Home > Work > من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث
41 " ألا فلنحسن اختيار من يلون أمورنا، فإن الغبى لا ينفع ولا يترك لغيره المجال كى ينفع. فالنكبة به مضاعفة، والمصيبة فيه فادحة. "
― محمد الغزالي , من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث
42 " أما طريقتى أنا فى فهم الأمور، فهى تلقى تسعة أعشار اللوم على النائم الغافل، ولا تعنى بتوجيه العشر الباقى إلى الموقظ الشرس. ذلك لأنى أقدر الفائدة التى تصيبنى من أعدائى، وأنتفع بها فى تقويم عقلى، وتدعيم شأنى. ومن الخير لنا ـ نحن أبناء العالم الإسلامى ـ أن نراجع أنفسنا قبل أن نراجع غيرنا. وأن نداوى أخطاءنا على عجل قبل أن نفكر فى الانتقام ممن نفذوا إلينا منها. "
43 " ... أثار التفاتى منظر بائع فواكه يسوق عربته الصغيرة أمامه، وعليها صفوف مرصوصة متسقة من الثمر الجيد، قد وضعت الواحدة منه إلى جانب الأخرى بعناية ودقة ونظام لم يضطرب عقده على طول ما انتظم فيه من مئات وألوف. فكان المنظر ـ بحق ـ مغريا على الإعجاب إن لم يكن مغريا على الشراء. إن هذا الرجل قد أفرغ وسعه فى إجادة عرضه لبضاعته التى يرتزق منها. وهنا شعرت بخاطر سريع يعترض تفكيرى، ويلوى عنانه إلى ناحية أخرى.. سمعت سؤالا خافتا ينبعث من أعماق نفسى. هل أنت ـ كعالم دين ـ تنظم للناس بضاعتك، وتحسن عرضها على أبصارهم وبصائرهم، لتبعث فى نفوسهم الإعجاب على الأقل إن لم تغرهم بالإقبال والقبول؟ وشعرت بحيرة فى الإجابة! ومعنى هذه الحيرة أن الجواب بالسلب! وبدا لى كأن علماء الأديان يكتفون بما لها من قيمة اسمية طنانة، وبما لهم فيها من منازل متوارثة عالية، فهم لا يجشمون أنفسهم مشقات العرض المنظم الطويل لما لديهم من بضائع، هى ـ لا ريب ـ أنفس ما فى الحياة من عروض. ماذا يتصور الناس عندما يسمعون صوت الدين، أو عندما يلمحون سمت رجاله؟ إن أذهانهم تعتريها صور مبهمة للحرمان والتزمت، ورسوم فاترة للسكون الموحش، والفناء القريب. وتلك الصور الخاطئة وحدها تكفى لهدم كل ما يجب للدين من محبة خالصة عميقة، وتكفى لصرف النفوس عن مبادئه وفضائله. فالدعاية للدين، تشبه أن تكون معكوسة النتائج لا تغرى الرائين بالمجىء إلا لتغريهم بالانصراف، وهذا فشل ذريع يحمل تبعته العارضون المفرطون. إن حسن العرض طابع العصر الحديث.والمذاهب المتكاثرة التى تتراكض فى زحام الحياة تتمتع بدعاة أقوياء يشدون أزرها، ويقيمون أمرها.. ومن الخير لعلماء الدين أن يهجروا ـ إلى غير عودة ـ حياة التراخى والطمأنينة، وأن يقبلوا على ما لديهم، يعرفونه على حقيقته، ثم يعرفون الناس حقيقته من غير تزيد، ولا انتقاص. فمن الظلم الفادح للجمال الغالى أن يلف فى بالى الخرق، وأن يتراكم عليه الوسخ والتراب. "
44 " إن الرجال الذين يسيئون في القليل لا ينبغي تصديقهم إذا أقسموا في الكثير. "
45 " تكوين الأمم لا يجئ عن طريق الفتاوي المخوِّفة "
46 " إن الفتنة المحيرة أن يتصدى لخدمة الإسلام أناس تجردوا من فضائل الإيمان ومن فضائل الرجولة جميعا على حين يتصدى لخدمة النزعات الأخرى قوم لهم عقول لماحة وهمم سباقة. "
47 " والله عز وجل لا ينصر الحق بوضوح أدلته واستقامة طريقته، ولا يخذل الباطل بعوج دعوته وسوء خاتمته، وإنما يبلو أصحاب الحق بأصحاب الباطل. وعلى قدر ما يبذل كلا الفريقين من جهود وتضحيات تكون النهاية الحاسمة. "
48 " يجب أن نصارح أمتنا بأن حصيلتها من أخلاق الحياة الصحيحة وتقاليد الجماعات الموفقة أتفه من حصيلتها من علوم الذرة..! "
49 " إن المسلمين أحوج أهل الأرض طرًا إلى أن تشخص لهم عيوبهم كى ينأوا عنها، فإن الذين يتجاهلون الحقائق ربما دفعوا ثمن هذا التجاهل اجتياح بقيتهم واستئصال شأفتهم. "
