Home > Work > كيف نتعامل مع القرآن
1 " كل آية يمكن أن تعمل لكن الحكيم هو الذي يعرف الظروف التي يمكن أن تعمل فيها الآية "
― محمد الغزالي , كيف نتعامل مع القرآن
2 " إن أمة يستأثر بها حاكم، أو ظالم أو مستبد، أمة لا يوثق بها أصلا أن تكون قابلة للحياة والامتداد وصناعة حضارة. "
3 " فنحن أمة أكلتها التقاليد التى صنعتها لنفسها ..ووضعت بها قيود على مسالكها ..فمن يريد الزواج عندنا لايتزوج بيسر الإسلام وفطرته التى أصلها القرأن ولاحتى يتزوج بالفطرة البشرية الموجودة فى أوروبا مثلا .. إنما يتزوج من خلال مجموعة لقيود والتقاليد التى إمتد سلطانها حتى هزمت امامها القيم الدينية ..لقد أصبح الجواز عندنا خراب بيت وإنكسار ظهر من النفقات "
4 " هل يعانى المسلمون اليوم من أزمة فى المنهج كانت سببا فى أزمتهم الفكرية، أم أنهم يعانون من أزمة فكر وفهم، ووسيلة فهم للمنهج الذى شرعه القرآن بقوله (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) ، (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) فالقرآن موجود بين أيديهم كما كان موجودا بين أيدى الصحابة، ونصوصه محفوظة.. لكن المشكلة بالتعامل والفهم.. ومالك رضى الله عنه ـ وهو على رأس القرن الثانى من الهجرة ـ يقول: لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.فهل نقول: بأن نهوض أى مجتمع مرهون بتوفير ظروف وشروط ميلاده الأولى، ومن ذلك: حسن الفهم للقرآن، وحسن التعامل معه؟وقد تكون الخطورة كبيرة إذا سلمنا بوجود أزمة منهج مع وجود القرآن والسنة! امتاز العرب الذين صحبوا النبى عليه الصلاة والسلام، بأنهم تلقوا الرسالة بسليقتهم، ووصلوا إلى أعماقها دون تكلف، وكانوا أشعة لها.. فعندما أنظر إلى بدوى مثل ربعى بن عامر يكلم قائد الفرس ويقول له: جئنا نخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله.. من أين فهم الرجل هذا الكلام؟.. من نضح القرآن على نفسه.. لقد أوجد القرآن ناسا استطاعوا أن يرتفعوا فوق مستوى عقل الفرس، وعقل الروم، وهذه دول لها حضارة لا يمكن إنكارها لكنها تلاشت، وعندما تعامل العرب معهم ما كانت هناك عقدة نقص أبدا عند العرب، بل كان هناك استعلاء إيمان، والذى صنع هذا فى نفوسهم هو: القرآن. "
5 " بقى أن القرآن حمال أوجه ـ كما يقال ـ وهذا جزء من إعجازه، وليس عيبا فيه.. وكون الآيات مرنة، فذلك لكى تطاوع العصور كلها. لكن مع حسن النية وسلامة شرف القصد، فإن المرونة تكون أساسا لسعة العصور كلها، لا أساسا للعب والعبث. ومع ذلك، فإن كان هناك أساس للعبث من أنه حمال أوجه، تأتى هنا السنة، ما تواتر منها وما صح.. وهذا ما نستطيع أن نضمه للقرآن فى تكميل المنهج.. ويبقى بعد هذا منطلق واسع للفكر الإنسانى كى يبدع، لأن المنقول من القرآن، أو التعاليم التى تصوغ قوالب محددة فى القرآن الكريم، غير موجودة بالنسبة للسلوك السياسى والاجتماعى، والدولى، وذلك لأنه عندنا مبادئ عامة وقيم تضبط السير، وهذا يعطى القدرة على الإبداع، وأن يتحرك الإنسان ويعمل ويتحرى ضمن حدود، وضوابط، وقيم معينة، ودون خوف من منزلقات. "
