Home > Author > عبد الله العروي >

" إذا كان العرب قد مروا من ملك طبيعي إلى خلافة إسلامية ومنها إلى ملك سلطاني. فليس غريبا أن يحافظ الفقيه على فكرة الخلافة مع اعترافه أنها انقلبت إلى ملك، وأن يدوّن المؤرخ أيام قبائل العرب حيث تتكشف له آثارها في سلوك أمراء بني أمية وبني العباس من خلال الطلاء الإسلامي، وأن يستخلص الفيلسوف من هذا التناقض التطلع إلى الخلافة والخنوع تحت الحكم السلطاني، إن سبيل النجاة هو اعتزال المجتمع والانكماش على الذات بهدف تزكية النفس وتنمية المواهب.

إن الطوبى السياسية في الإسلام – تلك التي يسميها الفقيه خلافة، والفيلسوف مدينة فاضلة – هي ظل السلطنة القائمة. وذلك بمعنيين مختلفيين. هي أولا نتيجة عكسية، صورة مقلوبة للوضع القائم في القلوب والأذهان المتضايقة منه. وهي ثانيا وسيلة لتقويته وتكريسه، فتنقلب بالضرورة الطوبى إلى أدلوجة. يعيش المرء تحت سلطان ويتخيّل نظاما لا يحتاج إلى سلطان: (الوازع فيه ذاتي لا خارجي حسب التعبير الخلدوني.) فيقول له الفقيه: ذلك هو الخلافة. ويقول له الفيلسوف: هي المدينة الفاضلة. ويقول له الصوفي: تلك هي طريقة الإخوان. لكن إذا سأل: متى وكيف؟ يُردُّ الأول: عندما يشاء الله ويغير طبيعة البشر، ويرد الثاني: الخطاب موجه للفرد العاقل الحكيم وحده، ويرد الثالث: بعد أن يتربى المريد وينسلخ عن طبيعته الحيوانية. وهي كلها أجوبة لا تضُرُّ السطان في شيء بل تخدمه وتقوّي مركزه، خاصة غذا كان مشبعا بالحكمة يفضل الشهرة والصيت على اللذة الشهوانية. "

عبد الله العروي , مفهوم الدولة


Image for Quotes

عبد الله العروي quote : إذا كان العرب قد مروا من ملك طبيعي إلى خلافة إسلامية ومنها إلى ملك سلطاني. فليس غريبا أن يحافظ الفقيه على فكرة الخلافة مع اعترافه أنها انقلبت إلى ملك، وأن يدوّن المؤرخ أيام قبائل العرب حيث تتكشف له آثارها في سلوك أمراء بني أمية وبني العباس من خلال الطلاء الإسلامي، وأن يستخلص الفيلسوف من هذا التناقض التطلع إلى الخلافة والخنوع تحت الحكم السلطاني، إن سبيل النجاة هو اعتزال المجتمع والانكماش على الذات بهدف تزكية النفس وتنمية المواهب. <br /><br />إن الطوبى السياسية في الإسلام – تلك التي يسميها الفقيه خلافة، والفيلسوف مدينة فاضلة – هي ظل السلطنة القائمة. وذلك بمعنيين مختلفيين. هي أولا نتيجة عكسية، صورة مقلوبة للوضع القائم في القلوب والأذهان المتضايقة منه. وهي ثانيا وسيلة لتقويته وتكريسه، فتنقلب بالضرورة الطوبى إلى أدلوجة. يعيش المرء تحت سلطان ويتخيّل نظاما لا يحتاج إلى سلطان: (الوازع فيه ذاتي لا خارجي حسب التعبير الخلدوني.) فيقول له الفقيه: ذلك هو الخلافة. ويقول له الفيلسوف: هي المدينة الفاضلة. ويقول له الصوفي: تلك هي طريقة الإخوان. لكن إذا سأل: متى وكيف؟ يُردُّ الأول: عندما يشاء الله ويغير طبيعة البشر، ويرد الثاني: الخطاب موجه للفرد العاقل الحكيم وحده، ويرد الثالث: بعد أن يتربى المريد وينسلخ عن طبيعته الحيوانية. وهي كلها أجوبة لا تضُرُّ السطان في شيء بل تخدمه وتقوّي مركزه، خاصة غذا كان مشبعا بالحكمة يفضل الشهرة والصيت على اللذة الشهوانية.