Home > Author > Wael B. Hallaq >

" فيما يتعلق بالممارسة القضائية، كان الخصوم والمتقاضون يقفون أمام القاضي من دون مراسم ويعرضون قضاياهم من دون الحاجة إلى وساطٍة احترافية، إذ ليس في الشريعة محامون. كان المتقاضون يتحدثون بصورةٍ غير رسمية من دون أن يعيقهم أي شيء مما نجده في الضبط الصارم للمحاكم الحديثة (بل إنَّ فكرة ازدراء المحكمة، تلك الفكرة الانضباطية إلى أبعد حد، لم يكن لها وجود). وكانوا يعرضون قضاياهم كما يعرفون، من دون لغة اصطلاحية. وكان ذلك ممكنًا لأنه لم تكن في نظام العدالة الإسلامي فجوة بين المحكمة كهيئةٍ قضائية والمتقاضين، مهما كانوا معدمين اقتصاديًا أو محرومين تعليميًا.

بيد أن غياب تلك الفجوة لا يرجع بالكامل إلى المحكمة والقاضي فحسب، حيث يجب أن نقر بفضل المتقاضين أنفسهم بالدرجة نفسها. فخلافًا للمجتمع الحديث المعزول عن المجال القانوني بصورٍ عدة، كان المجتمع المسلم ما قبل الحديث مرتبطًا بنظام القيم الشرعي بقدر ما كانت المحكمة نفسها متجذرةً في العالم الأخلاقي للمجتمع. ومن الملامح البارزة لذلك المجتمع أنه كان يعيش الأخلاق القانونية والقواعد الأخلاقية القانونية، لأنها كانت تشكّل الأسس الدينية وسنن السلوك الاجتماعي. ومن الواضح كل الوضوح أن القانون الأخلاقي للمجتمعات الإسلامية ما قبل الحديثة كان تراثًا حيًا ومَعِيشًا. "

Wael B. Hallaq , الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي


Image for Quotes

Wael B. Hallaq quote : فيما يتعلق بالممارسة القضائية، كان الخصوم والمتقاضون يقفون أمام القاضي من دون مراسم ويعرضون قضاياهم من دون الحاجة إلى وساطٍة احترافية، إذ ليس في الشريعة محامون. كان المتقاضون يتحدثون بصورةٍ غير رسمية من دون أن يعيقهم أي شيء مما نجده في الضبط الصارم للمحاكم الحديثة (بل إنَّ فكرة ازدراء المحكمة، تلك الفكرة الانضباطية إلى أبعد حد، لم يكن لها وجود). وكانوا يعرضون قضاياهم كما يعرفون، من دون لغة اصطلاحية. وكان ذلك ممكنًا لأنه لم تكن في نظام العدالة الإسلامي فجوة بين المحكمة كهيئةٍ قضائية والمتقاضين، مهما كانوا معدمين اقتصاديًا أو محرومين تعليميًا.<br /><br />بيد أن غياب تلك الفجوة لا يرجع بالكامل إلى المحكمة والقاضي فحسب، حيث يجب أن نقر بفضل المتقاضين أنفسهم بالدرجة نفسها. فخلافًا للمجتمع الحديث المعزول عن المجال القانوني بصورٍ عدة، كان المجتمع المسلم ما قبل الحديث مرتبطًا بنظام القيم الشرعي بقدر ما كانت المحكمة نفسها متجذرةً في العالم الأخلاقي للمجتمع. ومن الملامح البارزة لذلك المجتمع أنه كان يعيش الأخلاق القانونية والقواعد الأخلاقية القانونية، لأنها كانت تشكّل الأسس الدينية وسنن السلوك الاجتماعي. ومن الواضح كل الوضوح أن القانون الأخلاقي للمجتمعات الإسلامية ما قبل الحديثة كان تراثًا حيًا ومَعِيشًا.