Home > Work > ظلمات وأشعة
1 " ولكن أيكفي أن نحب شيئاً ليصير لنا؟ "
― مي زيادة , ظلمات وأشعة
2 " وقفت عند كوة الحياة لا أدري لماذا أقف ومن ذا أوقفني هناك .و إذا الناس في السبيل يمرون فأخذت أتفحص الوجوه منهم والحركات لعلي أعثر على مايجعلني مختلفة عنهم وهم مختلفين عني ، ولعلي أدرك ماهذا الذي يطلب مني رغم حداثتي وحيرتي وجهلي وقلة اختباري .فصرت أعجب بالناس و أغبطهم على مالديهم وليس لي أن أفوز بمثله، و أتعزى بمظاهر الكآبة عندهم لتكون تلك المظاهر صلة – ولو واهية – بيني وبينهم، على أني لم أزدد إلا شعوراً بحيرتي وعجزي ، لم أزدد إلا شعوراً بأني خيال لا ضرورة له ازاء تلك الأقوام الفرحة الضاحكة – مع أن هذا الخيال يطلب منه شيء كثير لا يدري ماهو . فظننت لحظة أني وصلت إلى قرارة اليأس و أني شربت كأس المرارة حتى الحثالة .ثم أوحي إليّ بأن هناك وجوداً غير ملموس يدعى السعادة . شعرت باحتياج محرق إلى التعرف إليها والتمتع بها، ففهمت أنه ليس أقسى على النفوس في انفرادها وسكوتها وعجزها عن تلقي ذلك الوحي العنيف والشعور بذلك الاحتياج العميق ... "
3 " سأتصورك عليلا لأشفيك, مصابا لأعزيك,مطرودا مرذولا لأكون لك وطن وأهل وطن, سجينا لأشهدك بأي تهور يجازف الإخلاص, ثم أبصرك متفوقا فريدا لأفاخر بك وأركن اليك .سأتخيل ألف ألف مرة كيف أنت تطرب وكيف تشتاق.سأتخيل ألف ألف مرة الى أي درجة تستطيع أن تقسو والى أي درجة تستطيع أن ترفق لأعرف لأي درجة تستطيع أن تحب.أتعلم أنت الذي لا تعلم؟ أتعلم أنت الذي لا أريد أن تعلم ؟ "
4 " ولا أصدق سوى نظرتي فيك وهي أبرُّ شاهد "
5 " إذا كانت ملاحقة الأوهام والاعتقاد بها تستوجب عقوبة العمى فمن ذا منا يا ترى، من ذا من البشر يا ترى يستحق أن يكون بصيراً؟ "
6 " الرواية اليوم مسهبة كانت أم موجزة، غدت آلة فريدة لنشر الآراء التاريخية والنظريات العلمية والفلسفية فضلًا عن وصف أحوال الشعوب وتسيير الإصلاح الاجتماعي والديني في وجهة "
7 " وعند كل خطوة سؤال للكون: لماذا وجدت النفس الإنسانية كالنحاس المجوف، ترجع لكل صوت يقرعها صدىً رنانًا عميقًا وجيعًا؟ "
8 " وأنت ما لون عينيك، وما معناهما، وإلى أي نقطة بين المرئيات أو وراءها ترميان؟قم إلى مرآتك!وانظر إلي طلسميك السحريين، هل درستهما قبل اليوم؟تفرس في عمق أعماقهما تتبين الذات العلمية التي ترصد حركات الأنام وتسايردورة الأفلاك والأزمنة.في أعماق أعماقهما ترى كل مشهد وكل وجه وكل شيء.وإذا شئت أن تعرفني، أنا المجهولة، تفرس في حدقتيك يجدني نظرك في نظركعلى رغم منك. "
9 " ترى بأي حافظة تذكرين، وبأي ذهن تتأملين؟ إنما علاماتك مداد قد تحجر، وعقربك أصبع يشير إلى علامة يجهل منها المعنى، وأنت آلة ليس إلا، وإن كنت آلة الآلات المثلى. أنت ابنة الزمان الناسي. وأنت مثله لا تذكرين! "
10 " قرب منعطف السبيل عندما تمثلتُ انقضاء الماضي، وجمود الحاضر واستحالة السير إلى الأمام، لم يبق لي سوى اختيار إحدى الميتتين: ميتة طويلة مفعمة بحشرجة القنوط، وميتة الانتحار السريعة المنقذة. "
11 " فلماذا أكون، دون سواي، تلك التي لا وطن لها؟ "
12 " لقد تلبد جو فكري بالغيوم القاتمة. وقلبي — ما لك وله! — منفرد حزين … "
13 " أنت الآملة بكل شيء لأنك يائسة من كل شيء، "
