Home > Work > الثقافة والمنهج
1 " حياة المرء رحلة استكشاف مستمرة، رحلة نجاح وفشل وتحقق وإحباط، وعلى المرء أن يدرك ذلك، عليه أن يبقي عقله منفتحاً على العالم وعلى تجاربه، يحاول فهمها ثم يتحرك.دائماً أنصح أصدقائي وأبنائي (البيولوجيين وغير البيولوجيين) ألا يحاكموا الماضي وإنما أن يستفيدوا منه وأن يتحركوا في المستقبل، فالمستقبل هو دائماً مجال الحرية، والماضي هو مجال العبرة، وعلى المرء أن يحاول أن يكتشف ما بداخله فإن كان شراً فليحاول فهمه وتقويمه، وإن كان خيراً فليحاول التعبير عنه. "
― عبد الوهاب المسيري , الثقافة والمنهج
2 " المعرفة الإنسانية معرفة مقارنة، فنحن لا نعرف الشيء في حد ذاته، بل نعرفه في علاقته بشيء يشبهه وآخر يختلف عليه. "
3 " من المستحسن بعد مرحلة عمرية معينة ألا يقرأ الإنسان كتابا إلا بحثا عن إجابة لإشكالية فكرية تواجهه, لأن بحر المعرفة لا نهاية له. "
4 " وأعتقد أن النموذج الأكبر (نموذج النماذج إن صح التعبير) هو المفهوم الإسلامي لله وعلاقة الإنسان به، فالله ليس كمثله شيء ولكنه قريب يجيب دعوة الداعي (دون أن يحل فيه)، وهو مفارق تماما للكون (للطبيعة والتاريخ) متسامٍ عليهما، ولكنه لا يتركهما دون عدل أو رحمة، فهو أقرب إلينا من حبل الوريد (دون أن يجري في عروقنا). فثمة مسافة تفصل بين الإله والإنسان والطبيعة، تماماً مثل تلك التي تفصل بين الإنسان والطبيعة. وهذه المسافة حيز إنساني يتحرك الإنسان فيه بقدر كبير من الحرية والإرادة، فهي ضمان استقلال الإنسان عن الإرادة الإلهية بحيث يصبح الإنسان حراً ومسؤولاً من الناحية الأخلاقية، ويصبح له من ثمّ هوية مركبة محددة، ويصبح التاريخ الإنساني مجال حريته واختباره. (من هنا مركزية مفهوم "خاتم المرسلين" باعتباره وعداً من الله عز وجل بأن التاريخ، بعد اكتمال الوحي، هو رقعة الحرية). ولكن المسافة ليست هوّة تعني أن الإله قد هجر الإنسان وتركه في عالم الفوضى والمصادفة، فالله قد أرسل له وحياً في نص مقدس مكتوب، وهو قد كرم الإنسان واستخلفه، ولذا فإن الإنسان يحمل رسالة الإله في الأرض ويحمل الشرارة الإلهية داخله "
5 " الحضارة الغربية ترى الإنسان باعتباره كائناً مادياً. ولا أعني بذلك حب النقود كما يتصور البعض، فالمسألة أبعد ما تكون عن ذلك. فالإنسان المادي في تصوري هو الإنسان الذي يدرك العالم وذاته من خلال حواسه الخمس، ويحدد أهدافه وتطلعاته في هذا الإطار، فهو إنسان غير قادر على تجاوز السقف المادي الذي أطبق عليه، ولذا فمؤشرات التقدم بالنسبة له مادية، والأخلاق هي الأخرى نفعية مادية، وكل ما لا يمكن تفسيره ماديا لا وجود له "
6 " أولى خطوات النهضة هي إعادة الثقة فيما نملك، "
7 " المعرفة الإنسانية في نهاية الأمر معرفة مقارنة، فنحن لا نعرف الشيء في حد ذاته وإنما نعرفه من خلال مقارنته بشيء آخر. "
8 " كثيراً من أمثالي ممن عادوا إلى الإسلام، قد فعلوا ذلك نتيجة لإحساسهم بأن منظومة الحداثة الغربية الداروينية لم تعد قادرة على إدارة المجتمعات الإنسانية، وأنها حولت العالم إلى حلبة صراع بين الحضارات والمجتمعات، وأنها ستودي بنا جميعاً. "
9 " سطوة العلم الطبيعي وعلم التاريخ قد تم تقويضها في الغرب، في حين أن مفسرينا الحرفيين لا يزالون يعيشون في عصر الانبهار بالعلم الطبيعي وبعلم التاريخ، ويتصورون أن هذا هو المدخل الوحيد لدراسة الإنسان، مع أنه من المستحيل تفسير سلوك الإنسان من هذا المنطلق. "
10 " إننا في الإدراك الغربي مجرد شيء قد يصلح للاستخدام أو الاستعمال (والعلمانية كما أعرفها هي تحويل كل شيء إلى مادة استعمالية). "
11 " ولكن الغرب يرفض مثل هذه العلاقة الندية التي تتسم بقدر من العدل والمساواة، ويرى أنه لابد من الهيمنة على العالم العربي. ويعبر هذا الموقف عن نفسه في خريطته الإدراكية التي تتبدى في مصطلحات مثل "الفراغ" الذي كثيراً ما يستخدم للإشارة إلى شرقنا العربي، وكأن وطننا رقعة أرض أو مساحة لا يقطنها شعب عريق له امتداده الحضاري، "
