Home > Work > فقه السيرة النبوية

فقه السيرة النبوية QUOTES

1 " في أحداث هذا القسم الأخير من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، تلوح قصة الحقيقة الكبرى في هذا الوجود !.. الحقيقة التي يسقط عندها جبروت المتجبرين وعناد الملحدين، وطغيان البغاة و المتألهين. إنها الحقيقة التي تمد صفحة هذا الوجود المائج كله بغاشية الانتهاء و الفناء، وتصبغ الحياة البشرية بصبغة العبودية و الذل لقهار السموات والأرض.
حقيقة تسربل بها ( طوعاً أو كرها ) العصاة و الطائعون، والرؤساء و المتألهون، والرسل و الأنبياء، و المقربون و الأصفياء، والأغنياء والفقراء، ودعاة العلم و الاختراع !..

إنها الحقيقة التي تعلن على مدى الزمان و المكان وفي أذن كل سامع وعقل كل مفكر : أن لا ألوهية إلا لله وحده، وأن لا حاكمية إلا لذاك الذى تفرد بالبقاء، فهو الذي لا مرد لقضائه، ولا حدود لسلطانه، ولا مخرج عن حكمه، ولا غالب على أمره .

أي حقيقة تنطق بهذه الدلالة نطقاً لا لبس فيه ولا غموض أعظم من حقيقة الموت وسكرة الموت إذ قهر الله بهما سكان الدنيا كلها منذ فجر الوجود إلى أن تغيب شمسه؟!..

لقد مر في معبر هذه الدنيا كثير من أولئك المغترين الذين غرقوا في شبر من القوة التي أوتوها، أو العلوم التي فهموها، أو المخترعات التي اكتشفوها، ولكن هذه الحقيقة الكبرى سرعان ما انتشلتهم وألقت بهم في بيداء العبودية وأيقظتهم إلى صحو التذلل لقيوم السموات و الأرض، مالك الملك كله، فقدموا إلى الله عبيداً أذلاء خاضعين.

كل نفس ذائقة الموت !... "

محمد سعيد رمضان البوطي , فقه السيرة النبوية

5 " ولقد كان من اليسير على الله عز وجل أن يجعل مرتبة رسوله صلى الله عليه وسلم فوق مستوى الموت وآلامه، ولكن الحكمة الإلهية شاءت أن يكون قضاء الله تعالى في تجرع هذا الكأس بشدتها وآلامها عاماً لكل أحد مهما كانت درجة قربه من الله جل جلاله، حتى يعيش الناس في معنى التوحيد وحقيقته، وحتى يدركوا جيداً أن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا، فليس لأحد أن يتمطى ليعلو بنفسه على مستوى العبودية بعد أن عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم خاضعاً لحكمها ونزل به قضاؤها، وليس لأحد أن لا يكثر من ذكر الموت وسكرته بعد أن عانى حبيب الله تعالى من برحائها و غشيته آلامها، وهذا المعنى هو ما أوضحه كلام الله جل جلاله :( إنك ميت وإنهم ميتون ) وقوله تعالى :( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون ؟! كل نفس ذائقةالموت ونبلوكم بالشر و الخير فتنة وإلينا ترجعون )

وإذن فنحن في هذا القسم الأخير من سيرته عليه الصلاة و السلام أمام مشهد لحقيقتين هما دعامتا الإيمان بالله عز وجل، بل هما دعامتا الحقيقة الكونية كلها : حقيقة توحيد الله عز وجل، وحقيقة العبودية الشاملة التي فطر الله الناس كلهم عليها ولا تبديل لحكم الله وأمره . "

محمد سعيد رمضان البوطي , فقه السيرة النبوية