50 " إن الجسم المعافى تستجيب أعضاؤه “للإرادة” التى تنقلها الأعصاب من الدماغ المفكر فيتحرك أو يسكن وفقها ولن تعجز الإرادة عن بلوغ أهدافها إلا إذا اعتل الجسم٬ وأصيبت أجهزته بالعجز والشللوالمجتمع الصحيح كالجسم الصحيح يشد كيانه جهاز دقيق ويضبط أموره نظام محكم٬ وتتعاون ملكاته العليا وقواه المنفذة تعاونا وثيقا يسير به فى أداء رسالته كما تسير الساعة فى حساب الزمنوقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم قاعدة هذا النظام المتجاوب وجعل القيام عليه من معالم التقوى٬ فإنه لن يستقر حكم ولن تصان دولة إلا إذا سادتها الطاعة والنظامولذلك قال عليه الصلاة والسلام :من أطاعنى فقد أطاع الله٬ ومن عصانى فقد عصى الله ٬ومن أطاع أميرى فقد أطاعنى٬ ومن عصى أميرى فقد عصانى وقال الله عز وجل: “أطيعوا الله” أى اتبعوا كتابه. “وأطيعوا الرسول “ أى خذوا بسنته. “وأولى الأمر منكم” أى فيما كلفوكم به من أمور تخدم الكتاب والسنة. وطبيعة الحياة عندما فرضت خضوع الجسم للعقل إنما بنت هذا لمصلحة الجسم والعقل جميعا ٬ على أساس أن العقل يصدر عنه ما يضر الجسم أو يؤدى به إلى التهلكة فإذا استحمق امرؤ وشرع يخلط ٬ حجرنا عليه فورا ٬ إنقاذا له من شر نفسه وإنقاذا للجماعة منه "
51 " وعندما شرع قانون السمع والطاعة لم يفترض فى الأطراف التى تمثله إلا قيادة راشدة تنطق بالحكمة وتصدع بالحق وتأمر بالخير٬ ثم جنود يلبون النداء ويمنعون العوائق ويتممون الخطة. وبذلك تنتظم دورة القانون فى الأمة كما تنتظم دورة الدم فى البدن فتستقيم الحياة وتستقر الأوضاع. "
52 " أما الطاعة العمياء لا لشىء إلا لأن القائد أمر٬ وأمره واجب الإنفاذ٬ فذلك منكر كبير وجهالة فاحشة لا يقرها شرع ولا عقل. روى الإمام أحمد فى فسنده قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار فلما خرجوا وجد عليهم الرجل فى شىء تبرم بسيرتهم معه فقال لهم : أليس قد أمركم رسول الله أن تطيعونى ؟فاجمعوا إلى حطبا ثم دعا بنار فأضرمها فيه ٬ ثم قال: عزمت عليكم لتدخلنها. فقال لهم شاب منهم : إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار٬ يعنى فكيف تقادون باسمه إليها ؟ لا تعجلوا حتى تلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها. فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه. فقال لهم :` لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا. إنما الطاعة فى المعروف `.لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا. "
53 " وقد بلغ من حمق العامة فى بعض أدوار التاريخ المصرى أن قالوا: الحماية على يد فلان خير من الاستقلال على يد فلان!... لو رشح فلان حجرا لانتخبناه...إن الحب المكين شىء واحترام الحقيقة المجردة شىء آخر. ولشعب ماأن يعشق زعيمه وأن يصوغ فيه قصائد الغزل. بيد أنه لا يسوغ أن يتطور به هذا الحب حتى يحاكم الحقائق إلى شخصه بدل أن يحاكم شخصه إلى الحقائق.ومن قديم عرف المصلحون والأئمة أن السمع والطاعة وسائل لا بد منها لسير الأمور وبلوغ الغايات. ونحن لا نمارى فى المبدأ بعد ما شرحنا أصله فى صدر حديثنا ٬ وإنما نحذر من الزوائد الخطرة التى تنضاف إليه.وتتوسع فيه وتقتل الحقيقة والحرية باسمه "