12 " وأعتقد أنه يتحكم في رؤيتنا للعالم مخزوننا الإدراكي المشبع بالهزيمة، لقد قامت المقولات التحليلية الغربية بغزونا منذ نهايات القرن التاسع عشر وأصبحنا ننظر إلى أنفسنا من خلال المقولات الغربية. "
13 " أصبحنا غير قادرين على رصد جوانب التآكل والتراجع في العالم الغربي. "
14 " فالإنسان الذي يقضي ربع حياته أمام التلفاز يمكن تشكيل رؤيته وتطلعاته وأحلامه خاصة بعد هيمنة الصورة على الجميع. "
15 " الانفتاح في المعجم الثقافي العربي يعني الانفتاح على فرنسة وإنجلترة والولايات المتحدة وربما إسبانية وليس على بقية العالم. فالحضارة في تصور الكثيرين تبدأ وتنتهي هناك، وذلك يعود إلى أن تكويننا الثقافي يحدد لنا مجال الرؤية. ولذا نحن لا نعرف الكثير عن التشكيلات الحضارية المختلفة داخل الغرب ذاته، مثل روسية بولندة وأوكرانية، وعدد الذين يعرفون تاريخ اليابان أو الهند وحضارتها يعدون على الأصابع، وينطبق الشيء نفسه على تاريخ الممالك الإفريقية وعلى الدول الإسلامية الآسيوية. "
16 " والظاهرة نفسها تتبدى من خلال مصطلحين شائعين هما "الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية". فهاتان الحربان كانتا عالميتين من منظور الإنسان الغربي وحسب، الذي كان يظن أن أوربة هي العالم (أما ما عدا ذلك فهو أسواق ومستعمرات). فإذا اندلعت نيران الحرب في أوربة فهذا يعني أنها اندلعت في "العالم" بأسره، كما يراه الإنسان الغربي. ويلاحظ استمرار هذا الاستخدام في اصطلاحات مثل "المغني العالمي" خوليو مثلاً، وهي عبارة تعني في واقع الأمر "المغني الإسباني". وحين يقال "يجب أن نرتفع بأدبنا إلى مستوى العالمية" فإن هذا يعني في واقع الأمر "يجب أن نصل إلى المستوى الذي يمكن للغرب أن يفهم أدبنا ويترجمه ويعترف به". والاستخدام نفسها يوجد في مصطلح مثل "الرأي العام العالمي"، "
17 " ويزداد الأمر سوءاً وببغائية حين نتحدث عن "مستوطنات غير شرعية"، وهي ترجمة لعبارة "إليجال ستلمنتسن settlements illegal"، التي تستخدم في الخطاب السياسي الإسرائيلي للإشارة إلى المستوطنات التي تشيد من دون تصريح من الدولة الصهيونية، وكأن هذه الدولة هي صاحبة الحق المطلق فيها، وكأنها لم تغتصب كل هذه الأرض من العرب وكأن المستوطنات الاستعمارية الصهيونية التي شُيدت بتصريح من الدولة الصهيونية وبدعم منها (مستوطنات شرعية)! "
18 " نموذج إمبريالي يرى العالم باعتباره مادة استعمالية، وأن التنافس هو آلية تحريك المجتمع، وأن القوة هي الآلية الوحيدة لحسم أي صراعات ولتسوية أية خلافات، وأن العلاقات الإنسانية لا ينظمها التراحم وإنما التعاقد الصارم. "
19 " يمكن للمفسِّر أن يبحث عن الآية التي تناسبه، متناسياً الآيات الأخرى. فإذا كان عدواً لليهود فإنه كما بعض الإسلاميين، وحتى غير الإسلاميين، يأخذ آية مثل {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ *} [المائدة: 5/82]، وينسى أو يتناسى الآية التي تقول {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ *} [الممتحنة: 60/8] . فاجتزاء النص القرآني، وتفسيره تفسيراً حرفياً، وإنزاله على الواقع، ينم عن عدم احترام للنص القرآني في تركيبيته وتعدد معانيه ودلالالته. "
20 " المفروض حسب منطق العلوم الاجتماعية أن النخبة دائماً مسلحة بمعرفة التاريخ والفلسفة والعالم ولذا فرؤيتها استشرافية ترى الماضي والحاضر والمستقبل، على عكس الجماهير التي تعيش في الحاضر وحسب. ولكننا في العالم العربي نجد موقفاً مختلفاً إذ نجد أن الجماهير بمخزونها الحضاري والديني أدركت عبث تبني منظومة الحداثة المنفصلة عن القيمة والعولمة وما شابه وأدركت مدى خطورتها على الهوية القومية والقيم الإنسانية والأخلاقية والدينية، وعلى الجماهير أن تنتظر حتى تدرك النخبة الحاكمة عبث موقفها ولا حول ولا قوة إلا بالله. "