Home > Work > من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث

من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث QUOTES

43 " ... أثار التفاتى منظر بائع فواكه يسوق عربته الصغيرة أمامه، وعليها صفوف مرصوصة متسقة من الثمر الجيد، قد وضعت الواحدة منه إلى جانب الأخرى بعناية ودقة ونظام لم يضطرب عقده على طول ما انتظم فيه من مئات وألوف. فكان المنظر ـ بحق ـ مغريا على الإعجاب إن لم يكن مغريا على الشراء. إن هذا الرجل قد أفرغ وسعه فى إجادة عرضه لبضاعته التى يرتزق منها. وهنا شعرت بخاطر سريع يعترض تفكيرى، ويلوى عنانه إلى ناحية أخرى.. سمعت سؤالا خافتا ينبعث من أعماق نفسى. هل أنت ـ كعالم دين ـ تنظم للناس بضاعتك، وتحسن عرضها على أبصارهم وبصائرهم، لتبعث فى نفوسهم الإعجاب على الأقل إن لم تغرهم بالإقبال والقبول؟ وشعرت بحيرة فى الإجابة! ومعنى هذه الحيرة أن الجواب بالسلب! وبدا لى كأن علماء الأديان يكتفون بما لها من قيمة اسمية طنانة، وبما لهم فيها من منازل متوارثة عالية، فهم لا يجشمون أنفسهم مشقات العرض المنظم الطويل لما لديهم من بضائع، هى ـ لا ريب ـ أنفس ما فى الحياة من عروض. ماذا يتصور الناس عندما يسمعون صوت الدين، أو عندما يلمحون سمت رجاله؟ إن أذهانهم تعتريها صور مبهمة للحرمان والتزمت، ورسوم فاترة للسكون الموحش، والفناء القريب. وتلك الصور الخاطئة وحدها تكفى لهدم كل ما يجب للدين من محبة خالصة عميقة، وتكفى لصرف النفوس عن مبادئه وفضائله. فالدعاية للدين، تشبه أن تكون معكوسة النتائج لا تغرى الرائين بالمجىء إلا لتغريهم بالانصراف، وهذا فشل ذريع يحمل تبعته العارضون المفرطون. إن حسن العرض طابع العصر الحديث.
والمذاهب المتكاثرة التى تتراكض فى زحام الحياة تتمتع بدعاة أقوياء يشدون أزرها، ويقيمون أمرها.. ومن الخير لعلماء الدين أن يهجروا ـ إلى غير عودة ـ حياة التراخى والطمأنينة، وأن يقبلوا على ما لديهم، يعرفونه على حقيقته، ثم يعرفون الناس حقيقته من غير تزيد، ولا انتقاص. فمن الظلم الفادح للجمال الغالى أن يلف فى بالى الخرق، وأن يتراكم عليه الوسخ والتراب. "

محمد الغزالي , من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث

50 " إن الجسم المعافى تستجيب أعضاؤه “للإرادة” التى تنقلها الأعصاب من الدماغ المفكر فيتحرك أو يسكن وفقها ولن تعجز الإرادة عن بلوغ أهدافها إلا إذا اعتل الجسم٬ وأصيبت أجهزته بالعجز والشلل
والمجتمع الصحيح كالجسم الصحيح يشد كيانه جهاز دقيق ويضبط أموره نظام محكم٬ وتتعاون ملكاته العليا وقواه المنفذة تعاونا وثيقا يسير به فى أداء رسالته كما تسير الساعة فى حساب الزمن
وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم قاعدة هذا النظام المتجاوب وجعل القيام عليه من معالم التقوى٬ فإنه لن يستقر حكم ولن تصان دولة إلا إذا سادتها الطاعة والنظام
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام :من أطاعنى فقد أطاع الله٬ ومن عصانى فقد عصى الله ٬ومن أطاع أميرى فقد أطاعنى٬ ومن عصى أميرى فقد عصانى وقال الله عز وجل: “أطيعوا الله” أى اتبعوا كتابه. “وأطيعوا الرسول “ أى خذوا بسنته. “وأولى الأمر منكم” أى فيما كلفوكم به من أمور تخدم الكتاب والسنة.
وطبيعة الحياة عندما فرضت خضوع الجسم للعقل إنما بنت هذا لمصلحة الجسم والعقل جميعا ٬ على أساس أن العقل يصدر عنه ما يضر الجسم أو يؤدى به إلى التهلكة فإذا استحمق امرؤ وشرع يخلط ٬ حجرنا عليه فورا ٬ إنقاذا له من شر نفسه وإنقاذا للجماعة منه "

