Home > Author > مي زيادة >

" من أعماق اللجج إلى أعالي الجبال، من نواة السلب المبعثرة في المادة الخرساء إلى نواة الإيجاب الكامنة في بوارق الكهرباء، من ذرة الرمل إلى الشجرة المزهرة، إلى الهواء الملامس أفنانها، إلى طير سابحات تحت الغمام، إلى فتيت شموسٍ تلبَّد في حضن المجرَّة، إلى أبعادٍ لا يدركها غير الخيال العظيم، إلى ما وراء ذلك من إطار الخليقة السلبي، إلى كل نقطة من كل مسافة في كل مكان من كل زمان في كل أبدية تتموَّج حركة الحياة النضناض متتابعة متقطعة، متفردة متنوِّعة، متظاهرة متوارية، متلاطفة متخاشنة، متمهلة متضاعفة، متشدِّدة متعادلة، أبدية أزلية سرمدية. صوتها العجيب يتراجع من حنجرةٍ إلى حنجرةٍ، ومن أُفقٍ إلى أفقٍ، ومن عالم إلى عالم، ومن سكوت إلى سكوت، مولولًا مع الإعصار، هامسًا مع النسمات، نادبًا مع البحار، مدمدمًا مع العناصر، متمتمًا مع ثلاثمائة ألفٍ من أجناس الحشرات، صامتًا مع جميع المِكروبات والذرات، آجًّا مع المجهولات، ملعلعًا مع الآلات، حافًّا في حفيف الأفلاك، داويًا بجميع أنغامه ونبراته في ملايين الملايين من أصوات الخلائق.

تكسونا الحياة كرداءٍ سحري لا تبلى خيوطه، وتحضننا السماء، فنحن فيها مقيمون قبل الحياة وبعد الموت، والجحيم والفردوس في نفوسنا يتناوبان. تغزونا الحياة في الاندحار وفي الانتصار، فنحن أبطالها ونحن ضحاياها، سواء أشئنا أم لم نشأ.

ما الأرض والبحار وأبعادُ الأفلاك سوى مدافن دهرية. إنما هي الوقت نفسه معاملُ توليدٍ وتكوين. نحن نخلد الحياة بفنائنا، وهي تُفنينا بخلودها، ونحن أبدًا كذلك حتى تثلج الشموس، وتضمحل قوى العناصر، وتتفكك عرى الأكوان سابحة في الفناء الأنور، في البقاء الأوحد، في حضن الله. "

مي زيادة , ظلمات وأشعة


Image for Quotes

مي زيادة quote : من أعماق اللجج إلى أعالي الجبال، من نواة السلب المبعثرة في المادة الخرساء إلى نواة الإيجاب الكامنة في بوارق الكهرباء، من ذرة الرمل إلى الشجرة المزهرة، إلى الهواء الملامس أفنانها، إلى طير سابحات تحت الغمام، إلى فتيت شموسٍ تلبَّد في حضن المجرَّة، إلى أبعادٍ لا يدركها غير الخيال العظيم، إلى ما وراء ذلك من إطار الخليقة السلبي، إلى كل نقطة من كل مسافة في كل مكان من كل زمان في كل أبدية تتموَّج حركة الحياة النضناض متتابعة متقطعة، متفردة متنوِّعة، متظاهرة متوارية، متلاطفة متخاشنة، متمهلة متضاعفة، متشدِّدة متعادلة، أبدية أزلية سرمدية. صوتها العجيب يتراجع من حنجرةٍ إلى حنجرةٍ، ومن أُفقٍ إلى أفقٍ، ومن عالم إلى عالم، ومن سكوت إلى سكوت، مولولًا مع الإعصار، هامسًا مع النسمات، نادبًا مع البحار، مدمدمًا مع العناصر، متمتمًا مع ثلاثمائة ألفٍ من أجناس الحشرات، صامتًا مع جميع المِكروبات والذرات، آجًّا مع المجهولات، ملعلعًا مع الآلات، حافًّا في حفيف الأفلاك، داويًا بجميع أنغامه ونبراته في ملايين الملايين من أصوات الخلائق.<br /><br />تكسونا الحياة كرداءٍ سحري لا تبلى خيوطه، وتحضننا السماء، فنحن فيها مقيمون قبل الحياة وبعد الموت، والجحيم والفردوس في نفوسنا يتناوبان. تغزونا الحياة في الاندحار وفي الانتصار، فنحن أبطالها ونحن ضحاياها، سواء أشئنا أم لم نشأ.<br /><br />ما الأرض والبحار وأبعادُ الأفلاك سوى مدافن دهرية. إنما هي الوقت نفسه معاملُ توليدٍ وتكوين. نحن نخلد الحياة بفنائنا، وهي تُفنينا بخلودها، ونحن أبدًا كذلك حتى تثلج الشموس، وتضمحل قوى العناصر، وتتفكك عرى الأكوان سابحة في الفناء الأنور، في البقاء الأوحد، في حضن الله.