Home > Work > دفاعاً عن الجنون

دفاعاً عن الجنون QUOTES

1 " نحن أمة خالية من المجانين الحقيقيين . وهذا أكبر عيوبنا. كل منا يريد أن يظهر قوياً وعاقلاً وحكيماً ومتفهماً. يدخل الجميع حالة من الافتعال والبلادة وانعدام الحس تحت تلك الأقنعة فيتحول الجميع إلى نسخ متشابهة مكررة ... ومملة .
نحن في حاجة إلى الجرأة على الجنون والجرأة على الاعتراف بالجنون. صار علينا أن نكف عن اعتبار الجنون عيبا واعتبار المجنون عاهة اجتماعية .
في حياتنا شيء يجنن. وحين لا يجن أحد فهذا يعني أن أحاسيسنا متلبدة وأن فجائعنا لا تهزنا، فالجنون عند بعض منا دلالة صحية على شعب معافى لا يتحمل إهانة... ودلالة على أن الأصحاء لم يحتفظوا بعقولهم لأنهم لا يحسون بل احتفظوا بعقولهم لأنهم يعملون، أو لأنهم سوف يعملون، على غسل الإهانة.
نحن في حاجة إلى الجنون لكشف زيف التعقل والجبن واللامبالاة ، فالجميع راضخون ينفعلون بالمقاييس المتاحة .. ويفرحون بالمقاييس المتاحة .. يضحكون بالمقاييس المتاحة .. ويبكون ويغضبون بالمقاييس المتاحة... لذلك ينهزمون بالمقاييس كلها ولا ينتصرون أبدا.
بغتة يجن شخص، يخرج عن هذا المألوف الخانق فيفضح حجم إذعاننا و قبولنا و تثلم أحاسيسنا . يظهر لنا كم هو عالم مرفوض و مقيت و خانق .. و كم هو عالم لا معقول و لا مقبول . كم هو مفجع و مبك و كم نحن خائفون و خانعون و قابلون .
جنون كهذا شبيه بصرخة الطفل في أسطورة الملك العاري ، أمر الملك العاري أن يروه مرتديا ثيابه فرأوه . و أمر أن يبدوا آراءهم في ثيابه فامتدحوه و أطنبوا ، و حين خرج إلى جماهيره فاجأه بالصراخ طفل لم يدجن بعد ( و لكنه عار ... عار تماما ) .
لو كان هذا الطفل أكبر قليلا لأتهم بالجنون . و لكن لأن فيه تلك البراءة الواضحة العفوية الصارخة كانت صرخته فاضحة للملك و للحاشية و للمتملقين و للخائفين .
صرخة الطفل ، مثل جنون الفنان ، تفضح كم الناس منافقون و مراؤون و خائفون إلى درجة تجاهل حقيقة يومية بسيطة يستطيع الطفل أن يشير بأصبعه إليها و يعلن عنها ، فهو يرى الحياة على حقيقتها دون رتوش و دون تلوين بالمطامع و دون مكياج بالتبريرات ، و في أعماق كل فنان طفل صادق بهذا المقدار ، طفل لا يحتمل ما تعودنا على احتماله ، طفل يبكي حين يتألم و يصرخ حين يجوع و يغضب حين يهان و يجن حين يجبر على أن يحيا حياة الحيوان "

ممدوح عدوان , دفاعاً عن الجنون

5 " أن يستيقظ الإنسان فيحس بعذوبة الصباح.. ثم أن يسمع أصوات صغاره فيحس أنه يحبهم.. ثم يسير في الشارع فلا يخاف تطاول سلطة أو تهور سائق.. ثم يرى فتاة جميلة فيحس أنها جميلة، وأن تحس هي بالسعادة لأن عابرا يعجب بجمالها ولا يضطهدها بعدوانيته الذكورية. فتسير كالفراشة وقد تبتسم وتقول: صباح الخير!، أن يرى زهرة متفتحة فينعشه أريجها.. أن يذهب إلى موعد حب وهو مترع بالفرح.. أن يعمل ويحس بالسعادة لأنه أتقن عمله، ولأن أحدا لن يسرق جهده.. أن يحس بأن كرامته أمر مفروغ منه، وأن حمايتها مسؤولية عامة لا تحتاج إلى نقاش.. أن يستطيع تعود نفسه، فلا يضحك إلا حين يطرب لنكتة وأن يغضب حين يكون هناك ما يستدعي الغضب.. وأن يحزن وربما يبكي- حين يكون هناك ما يستدعي الحزن والبكاء..
تصوروا هذا المستحيل الذي صرنا نحلم به...
----
حين يكون هناك صمت وتجاهل يُكمل القاتل جريمته حتى النهاية ، نهاية الشعب الضحية . وحين يتنبه العالم ويسمع يكون كل شيء قد انتهى وأصبح الشعب المقتول جزء من الماضي والتاريخ ..
---
طوبى
طوبى للبطن الرافض حملاً كي لا يبقر
طوبى للعاقر لم تنجب طفلاً يذبح فوق الركبه
طوبى للثدي الناضب لم يرضع طفلاً
يغتصب الأخوة كي يفخر
طوبى للميت في سنوات الجوع
فلم يقتله أخ مغلول الرقبة
.. ولنا طوبى
ولمن أتقن أن يتوازن في المشي
وكان العالم مقلوباً "

ممدوح عدوان , دفاعاً عن الجنون