Home > Work > بسبب غيمة على الأرجح
1 " حينَ كُنَّا صغارًا كانَ المطرُ لعبتَنا المفضَّلة. أبي، الفلاَّحُ الفقيرُ، لم يكن معه ثمنُ ألعابٍ، فكُنَّا نلعبُ بأغراضِ الطبيعة. الماءُ والثلجُ والفراشاتُ والغصونُ كانت أغراضَنا. ولم تكن بينَ الأرضِ و بيننا قِسْمَة. "
― وديع سعادة , بسبب غيمة على الأرجح
2 " على زُجاجِ نافذتي أصدقاءُ، لكنَّهُمْ يتموَّهونَ بسُرْعَةٍ كَمَنْ يركضُ في الضبابِ، ثم يتلاشون. "
3 " يمشونَوحينَ يتعبون يفرشون نظرةًوينامون. "
4 " شَعري طويلٌ، وكَكُلِّ الذين ينامونَ يتشعَّثُ في الليل، غير أنِّي أُمَرِّرُ يدي عليه دائمًا ليبقى صديقي. يصبحُ العالمُ أجملَ هكذا، حين يكونُ الشَّعْرُ صديقًا. العالمُ قريبٌ من القلبِ مع الأعضاءِ الصديقة. حينَ تُحِبُّكَ أعضاؤكَ ينقصُ عددُ الأعداء. "
5 " أشمُّ أحيانًا مثلَ هذه الرائحةِ. هؤلاءِ الذينَ غادروني من دونَ أن يطلبوا دمعةً أو كلمةَ وداع. الَّذين انسحبوا بخفَّةٍ من حياتي، كأنَّ ورقةً صغيرةً سقطت في الماء "
6 " جلسَ على الشرفةِ مُحاولاً أن يستعيدَ وجوهًا ليملأَ حواليهِ المقاعدَ الفارغة. "
7 " حينَ نمشي، لا تشعرُ الدروبُ بناوإذا انهمرَ مطرٌ تكونُ في مكانٍ آخرتَدْمَعُ عيونٌ "
8 " كانَ بيننا، ذاتَ يومٍ، قَسَمٌ ألاَّ نفترِقَشرَّعْنا الأبوابَ والنوافذَدَعَوْنا الجيرانَ والمارَّةَ والنسيمَورطوبةَ العُشْبِ كي تدخلَوتتدفَّأَ عندنا،كانَ بيننا قلبُ لَوْزٍاقتسمناهُ على الطريقودخلْنا. "
9 " وحينَ دخَلْنا البحرَنبتَتْ لبعضِنا حراشِفُوبعضُنا تشبَّثَ بالصخورِوصارَ صَدَفًا. "
10 " يُخيَّلُ إليَّ أنَّ الحياةَ صديقٌ صامتٌ، وإذا تَكَلَّمَتْ يُصابُ أحدٌ بالسرطان. "
11 " مَشَى خطوتيْن ولمسَ نبتةً زرعَها البارحةَ خرجَ نَسْغٌ من يديه إلى عروقِها خرجَتْ من عينيه أوراقٌ إلى غصونها وحينَ أرادَ العودة لم يَبْرَحْ مكانَهُ، كانت قدماهُ تحوَّلَتا جذورًا. "
12 " على زجاج نافذتي أصدقاء، لكنهم يتموهون بسرعةٍ كمن يركضُ في الضباب، ثم يتلاشون. أرفعُ قدمي. أضعها على الأريكةِ أمامي، وأتأمّلُ أصابعها الملتوية. تبدو كشجرةِ صنوبر ضربتها الريح سنواتٍ، حتى تيبّست محدودبة. جمودها الآن وصمتها يذكرانني بعمرٍ طويل من الركض والصخب وراء مجهول مخيف. كانت رفيقتي الوحيدة. ولم أكافئها بشيءٍ غيرَ أن أحملها في آخر الليل وأضعها كيفما كان في الفراش، وغالباً ماحرمتها من هذه اللذة البائسة. قدمٌ غريبةُ الإخلاص إلى درجة أنها لم تفارقني ولا يوم. أعرف أقداماً كثيرة ملّت وغادرت أصحابها. انقطعت عنهم بحجة المرض،أو انفصلت فجأة على الطريق. كانت تلك الأقدام تستريح، سوى قدمي ظلّت وفيّة ومنهكة. وهي المتيبسة تقريباً الآن، لاتزال معي، وهذه علامةٌ من علامات القداسة.أٌمرر يدي على هذه القدم وأدغدغ وبرها الناعم. أربت عليها وألاطفها وأتأملها طويلاً. لم أكن صديقها في أي يوم. كنتُ دائماً مستعجلاً وكثير الإزدراء. الآن كأنني أشعرُ بها لأول مرّة. ماذا يفعلُ واحدٌ حين يكتشفُ فجأة أن عاشقة تبعته أربعين عاماً دون أن يدري؟ "
13 " قد يحدث أي شيء بغتة. زيارة غريب، موت صديق، قشعريرة مفاجئة لرجل يمشي في الشارع. هكذا بمحض الصدفة. وحينئذٍ لن يتغير شيء. قد أخرج إلى الشرفة، أُلقي نظرة على حوض الزهور وأدخل من جديد. قد أبتسم وقد لا يتبدّل ملمحٌ في وجهي. وجهي مستدير وجامدٌ كشيء أخذ شكله نهائياً، وأنفي مستدّق قليلاً كمنقادِ طير مقصوص. عيناي سوداوان. وحين أفتح فمي يخرجُ منه لهاثٌ بسيط. ربما أيضاً كلمات قليلة. قليلة وخافتة حتى أنني أحياناً لا أسمعها أنا نفسي. في الواقع ليس عندي أبداً ما أقوله. "
14 " كل شيء هادئ في هذه الغرفة منذ سنوات، وبتُّ أعتقدُ نفسي جداراً وإذا خرجتُ ستهبطُ. "
15 " ذاكَ النهارتحتَ سنديانةِ الساحةظَلَّ فقط مقعدان حجريّان فارغيْن،كانا صامِتَيْنينظران إلى بعضهماويَدْمَعان. "
16 " أربع أو خمس ساعات من الحياة في اليوم تكفي "
17 " كم بقي منهم هؤلاءِ الذين أخذوا أسرارَ الرياحِ وكانوا يعرفونَ نوايا الغيوم؟ "
18 " وأنا.. رجلٌ هادئٌ، حتى أنه بين غرفة النوم والمطبخ يتوقّفُ مراراً ليسهو أو ليستريح. "
19 " اليوم أيضاً سأستريح. يمكنني أن أعيش كل شيء ببهاءٍ كُلّيّ وأنا أجلس هنا على الكنبة أو أتمشى على البلاط وأنظر إلى الجدران. أربع أو خمس ساعات من الحياة في اليوم تكفي. بعد ذلك قد أخرج، أتمشى قليلاً في المدينة، ألتقي أصدقاء بالصدفة. "