Home > Work > أم سعد
1 " هذه المراة تلد الأولاد فيصيروا فدائيين..هي تخلف و فلسطين تأخذ "
― غسان كنفاني , أم سعد
2 " الحبوس أنواع يا ابن العم! أنواع المخيم حبس وبيتك حبس والجريدة حبس والراديو حبس والباص والشارع وعيون الناس.. أعمارنا حبس والعشرون سنة الماضية حبس والمختار حبس تتكلم أنت عالحبوس؟ طول عمرك محبوس "
3 " كل واحد يقول الآن " أنا لم أقصد شيئاً "فلماذا يحدث كل الذي يحدث؟ لماذا؟ لماذا لا يتركون الطريق للذين يقصدون؟ لماذا أنت لا تقصد شيئاً؟ "
4 " «أنتِ تشعرين بالتعاسة لأنّك تعرفين بأنّ المطر سيستمر طوال النهار، وستعملين في جرف الوحل طوال الليل. تعالي اجلسي. لا تسمحي لكل ذلك أن يهدمك». جَلَسَتْ وَتَنَفَّسَتْ الصعداء مثلما يفعل الإنسان حين يريد أن يهيل على الغيوم السوداء في صدره هواء نقياً:«لا، يا ابن عمي. أتعرف ماذا كان يفعل سعد حين يطوف المخيم؟كان يقف ويتفرج على الرجال وهم يجرفون الوحل، ثم يقول لهم: «ذات ليلة سيدفنكم هذا الوحل».ومرة قال له أبوه: لماذا تقول ذلك؟ ماذا تريدنا أن نفعل؟ هل تعتقد أنّه يوجد مزراب في السماء وأن علينا أن نسده؟ وضحكنا كلنا، لكنني حين نظرت إليه رأيت في وجهه شيئاً أرعبني، كان منصرفاً الى التفكير وكأن الفكرة راقته، كأنه سيذهب في اليوم التالي ليسدّ ذلك المزراب. ثم ذهب؟ ثم ذهب». "
5 " - ان هذا "الاحتقار" للنثر يدفع ببعض كتابنا الى صنع طائرة شراعية يسمونها "قصيدة". كأن المشكلة تكمن في التسمية, و انا شخصيا لا اعرف لماذا لا يكون النثر احيانا و غالبنا اروع من الشعر, و هل من الضروري ان يقطع الكاتب سطوره الى انصاف ثم يطلع عليها اسم الشعر ؟ و هل تستطيع التسمية ان تعطي الشعر صفة النثر او النثر صفة الشعر؟ اذا كان الامر كذلك فكيف استحق ماركس و انغلز كل ذلك المجد مع ان "البيان الشيوعي" ليس قصيدة؟ "
6 " إننا نتعلم من الجماهير، ونعلمها" ومع ذلك فإنه يبدو لي يقيناً أننا لم نتخرج بعد من مدارس الجماهير، المعلم الحقيقي الدائم، والذي في صفاء رؤياه تكون الثورة جزءاً لا ينفصم عن الخبز والماء وأكف الكدح ونبض القلب. "
7 " كانت أم سعد علمتني طويلا كيف يجترح المنفي مفرداته وكيف ينزلها في حياته كما تنزل شفرة المحراث في الأرض "
8 " حين يسقى فولاذ الرشاشات تضحي له رائحة الخبز، هكذا قال سعد. "
9 " أتحسبُ أنّنا لا نعيشُ في الحَبس؟ ماذا نفعلُ نحنُ في المُخيّم غير التمشي داخِل ذلِك الحبس العجيب؟ الحُبوس أنواعٌ يا ابن العم! أنواع! المُخيّم حبس، وبيتُك حبس، والجريدة حبس، والراديو حبس، والباص والشارِع وعُيون الناس.. أعمارُنا حبس، والعِشرون سنة الماضِية حبس، والمُختار حبس..تتكلّمُ أنتَ على الحُبوس؟ طولُ عمرِك محبوس.. أنت توهِمُ نفسكَ يا ابنَ العم بأنّ قُضبان الحبسِ الذي تعيشُ فيه مزهريّات؟ حبس، حبس، حبس. أنت نفسكَ حبس.. فلماذا تعتقدون أنّ سعد هو المحبوس؟ محبوس لأنه لم يوقّع ورقةً تقولُ أنّه آدمِي.. آدمي؟ من مِنكُم آدمِي؟ كُلّكم وقّعتم هذِه الأوراق بطريقةٍ أو بِأُخرى ومع ذلِك فأنتُم محبوسون... "
10 " ستغرق هذه الجُروح تحت سواقي التعب، يجفّفُها اللّهاث، و تغتسِل طوالِ النهار بالعرقِ الساخِن الذي أعجِنُ بِه خُبزِ أولادي.. نعم يا ابنَ العم... ستضعُ الأيّامُ الذليلةُ فوقها قِشرةً سميكة، و سيُضحي من المُستحيلِ على أيِ كان أن يراها، و لكنّني أعرِف، أنا التي أعرِف، أنّها ستظلّ تخزنّي تحت تِلك القِشرة. أعرِف. "
11 " دخلت أم سعد، ففاحت في الغرفة رائحة الريف، وبدت لي كما كانت قبل عشرة أيام. عشرة أيام فقط! يا إلهي كم تتغير الأمور وكم تتهدم الصروح في عشرة أيام! وضعت صرتها الفقيرة في الركن، وسحبت من فتحتها عرقاً بدا يابساً، ورمته نحوي: "
12 " شعرت بذلك النصل الذي ينبثق فجأة من أحضان الكلمة البسيطة، وينقذف في صدورنا بسرعة الرصاصة وتصويب الحقيقة، ولوهلة رأيت شريط الوحل الداكن الذي كان يتدلى على طرف ثوبها شيئاً "
13 " ؟ لأول مرة أرى ذلك الشيء الذي يصدع القلب على مرمى كلمة واحدة مني، كأننا على مسرح إغريقي نعيش مشهداً من ذلك الحزن الذي لا يداوى. "