نظر الإنسان واعتداده ليس غير. "
67 " آه! ليت الهواء الذي تتناثر فيه قبل الحسناء، وليت نسيم الصبح الذي يحمل إلى الغيب أحلامها- مما يمكن أن يُحرزَ ويُدّخر، إذن لكان في الحب شيء أسمى من الخلود نفسه، ولكن هيهات هيهات! فما رأيت كالمحب لا يملك من الماضي إلا ذاكرته، وهي مع ذلك تردُّ عليه لذَّات الماضي كلها حســــرات! وإن الظفر بزهرة ناضرة معقودة في غصن قد ذوى وتحاتَّ ورقه لأيسرُ منالاً من بقايا قبلة واحدة في ذاكرة المحب حافظةٌ نضرتها وعطرَها من أنفاس الحبيبة وريقها!هكذا كُتِب على الحب أنه من تولاه فإنه يدعه على حال كأنه فيها روح لا جسم له، فمهما يُصبْ من لذة أو ألم فإنه يتحول معه إلى اللذة والألم جميعاً فيكون ألماً لذيذاً، ومن أجل ذلك خُصَّ المحبون من بين الناس بكثرة الشكوى، لأنهم يستلذون آلامها والعاشق الذي لا يستطيع أن يُنفِّس من شكاته أو لا يجد من يستريح إلى بثِّه لاعجَ الشكوى مما برح به إنما هو في الحقيقة المثال الإنساني الشاذ الذي يمكن أن يتعرض منه العلماء معاني الجنون مع بقاء عقله، فهو المجنون العاقل "
68 " وكأن ليس في الأرض غني عقيم بلغ من الدنيا ومن الكِبر ومن العقم جميعاً، ثم نظر إلى كنوزه العريضة ونظر معها إلى طفل يلعب في بيت رجل فقير ويملؤه الضحك فعرف من هذه الحقيقة الحية مقدار ذلك الوهم الميت الذي يسميه الغنى وكأن ليس في الأرض رجل ذكي عبقري لا يملك إلا عقله وهمة نفسه وهو مع ذلك لا يسرُّه أن تكون له بهما كنوز فَدمٍ غبي له من المال وبلادة العقل وصغر النفس مقادير يوازن بعضها بعضاً، وكأن ليس في الأرض محب دَنف يهوى غادة فاتنة وقد عرف ما هو الغنى في اصطلاح القلب كما عرفه الذكي في اصطلاح العقل وكما عرفه العقيم في اصطلاح النفس.إن الطبيب الحكيم لا يجاري العليل ولكنه ينظر إلى العلة، وإن الله سبحانه وله العزة لا يبالي باصطلاح الناس ولكنه ينظر مصلحتهم حين يعطي ويمنع، فليس في الأرض فقير قط إلا عند نفسه، ولو اطَّلع كل إنسان على الغيب لما اختار إلا ما هو فيه. "
69 " يريد الملحد أن لا يقر بشيء يسمى فلسفة النفس أو يسمى ديناً، لأن الحرفين مترادفان، ثم أنت تراه يُخرِج لك من رأيه ما يريد أن يجعله حقيقة لهذه الفلسفة التي أنكرها "
70 " يا شقاء الإنسان وويله ! إذ يرسل الله على قلبه شعاع الرحمة والإيمان ةيأبى من غلبت عليه شقاوته إلا أن يضرم من هذا الشعاع الإلهي ناراً يُنضج بها غذاء شهوته ويطيبه ولا يزال يحتطب لها من كُل خبث جاف حتى تراه كأنه قدر تئز أزيزاً وكأنه في باطنه شظية من جهنم يسطع وهجها في عينيه "
71 " يجد الإنسان من المال والمتاع ما يبذله ثمناً للدنيا فـ يحوزها ولا يجد ثمن الصديق إلا أن يبذل له ذات نفسه ! "
72 " البَلاغةُ التي حارَ في تعريفِها العلماءُ على كثرةِ ما خَلَطوا لا تعدو كلمتيْن: قوّةَ التصَوُّرِ، والقوّةَ على ضبطِ النسبةِ بينَ الخيالِ والحقيقةِ، وهما صفتان من قُوَى الخلْق تقابِلان الإبداعَ والنظامَ في الطبيعة "
73 " ولو سألت تاريخ النفس الإنسانية عن كل أمر عسير مُشكل ثم سألتها عما هي المرأة الجميلة، لأصبت لكل سؤال جواباً يحسن السكوت عليه ولو تسامحاً، إلا جواب هذا السؤال فإن المرأة الجميلة هي يفهمه كل إنسان منها بنفسه، لأن الجمال المتسلط بطبعه والحب الخاضع بطبعه، قد جعلاها في الطبيعة تعريف نفسها! "
74 " ها أنتِ اليوم يا زينة الآمال كالباب المهدوم بين الماضي الذي كان قصراً وبين المستقبل الذي هو من أنقاض هذا القصر، فما يرى الناظر من هذا الباب إلا كيف تنهدمُ الحياة وكيف يثور غبارها "
75 " إني أرى العبودية لله وحده؛ فإنما هي فكر الروح في مبدئها واتصالها به، وإن كان في الأرض عبودية شريفة فهي للحب وحده، وإنما هي فكر القلب في مرجعه واتصاله به. فإن العبودية للحب الصحيح هي مبدأ العبودية الصحيحة لله.(بتصرف) "
76 " و لعل عين الإنسان مُلئت بالدموع من أصل الفطرة لتكون منها خنادق مستفيضه حول الروح فلا يقتحمها الفكر و لا يرى أبداً إلا ظاهرها , و لولا ذلك لما بقيت الروح من أمر الله. "
77 " ومن نكد الدنيا أنك لا تزال ترى المصلحين حيث ترى نفسك لا تفقدهم في مكان، ثم لا يزيد الأمر معهم إلا فساداً لأنهم مصلحون بالتشبه والتقليد أو بقوة الإرادة أو بإرادة القوة، وإن أحدهم ليريد أن يكون مصلحاً فيكون، ثم يبتغي أن يعمل عمل المصلحين فلا يبرح يبحث عن الفساد حتى يجده أو يُوجده، ثم لا يتخذ من ما يتخذ الأطباء في تجاربهم من العقاقير، فيسحق طائفة ويمزج طائفة ويذيب طائفة، كل هذا والشعب يقيه بنفسه من التلوُّث بالقذر كالبذلة في نطاق المتبذل، وهو دائب على أمره حتى تسفر التجربة عن مزيج ينظر فيه فيعرف من النظرة الأولى أنه عرقُ الخيبة التي تفصَّدت به من طول ما أجهدها في عمله "
78 " أولا ترى أن أجمل ما في الديانات والشرائع قد تحول إلى حجارة البيع والصوامع والمساجد والأضرحة والحبوس وكثير من مثلها حتى صارت هذه الأبنية تُفهِم الناس من ضروب المعاني أكثر مما تفهمهم الكتب السواوية في الأرض، والأرضية في السماء. "
79 " هموم العيش لا تُميت من عواطف القلوب إلا تلك التي لا تعرف كيف تستمد الحياة من روح الطبيعة، "
80 " البلاغة التي حار العلماء في تعريفها على كثرة ما خلَّطوا لا تعدو كلمتين: قوة التصور، والقوة على ضبط النسبة بين الخيال والحقيقة؛ وهما صِفتان من قُوى الخلق تقابلان الإبداع والنظام في الطبيعة، "