محمد الغزالي , من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث

54 " إن هناك فرائض لا يجوز خدشها ومحرمات لا تمكن استباحتها ٬ وشئونا أخرى هى مجال للأخذ والرد وتفاوت التقدير. وهذه لا يملك البت فيها واحد برأسه ٬ وإنما يرفع الخلاف فيها أصحاب الحل والعقد
وأهل الشورى. فإذا مرت بمرتبة البحث والعرض ٬ فلكل ذى رأى أن يظهره وأن يدافع عنه غير منكور ولا محقور. حتى إذا تمخض الدرس والنقد عن الرأى الذى استقر عليه الإجماع أو جنحت إليه الكثرة ٬ لم يبق مكان لتردد أو ارتياب أو اعتراض.
والحكومات المعاصرة على اختلاف مذاهبها تحترم هذه القاعدة. ولعل هذا سر الإفراد والجمع فى الآية “ أطيعوا ا لله وأطيعوا الرسول” فالإله واحد والرسول واحد أما “وأولى الأمر منكم” فهو كثير ٬ وما يقرونه جماعتهم أو أغلبهم فهو محل احترام العامة .
وليس ذلك الذى أقره الإسلام فى سياسة أمته بدعا تفرد به ٬ فإن أمما أخرى أقرت مثله من قبل ومن بعد. ذلك ٬ وليس كل من غلب على حكم بلد ما يسمى ولى أمر فيه ٬ تقرن طاعته بطاعة الله ورسوله. فكم أرمق قرونا من تاريخ الإسلام الرحب وبقاعا من وطنه الكبير فلا أجد ظلا لولاية صحيحة "

محمد الغزالي , من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث

56 " ولقد عجبت لخلاف وقع بين شباب من المسلمين أثاره بعضهم بتشاؤم هو: نحن جماعة المسلمين ٬ أم نحن جماعة من المسلمين؟

والإجابة على هذا السؤال لها نتائج ذات بال. بل نتائج ترتبط بها صيانة دماء وأموال!

فإن الذين يحسبون أنفسهم جماعة المسلمين يرون مخالفة قائدهم ضربا من مخالفة الله ورسوله ٬ وطريقا ممهدة إلى النار وبئس القرار! إلا أننى عز على أن يلعب بالإسلام وأبنائه بهذه الطريقة السمجة ٬ وأن تتجدد سياسة الخوارج مرة أخرى ٬ فيلعن أهل الإيمان ويترك أهل الطغيان. وبم؟ باسم أن القائد وبطانته هم وحدهم أولو الأمر! وأن لهم حق السمع والطاعة؟ وأن الخارج عليهم يصدق فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : `من رأى من أميره شيئا فكرهه فليصبر ٬ فإنه ليس
` أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهليةوقوله : ` من خلع يدا من طاعة لقى الله لا حجة له ٬ ومن مات وليس فى عنقه بيعة مات ميتة جاهلية `. وهذه الأحاديث وأمثالها وردت فى منع الفتوق الجسيمة التى يحدثها الشاغبون على الدولة ٬ الخارجون على الحكام. وقد عانى المسلمون وعانت خلافتهم الكبرى أقسى الآلام من ثورات الحانقين والناقمين ٬ وربما كان سقوط الحكم الإسلامى فى الأرض بسبب هذه الانتفاضات الهائلة... بيد أن تعليم هذا الجنون كان أسلوب تربية وتجميع عند بعض الناس!! أن يقال أن الولاء للقيادة يكفر السيئات ٬ وأن الخروج عن الجماعة يمحق الفضائل ٬ أى إسلام هذا؟ "

محمد الغزالي , من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث