Home > Author > Wael B. Hallaq >

" فحتى لو سلمنا جدلًا بزعم الحداثيين أن الفقر والمرض والجوع هم إصر البشرية من فجر الزمن، فإن المدافعين أنفسهم عن فضائل المشروع الحديث لا بد أن يواجهوا زعميْن نقيضين وربما ثلاثة. والنقيض الأول والأقل إقناعًا بين الثلاثة هو أنه بينما كان الفقر والجوع والمرض قبل عصر الحداثة من عمل الطبيعة، وكان ذلك أمرًا ليس منه بد، فإن تلك الأشياء غالبًا ما تكون الآن من عمل الإنسان، فالرأسمالية والنزعة التصنيعية (industerialism) ودمار البيئة الطبيعية الناتج عن ذلك ليس من عمل الطبيعة، وإنما هي من آثار ما يُوصَف بالتقدم. أما النقيض الثاني والأكثر ثبوتًا من الأول، فهو التفكك الحديث، في ظل رأسمالية الدولة، لما كان في وقت ما بنى عضوية واجتماعية وأسرية. وهنا لا يمكن إنكار أن انهيار الأسرة والجماعة التقليدية خلق، في جانب منه، فردًا مغتربًا ومتشظيًا ونرجسيًا، هو موضوع بحث كثير من المفكرين وعلماء الاجتماع والمحللين النفسيين والفلاسفة في العصر الحديث. وهذا الانهيار جزءٌ لا يتجزأ من المشروع الحديث، كما أنه يحدده على نحوٍ جوهري. والنقيض الثالث والأكثر أهمية، أنه لا يوجد شكٌ مطلقًا في الآثار الكارثية للمشروع الحديث على العالم الطبيعي الذي نعيش فيه، وهو مشروع غير مسبوق، ويعتبر بأقوى المعاني “المقياس النهائي للانسان "

Wael B. Hallaq , الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي


Image for Quotes

Wael B. Hallaq quote : فحتى لو سلمنا جدلًا بزعم الحداثيين أن الفقر والمرض والجوع هم إصر البشرية من فجر الزمن، فإن المدافعين أنفسهم عن فضائل المشروع الحديث لا بد أن يواجهوا زعميْن نقيضين وربما ثلاثة. والنقيض الأول والأقل إقناعًا بين الثلاثة هو أنه بينما كان الفقر والجوع والمرض قبل عصر الحداثة من عمل الطبيعة، وكان ذلك أمرًا ليس منه بد، فإن تلك الأشياء غالبًا ما تكون الآن من عمل الإنسان، فالرأسمالية والنزعة التصنيعية (industerialism) ودمار البيئة الطبيعية الناتج عن ذلك ليس من عمل الطبيعة، وإنما هي من آثار ما يُوصَف بالتقدم. أما النقيض الثاني والأكثر ثبوتًا من الأول، فهو التفكك الحديث، في ظل رأسمالية الدولة، لما كان في وقت ما بنى عضوية واجتماعية وأسرية. وهنا لا يمكن إنكار أن انهيار الأسرة والجماعة التقليدية خلق، في جانب منه، فردًا مغتربًا ومتشظيًا ونرجسيًا، هو موضوع بحث كثير من المفكرين وعلماء الاجتماع والمحللين النفسيين والفلاسفة في العصر الحديث. وهذا الانهيار جزءٌ لا يتجزأ من المشروع الحديث، كما أنه يحدده على نحوٍ جوهري. والنقيض الثالث والأكثر أهمية، أنه لا يوجد شكٌ مطلقًا في الآثار الكارثية للمشروع الحديث على العالم الطبيعي الذي نعيش فيه، وهو مشروع غير مسبوق، ويعتبر بأقوى المعاني “المقياس النهائي للانسان