Home > Work > الفردوس المستعار والفردوس المستعاد

الفردوس المستعار والفردوس المستعاد QUOTES

1 " عندما تصير (اللذة) مبدءاً أساسياً في الحياة، وعندما تفسر كل الدوافع، وكل الحوافز، وكل الأفعال، بناء على اللذة والمتعة الحسية بالتحديد.. فالأمر يخرج عن الطبيعي.. إلى ما هو (غير طبيعي)..

وعندما يتحول الأمر من الأفراد (المتفلتين) من عقال سيطرتهم على شهواتهم، ليصير سلوكاً اجتماعياً محبباً ونمطاً من الحياة يلاقي الترويج والتشجيع، فإن الأمر مختلف.. كل الحضارات، على اختلاف هوياتها ومنظومات قيمها، تواجه انهياراً أخلاقياً في أواخر أيامها، تعاني من التفسخ والفساد والترف كونه جزءاً من دورة حياتها الحضارية
(...)

لكن الفرق بين ما نراه اليوم في الفردوس المستعار، وما كان ظاهرة عامة هو أن التحلل الأخلاقي كان مصاحباً لانهيار الحضارات، أي أنه كان عرضاً متأخراً لسرطان مدمر في مراحله المتقدمة.

أما في حضارة الفردوس المستعار، فالتحلل لا علاقة له بانهيار الحضارة، إنه جزء من الحضارة نفسها بالمفهوم الأمريكي، إنه نوع من نمط الحياة.
(...)

هذه المرة، هذا التحلل هو هدف مستقل بحد ذاته، إنه ليس ناتجاً ثانوياً، بل هو شعار الحياة نفسها: المتعة واللذة، والاستمتاع بالحواس وإرضاؤها إلى أقصى حد متخيل .. الآن وهنا .. "

أحمد خيري العمري , الفردوس المستعار والفردوس المستعاد

4 " عندما تخرج من (الآن وهنا)، ستكف التفاصيل عن إلحاحها، وتعود إلى حجمها الطبيعي -وكانت تبدو كبيرة جداً عندما كانت داخل قفص (الآن وهنا)- سترى الصورة، عندما استطعت أن تلحظها من بعيد، خارج القفص، صارت أكثر وضوحاً، وقد كنت ترى الأمور مشوشة بسبب قربك الزائد..

عندما تتسلل من رؤيتك الحبيسة داخل الزمن العابر، سترى بوضوح أكبر كيف يسير الأمر حقاً، سترى الدول التي كنت تراها عظمى داخل قفك، ستراها وهي تحبو وقد نشأت للتو، وسترى دولاً أخرى، لا تكاد تراها مهمة اليوم، وهي (عظمى) و(امبراطوريات) تتصارع فيما بينها على القارات ومقدرات الشعوب.

... سترى دولاً تنشأ، وتزدهر، ثم تذبل، وتنهار، وتحل محلها دول أخرى تمر بالدورة نفسها، نشوءاً وازدهاراً، ذبولاً، وانهياراً..
(...)

سوف تنمو لديك (حاسة تاريخية) تخرج بها من قفص زمانك العابر والقصير، وتمدك عبر الزمان والمكان، لتجعلك ترى بشكل أوضح، وتمنحك رؤية أكثر شولية. سترى كيف أن ما يبدو أنه فردي، وعابر، يمكن أن يؤثر في الجميع فيما بعد، سوف ترى كيف أن الانهيار، يكون مسبوقاً بأفراد يقدمون شهواتهم أو حرياتهم الشخصية أو فرديتهم أو أياً من الشعارات الآنية العابرة على حقوق أممهم، ومجتمعاتهم.. سوف تجعلك حاستك التاريخية لا تنبهر بالزهو والازدهار والبريق الذي يخطف العيون، فأنت تعرف أن كل ذلك آني وعابر، وأنه تكرر عبر التاريخ كله.. "

أحمد خيري العمري , الفردوس المستعار والفردوس المستعاد

9 " وبسبب الحذق الاعلامي المحترف, الذي تمارسه مؤسسات العولمة الاعلامية المتسلطة على وسائل الاعلام بأشكالها كافة, فان شعوب الجنوب اللاهثة وراء اللقمة وسداد الدين ووسائل العيش البيولوجي البحت تكون في الوقت نفسه مهمشة الهوية مزدوجة الانتماء. فالمؤسسة الاعلامية العالمية من تلفاز وسينما واذاعة تسوق (نمط الحياة) الغربية, بالضبط كما تسوق لكل منتجاتها الاستهلاكية الاخرى: السيارة, والهاتف النقال, ومسرح الشعر. وتسويق نمط الحياة عبر الصورة الاعلامية الجذابة هو اخطر ما في عملية التسويق, معها يصير الهمبركر اكثر من مجرد أكلة سريعة, و الجينز أكثر من مجرد ثوب عملي, والبيبسي اكثر من شراب منعش. كل هذه تصير رموزا لحياة اخرى وتيار آخر, تركض شعوب الجنوب خلفها بحثا عن رفاهية ذلك العالم (آلاخر). ارض الاحلام كما يسميها مسوقو الحلم الامريكي. وخلال ذلك الركض الذي غالبا ما يصيب المنتجات الاستهلاكية وحدها, تستمر عجلة الاستهلاك, محور الحضارة الغربية المعاصرة في الدوران, ويستمر المدينون في الاقتراض لشراء ما يتغير بأستمرار, تستمر الفوائد بالتصاعد, وجيوب الملأ العالمي في الانتفاخ, وخلال ذلك, يصير الهمبركر والبيبسي والجينز أكثر من مجرد حاجات استهلاكية بل نمط الحياة الاخرى, يحمل, ولا بد قيم تلك الحياة, وللأسف فان القيم التي تأتي دوما تكون اسوء ما في الحياة الغربية : القيم الفردية, التحلل والاباحية, التفكك الاسري, والعنف والجريمة والمخدرات. "

أحمد خيري العمري , الفردوس المستعار والفردوس المستعاد