6 " أنا أتصور أن هناك حضارة دينية، يكون الإسلام لبابها هى التى ترث العالم. وفى ظنى أن هذه الحضارة الإسلامية ستعم العالم قبل أن ينقضى تاريخ الدنيا.. ولى هنا فى القرآن شاهدان:الشاهد الأول: قوله تعالى فى سورة الروم: (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون * وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ) . فكأن هذا الكتاب سيبقى إلى يوم البعث.. ومعنى بقاء الكتاب: بقاء رسالته وحضارته.. الشاهد الثانى: من سورة آل عمران في قوله تعالى: (وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون) والذين اتبعوا عيسى خصوصا عندما يظهر بينهم هم المسلمون. أما المسيحيون الذين ألّهوا عيسى فهم خصوم له وليسوا أتباعه، والدليل على هذا من القرآن نفسه، ومن سياق الكلام: (إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم * فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون). فالمسلمون هنا هم الذين يتبعون عيسى عندما ينزل لتكذيب من ألّهوه، وهم الأتباع الحقيقيون له ؛ وسيبقون إلى يوم القيامة.. ورشح هذا المعنى أيضا ما رواه الإمام أحمد بن حنبل فى مسنده: ' والله ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولن يبقى أهل مدر ولا وبر إلا دخلوا فى الإسلام، بعز عزيز، أو بذل ذليل ' .فالتنقل الحضارى، أو التداول الحضارى، سنة.. لكن هل يقع أن الأوروبيين يدخلون الإسلام ويحملون هذه الحضارة؟.. ربما.. هل يقع أن المسلمين يثوبون إلى رشدهم ويتوبون إلى الله ويقيمون هذه الحضارة؟ ربما.. "
7 " أنا لا أعرف أمة أطالت الوقت فى الفروع الفقهية كأمتنا.. الوضوء مثلا، يمكن أن تتعلم فى دقيقتين، فما الذى يجعل فيه مئات الصفحات والكتب، بل والمجلدات، وتختلف المذاهب فيه؟ هذا شىء عجب! حتى أنى سميت الوضوء: 'علم تشريح الوضوء'! لاشك أن هذه المساحة التى أخذها البحث فى الفروع الصغيرة، كانت على حساب القضايا الكبيرة. "
8 " لقد أوجد القرآن ناسا استطاعوا أن يرتفعوا فوق مستوى عقل الفرس، وعقل الروم، وهذه دول لها حضارة لا يمكن إنكارها لكنها تلاشت، وعندما تعامل العرب معهم ما كانت هناك عقدة نقص أبدا عند العرب، بل كان هناك استعلاء إيمان، والذى صنع هذا فى نفوسهم هو: القرآن. "
9 " . خميرة النهوض موجودة فى القرآن، وأسباب النهوض والسقوط فى القرآن (السنن) هى أشبه ما تكون بمعادلات رياضية، وبمجرد أن أحسن المسلمون التعامل معها، أوجدوا حضارة.. وعندما يتنكرون لها، يكون السقوط.. "
10 " وهنا سنن الله الكونية التى يجب أن يخضع لها المؤمنون والكافرون: أن الحياة فيها هذا التصادم المستمر بين قوى ومبادئ مختلفة.. وهكذا الحياة.. يحاول الكفر أن يفرض نفسه، فتنشط قوى الإيمان لكى تبقى.. فيبقى الإيمان بعد أن نمت قواه بضغط الكافرين عليه.. (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) هذا التدافع الحضارى، جزء من الاختبار الإلهى، وجزء من تمكين الخير من أن تزداد صلابته فى مواجهة الشر. "
11 " القران ليس كتابا فنيا مقسما على قضايا معينة ثم تنقطع فيه الرؤية الشاملة .. بل هو يعرض الكون وهو يبنى العقيدة .. ويعرض الكون وهو يربى الخلق ..ويمزج بين الجميع بطريقة مدهشة ..فالنظر فى الكون والواقع والتاريخ يقود إلى الإيمان ويؤصل التوحيد ويبنى الخلق ..فنرى القضية الواحدة تتماسك الأيات فيها على عدة محاور من الكلام عن الله والكون والجزاء والنفس البشرية والإيمان والأخلاق "