14 " وقفت عند كوة الحياة لا أدري لماذا أقف ومن ذا أوقفني هناك. وإذ بالناس في السبيل يمرون، فأخذت أتفحص الوجوه منهم والحركات؛ لعلِّي أعثر على ما يجعلني مختلفة عنهم وهم مختلفين عني، ولعلِّي أدرك ما هذا الذي يطلب مني رغم حداثتي وحيرتي وجهلي وقلة اختباري. "
15 " أما أنا فلا هذه العطايا تغرني، ولا تلك المواهب تستهويني. شيء واحد تام الجمال، في تقديري، هو ما يشترك في تركيبه قسم كبير من الفكر وقسم أكبر من القلب، شيء واحد ينبه إعجابي، وهو ما كان مترفعًا عن الصغائر والدنايا؛ هو زهرة نادرة المثال، شمس الذكاء والمعرفة تحييها، ومياه العواطف العذبة ترويها.ما أتعس القلب الحساس وما ألينه؛ لاستحكام الجراح في ثنياته! "
16 " من أعماق اللجج إلى أعالي الجبال، من نواة السلب المبعثرة في المادة الخرساء إلى نواة الإيجاب الكامنة في بوارق الكهرباء، من ذرة الرمل إلى الشجرة المزهرة، إلى الهواء الملامس أفنانها، إلى طير سابحات تحت الغمام، إلى فتيت شموسٍ تلبَّد في حضن المجرَّة، إلى أبعادٍ لا يدركها غير الخيال العظيم، إلى ما وراء ذلك من إطار الخليقة السلبي، إلى كل نقطة من كل مسافة في كل مكان من كل زمان في كل أبدية تتموَّج حركة الحياة النضناض متتابعة متقطعة، متفردة متنوِّعة، متظاهرة متوارية، متلاطفة متخاشنة، متمهلة متضاعفة، متشدِّدة متعادلة، أبدية أزلية سرمدية. صوتها العجيب يتراجع من حنجرةٍ إلى حنجرةٍ، ومن أُفقٍ إلى أفقٍ، ومن عالم إلى عالم، ومن سكوت إلى سكوت، مولولًا مع الإعصار، هامسًا مع النسمات، نادبًا مع البحار، مدمدمًا مع العناصر، متمتمًا مع ثلاثمائة ألفٍ من أجناس الحشرات، صامتًا مع جميع المِكروبات والذرات، آجًّا مع المجهولات، ملعلعًا مع الآلات، حافًّا في حفيف الأفلاك، داويًا بجميع أنغامه ونبراته في ملايين الملايين من أصوات الخلائق.تكسونا الحياة كرداءٍ سحري لا تبلى خيوطه، وتحضننا السماء، فنحن فيها مقيمون قبل الحياة وبعد الموت، والجحيم والفردوس في نفوسنا يتناوبان. تغزونا الحياة في الاندحار وفي الانتصار، فنحن أبطالها ونحن ضحاياها، سواء أشئنا أم لم نشأ.ما الأرض والبحار وأبعادُ الأفلاك سوى مدافن دهرية. إنما هي الوقت نفسه معاملُ توليدٍ وتكوين. نحن نخلد الحياة بفنائنا، وهي تُفنينا بخلودها، ونحن أبدًا كذلك حتى تثلج الشموس، وتضمحل قوى العناصر، وتتفكك عرى الأكوان سابحة في الفناء الأنور، في البقاء الأوحد، في حضن الله. "
17 " بين ثانية وثانية يموت أمل ويحيا يأس، "
18 " وأنتم أيها الموتى، أطيارًا كنتم أم بشرًا، ألا تنطقون مرة واحدة لكي تفضوا إلينا بما طوي من الأسرار وراء حجب الردى؟ ألا تهمسون في نفوسنا بالكلمة الأولى من اللغز الأزلي السرمدي الكامن في ضمير الوجود؟ "
19 " وإذا شعرت يومًا بزمهرير البحار المتجلدة يجاور في كياني تأجّج الرمضاء المستعرة، وتلاطم بين جوانحي هبوب الصرصر بلوافح السموم، فما ذلك سوى ثورة جديدة تقوم بها عناصر ذكراي. "
20 " فتاة المستقبل سترجع بعد حين وتضحك من رغبتها قائلة: «إن هذا لجنون!» أما أنا ابنة الحاضر فأعلم منذ الساعة أن تلك الرغبة في النفس الصغيرة المجهولة سوف يثيرها عمل الذكرى التي أدخلتها معبد الأذكار ووضعتها على المذبح حارة تتضوّر وتتأوَّه وتتلوى كالنفس الحائرة بين البقاء والإنتحار. "