54 " إن هناك فرائض لا يجوز خدشها ومحرمات لا تمكن استباحتها ٬ وشئونا أخرى هى مجال للأخذ والرد وتفاوت التقدير. وهذه لا يملك البت فيها واحد برأسه ٬ وإنما يرفع الخلاف فيها أصحاب الحل والعقدوأهل الشورى. فإذا مرت بمرتبة البحث والعرض ٬ فلكل ذى رأى أن يظهره وأن يدافع عنه غير منكور ولا محقور. حتى إذا تمخض الدرس والنقد عن الرأى الذى استقر عليه الإجماع أو جنحت إليه الكثرة ٬ لم يبق مكان لتردد أو ارتياب أو اعتراض. والحكومات المعاصرة على اختلاف مذاهبها تحترم هذه القاعدة. ولعل هذا سر الإفراد والجمع فى الآية “ أطيعوا ا لله وأطيعوا الرسول” فالإله واحد والرسول واحد أما “وأولى الأمر منكم” فهو كثير ٬ وما يقرونه جماعتهم أو أغلبهم فهو محل احترام العامة .وليس ذلك الذى أقره الإسلام فى سياسة أمته بدعا تفرد به ٬ فإن أمما أخرى أقرت مثله من قبل ومن بعد. ذلك ٬ وليس كل من غلب على حكم بلد ما يسمى ولى أمر فيه ٬ تقرن طاعته بطاعة الله ورسوله. فكم أرمق قرونا من تاريخ الإسلام الرحب وبقاعا من وطنه الكبير فلا أجد ظلا لولاية صحيحة "
55 " أن الشئون التى يعالجها الولاة الموثقون تتفاوت فى موضوعهاتفاوتا كبيرا ٬ فشئون الدنيا غير شئون الدين. وشئون الدين نفسه ليست سواء ٬ فالأصول غير الفروع ٬ والنظرى غير العملى. فقد يختلف أولو الأمر فى بناء جسر أو تعلية خزان ٬ وقد نختلف فى ذلك معهم لا صلة لهذا الخلاف بطاعة أو معصية. وقد يختلفون ونختلف معهم فى فقه الصلاة ويلتزم كل منا وجهة نظره... ولا وزن هنا لخطأ أو صواب. "
56 " ولقد عجبت لخلاف وقع بين شباب من المسلمين أثاره بعضهم بتشاؤم هو: نحن جماعة المسلمين ٬ أم نحن جماعة من المسلمين؟والإجابة على هذا السؤال لها نتائج ذات بال. بل نتائج ترتبط بها صيانة دماء وأموال!فإن الذين يحسبون أنفسهم جماعة المسلمين يرون مخالفة قائدهم ضربا من مخالفة الله ورسوله ٬ وطريقا ممهدة إلى النار وبئس القرار! إلا أننى عز على أن يلعب بالإسلام وأبنائه بهذه الطريقة السمجة ٬ وأن تتجدد سياسة الخوارج مرة أخرى ٬ فيلعن أهل الإيمان ويترك أهل الطغيان. وبم؟ باسم أن القائد وبطانته هم وحدهم أولو الأمر! وأن لهم حق السمع والطاعة؟ وأن الخارج عليهم يصدق فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : `من رأى من أميره شيئا فكرهه فليصبر ٬ فإنه ليس` أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهليةوقوله : ` من خلع يدا من طاعة لقى الله لا حجة له ٬ ومن مات وليس فى عنقه بيعة مات ميتة جاهلية `. وهذه الأحاديث وأمثالها وردت فى منع الفتوق الجسيمة التى يحدثها الشاغبون على الدولة ٬ الخارجون على الحكام. وقد عانى المسلمون وعانت خلافتهم الكبرى أقسى الآلام من ثورات الحانقين والناقمين ٬ وربما كان سقوط الحكم الإسلامى فى الأرض بسبب هذه الانتفاضات الهائلة... بيد أن تعليم هذا الجنون كان أسلوب تربية وتجميع عند بعض الناس!! أن يقال أن الولاء للقيادة يكفر السيئات ٬ وأن الخروج عن الجماعة يمحق الفضائل ٬ أى إسلام هذا؟ "
57 " والواقع أن الزلازل التى تتبع إسقاط الحكومات قسرا بعيدة المدى. ومن ثم لم يرض الإسلام أن يشهر السيف فى وجه حاكم إلا أمام ضرورات ملجئة. أبانها هو ولم يترك بيانها لتقدير أحد. بل إنه حبب إلى المؤمن التضحية ببعض حقوقه الخاصة إشاعة للاستقرار فى أنحاء البلاد٬ وإغلاقا لمنافذ الفتن. فعن عبادة بن الصامت قال :بايعنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فى منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرناوأثرة علينا ٬ وألا ننازع الأمر أهله أى نطلب الحكم من ولاته إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان "
58 " إن تغيير حاكم شىء والانصراف عن واعظ غير موفق شىء آخر. لقد كان الراسخون فى العلم يدعون إلى الله ويتجردون للدعوة ٬ فكان الناسيرون طاعتهم من طاعة الله لأنهم تلقوا دروس معرفته عنهم. ثم جاء الراسخون فى الجهل يطلبون حقوق القيادة ٬ ويتحدثون عن قانون السمع والطاعة ٬ ولست أعنف دعيا من هؤلاء على مزاعمه ومطالبه. فالأمر كما قيل: `بعض الناس طغاة لأننا نركع لهم "