12 " أن المنهج قائم، وهو الكتاب والسنة.. ويكاد يكون عدد كبير من الناس يرون أن الحل الأول والأخير تبعا لمالك فى كلمته، وهو حديث مشهور: 'تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله تعالى وسنتى.. ' المنهج من الكتاب والسنة، لكن هناك بعض الناس يأتى ويأخذ من صورة عاد: (وإذا بطشتم بطشتم جبارين) ويعيب على الملوك فى عهده أنهم جبابرة ! من قصص القرآن آخذ الفكر العام: ألا يكون الحاكم جبارا، وألا تكون السلطة قاهرة بمثل تلك الطريقة.. وآخذ أيضا من قوله تعالى: ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) ضرورة أن الإسلام متكامل، لا يقوم بعضه فى غيبة بعضه الآخر، ولابد من هذا التماسك.. كلمة عمر رضى الله عنه عن حقوق الإنسان، والتى هى أول بند فى ميثاق الأمم المتحدة، لم يرتبها، ولم يجلس لصياغتها، وإنما استمدها من المناخ الذى وضعه فيه القرآن : (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)، ونتيجة لتجاوبه مع القرآن وفهمه له.. انطلاق أبى بكر لضرب الفرس والروم، انطلاق من أن سطوة الحق فى نفسه، دلته على أن الباطل لا يمكن أن يحكم بهذه الطريقة، وعرف رسالة الأمة العالمية، ومعنى أن محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ رحمة للعالمين، أى أن يهدى هذه الشعوب التى حولهم، إلحاق الرحمة بها، وفك إسارها، وإخراجها من السجن الكبير الذى تعيش فيه.. المنهج هو المنهج.. القرآن هو القرآن لكن، إلى الآن، أين المتدبرون؟ "
13 " أنا أتأمل الآية فى همس وأتأملها وأنا أخافها أحيانا، وأتأملها دون أن يتحرك لسانى بشىء، أجد أنه قد نضحت معانى كثيرة منها فى نفسى.. الناس تنسى هذا كله، وتتبع النغم من قارئ يُشبه المزمار الخنس، يريد أن يلحن القرآن بصوته، وانتهى الأمر! أهكذا يُعامل الكتاب ؟! الكتاب لا يعامل بأن يحول إلى موسيقى!! الكتاب لا يعامل بأن يحول إلى تراتيل دينية!! المعاملة التى عومل بها القرآن من جانب المسلمين، معاملة شاذة! المنهج قائم فى الكتاب.. وما أجمله الكتاب، فقد أجمل عمدا حتى تكون التفاصيل والاحتمالات عندى كثيرة. "
14 " فإذا كانت وظيفة القلم، أو الرأى، أن يخدم أصحاب السلطة، فإن الأمة الإسلامية ستكون آخر الأمم، بالطريقة التى تعيش بها. والغريب أنى لا أرى هذا فى العالم الآخر! عندنا أزمة فهم.. عندنا أزمة فقه.. وعندنا مع هذا وذاك أزمة فكر.. والمحزن أن الذين يملكون الفكر، يملكهم من يملكون السيف.. فالمحنة كبيرة فى العالم الإسلامى، ما بقى السيف قادرا على ضرب الفكر، وتحديد إقامته.. "
15 " وهذه الأمة ـ كما قلت ـ تمرض ولا تموت، والعلل التى تصيبها، يجئ أغلبها من اضطراب الحكم، فالعطب يكون دائما فى القشرة التى تغلف العود وهى الحكم.. فساد الحكم قشرة فى النظام الإسلامى؟ لأن الإسلام ليس حزبا سياسيا، إنما هو مجموعة قيم وتعاليم، قد يكون الحكم حزاما يشد التعاليم، لكن بقيت التعاليم قائمة مع انقطاع الحزام.. "
16 " على الإنسان أن يكون على استعداد دائم لكى يتحمل تبعات الدفاع عن معتقده وعن سيرته ومسلكه وقيمه.. لكن كيف سيكون لون هذا الاختبار؟ لا ندرى.. الأمر الثانى: أن هذا التدافع هو طبيعة الحياة الفردية والاجتماعية، بمعنى أنه فى داخل الجسم البشرى، تفرض المناعة نفسها عندما تدخل جراثيم غازية، ويبدأ القتال حتى يبقى الجسم حيا.. الحياة الإنسانية، لابد فيها من هذا التدافع. هذا اللون من التدافع..ربما تنشط أجهزة الإيمان وتتحرك فيه قواه الداخلية إذا كانت فاترة عندما يشعر بالتحدى، ويكون هذا سببا فى إمداده بحياة جديدة.. وهنا سنن الله الكونية التى يجب أن يخضع لها المؤمنون والكافرون: أن الحياة فيها هذا التصادم المستمر بين قوى ومبادئ مختلفة.. وهكذا الحياة.. يحاول الكفر أن يفرض نفسه، فتنشط قوى الإيمان لكى تبقى.. فيبقى الإيمان بعد أن نمت قواه بضغط الكافرين عليه.. (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) هذا التدافع الحضارى، جزء من الاختبار الإلهى، وجزء من تمكين الخير من أن تزداد صلابته فى مواجهة الشر. "
17 " الكتل الدولية، فى كل فترة من الفترات، لو استقرأنا ذلك نلمح بأن الله سبحانه وتعالى لم يسلط على البشرية ظالما واحدا إلا كان هناك ظالم يواجهه ويدافعه.. فمن خلال الخصومات العالمية، والظلم العالمى، والمواجهات العالمية، يمكن أن تفسح فرج إذا أحسنا التعامل بما أسميناه: سنة المدافعة.. هذا معنى جديد، ومعنى صحيح، ويستطيع الإسلاميون فى هذا العصر أن يستغلوا ما بين الجبهات المتصارعة فى العالم من فروق ومن نقائض اجتماعية وسياسية لكى يظفروا بحق الحياة أولا، ولكى يعرضوا أيضا ما عندهم، ويعرف ما فيه من خير.. وأخيرا، لكى يستطيعوا أن يستردوا ما فقدوا من مساحة مكانية فى الاستعمار، وما أصابهم من نكبات اجتماعية وسياسية كثيرة فى الهزائم التى لحقت بهم، ويستعيدوا ما فاتهم.. ممكن من خلال هذا كله.. لكن هذا يحتاج فعلا إلى أن الذى يحسن الاستغلال يجمع بين أمرين : بين الإخلاص العميق للعقيدة والمبدأ، والذكاء العميق أيضا الذى يستطيع به أن يفتق الحيل حتى يصل إلى ما يريد.. وإلا فى عصر الأذكياء، لا يستطيع التعامل مع سنة المدافعة أصلا، وإذا لم يكن على هذا القدر من الذكاء. هذا صحيح، وأخشى أن أقول إن غيرنا طبق هذا. ولعل اليهود استطاعوا أن يستفيدوا من سنة المدافعة أكثر منا.. "
18 " نحن ما اتبعنا رضوان الله، ولا سبل السلام، ولا استطعنا أن نقدم سلاماً للعالم، ولا استطعنا أن ننقل هدايات القرآن للقارات الخمس..هناك في عصرنا خمسة مليارات من البشر محجوبة عن أضواء القرآن، لا تعرف عنه شيئاً! والسبب: أن المسلمين أنفسهم محجوبون عن أضواء القرآن، وفاقد الشيء لا يعطيه "
19 " أن تغيير المنكر، وهو مطلوب من الأمة، لا يعطى هذا الحق كل إنسان! لأن تعريف المنكر نفسه، يختلف فيه الغوغاء مع الفقهاء.. فقد يرى بعض الناس أن تصوير شخص فى ورقة معصية وكبيرة من الكبائر، وإن امرأة كشفت وجهها جريمة.. لابد من وضع حدود ليعلم كل إنسان الدائرة التى يمكن أن يؤدى فيها واجبه الدينى "
20 " بقى أن القرآن حمال أوجه ـ كما يقال ـ وهذا جزء من إعجازه، وليس عيبا فيه.. وكون الآيات مرنة، فذلك لكى تطاوع العصور كلها. لكن مع حسن النية وسلامة شرف القصد، فإن المرونة تكون أساسا لسعة العصور كلها، لا أساسا للعب والعبث "